السبت 1 يونيو 2024

«مصنع بير سلم» يكشف عن أكبر شركة لتصنيع المبيدات المغشوشة

14-6-2017 | 00:43

«مصنع مخالف» يستخدم عبوات شركة كبرى لتوزيع المبيدات المغشوشة

المصنع يديره مدير عام شركة كبرى بالإسماعيلية

إصابة الأهالي بضيق في التنفس والتهابات في الشعب الهوائية

أمين لجنة المبيدات: 90% من الأدوية المنتشرة في الأسواق «مغشوشة»

وزير الزراعة الأسبق: المبيدات المخالفة غزت السوق خلال فترة القصور الأمني

 

هاتفني أحد المواطنين الذين يقطنون بعزبة صغيرة تابعة لقرية الخطارة بمحافظة الشرقية، يطلب مني مناقشة أزمة خطيرة تهدد حياة العشرات من أهالي المنطقة، من خلال تحقيق صحفي، بسبب إقامة مصنع "مخالف" لتصنيع المبيدات الزراعية –مصنع بير السلم- ويضع عليها العلامة المائية لأحدى الشركات الكبرى المعروفة بإنتاج تلك المبيدات على عبوات مطابقة لعبوات الشركة الرسمية المنتشرة في 3 محافظات رئيسية وهي الشرقية والإسماعيلية والجيزة.

 

مفاجأة صادمة

المفاجأة في الأمر، أن صاحب المصنع المنشأ بتلك المنطقة يدعى "صفوت.م" يعمل مديرًا بشركة «أجريكو الدولية لصناعة المبيدات الزراعية» بفرع القنطرة غرب بمحافظة الإسماعيلية، ويستغل منصبه في الاستعانة بالعبوات الفارغة والعلامات المائية الخاصة بالشركة ووضعها على المبيدات المغشوشة وتوزيعها بمسمى الشركة، مما أدى إلى إصابة البعض بأمراض مختلفة وتدمير عشرات الأفدنة الزراعية بسبب استخدام الأسمدة المغشوشة.

توجهت لتلك المنطقة للتحقق من الإدعاءات التي أملاها علي أحد المواطنين، ولكن شرطة المسطحات سبقتني لما كنت أنتوي إليه، وأغلقت المصنع وضبطت القائمين عليه وحررت محضرًا بالواقعة بعد تحريز المضبوطات التابعة للشركة الرسمية.

تلك الوقائع أكدها لي أهالي "العزبة" الصغيرة بعد أن تحققت من تواجد المصنع داخل الكتلة السكنية من خلال استغلال أحد المنازل المبنية بالطوب الرملي، وقال محمد مصطفى، أحد السكان:" إن هناك شابا في القرية كان يعمل بمصنع "أجريكو" لصناعة الأدوية الزراعية بمدينة القنطرة غرب، لأنه على قرابة بمدير بفرع الشركة ويدعى "صفوت" الذي يقطن بمدينة الإبراهيمية التابعة لمحافظة الشرقية، وشيد مصنعًا مخالفًا هناك أيضًا وهذا ما قاله لنا هذا الشاب، الذي خرج من مراحل التعليم الابتدائية ولا يجيد القراءة والكتابة".

وتابع:" أن مدير الفرع أقنعه وأقنع والده بإنشاء فرع للشركة في منزلهم، وأن يكون الشاب مسئولًا عنه مقابل مبلغ مالي مجزي كما يوفر على نفسه عناء التنقل والسفر، وبسبب أمية الشاب ووالده وافقا على الفور، وبدأ في تجهيز كل شيء في منتصف الليل، حتى العبوات والمواد الأولية كانت تنقل في منتصف الليل وكذالك عمليات التصنيع والإنتاج فضلا عن الشحن والتوزيع.

 

أزمات صحية

ويضيف أحمد شعبان، أحد المواطنين:" عندما بدأ المصنع في العمل بدأت بعض الأطفال والكبار في السن يشكون من آلام في الصدر وضيق في التنفس، وعندما توجهوا إلى الطبيب قال لهم إنهم يعانون من التهابات في الشعب الهوائية وربوا على الصدر، وبدأت حالات الإصابة تتزايد، مما دفعنا لتقديم عدد من الشكاوى للمسئولين وتقديم بلاغات للجهات المختصة، بعدما رفض "صفوت" توسلنا لغلق المصنع المخالف، وهددنا بعلاقته ومعارفه ونفوذه".

أما أحمد محمد، أحد المزارعين في القرية، أكد أن صاحب المصنع الذي لا نراه إلا قليلًا وأقاربه رفضوا رفضًا تامًا إغلاق المصنع المخالف رغم خطورته على الجميع وأولهم القائمين على المصنع، مشيرًا إلى أن رفض أقاربه بسبب الجهل وعدم علمهم بالخطر حيث أن جميعهم غير متعلمين إلا شابًا واحدًا حصل على الثانوية الأزهرية".

وتابع:" أن رفضهم نابع من ثقتهم في قريبهم الذي وعدهم بأنهم لن يضرهم أذى وأنهم غير مخالفين، حتى جاءت شرطة المسطحات وأغلقت المصنع وحرزت كل ما فيه، وهرب صاحبه حيث تجري الأجهزة الأمنية محاولات لضبطه".

 

اعترافات بالمخالفات

وتمكنا أخيرًا من التوصل للشاب المسئول عن المصنع المخالف ويدعى علي محمد، والذي قال:" عمي صفوت شغال مدير في شركة أجريكو، واشتغلت معه 3 سنوات في فرع القنطرة غرب، وعرض عليا نفتح مصنع في بلدنا أديره ونصنع فيه أدوية نفس أدوية الشركة الرئيسية وهو هيسوق كل حاجة بمعرفته، ولثقتي فيه وافقت على الفور وكنا بنشغل المصنع بالليل وكمان الكميات المصنعة تخرج ليلًا وكذلك استقطاب المواد الأولية والخام والعبوات الفارعة".

وتابع: "فضلنا شغالين رغم تذمر أهالي بلدتي، ولكن تصورت إنها غيره مننا علشان بقى عندنا مصنع وهما كارهين الخير لنا، حتى تفاجئنا بقوة كبيرة من شرطة المسطحات داهمت المصنع وأغلقته وصادرت كل الأدوات والعبوات وسألوا على عمي صفوت لكنه كان غير موجود، لأنه مابيجيش إلا نادرًا وبيكون التواصل معي من خلال الهاتف".

 

مخالفات بالجملة لشركة مبيدات كبرى

حاولنا التحقق من ارتكاب ذلك الشخص مخالفات أخرى باسم الشركة في أماكن أخرى بالمحافظة كما أكد الأهالي، فقد وجدناه ارتكب عشرات المخالفات التي رصدتها مختلف الصحف خلال الفترة من عام 2003 وحتى عام 2014، بمقر الشركة الأساسي ومسقط رأسه بقرية "مباشر" بمركز الإبراهيمية، حيث نشرت جريدة المسائية على صفحاتها بتاريخ 31/7/2014 تحقيقًا أكدت فيه أن شركة أجريكو ارتكبت جرائم مخالفة كبيرة، وأنتجت مبيدات مسرطنة وغير مطابقة للمواصفات القياسية، وتقدم ضدها العديد من البلاغات والشكاوى للجهات المختصة.

وقال الجريدة في تحقيقها المنشور، أن شركة " أجريكو" للمخصبات الزراعية أنشأت سنة 1988 بترخيص من وزارة الزراعة لتصنيع أسمدة و مخصبات زراعية ثم توسعت وأنشأت مصنعًا تابعًا لها في القنطرة شرق الإسماعيلية ومقرًا الشركة الرئيسي محافظة الشرقية بقرية مباشر.

وأكدت الصحيفة، أن جميع الحملات ضدها تؤكد غش المنتجات وعدم مطابقة المواصفات، وتستخدم أسطول من سيارات لنقل المواد المسرطنة لجميع المحافظات، فضلا عن اعترافات عامل بسر الهرمونات الإسرائيلية المستخدمة في التصنيع، والتي تسبب الأمراض السرطانية و الفشل الكلوي وفيروسات الكبد.

وتابعت الجريدة على صفحاتها:" أن العاملون اكتشفوا بعد فترة من العمل أن الشركة تنتج مواد مسرطنة ومبيدات مغشوشة، وحاولوا التصعيد وتقديم شكاوى للمسئولين وتقدم البعض بالاستقالة، إلا أن محام الشركة هدد العمال بتقديم شيكات وإيصالات أمانة موقعة منهم أمام المحاكم المختصة، فضلا عن تلفيق بعض قضايا المخالفات المالية والاختلاس، مما دفع الكثير من العمال عن التراجع".

 

الزراعة: 40% من الفلاحين يستخدمون المبيدات المغشوشة

وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى عبد الستار، أمين لجنة مبيدات الآفات الزراعية، إن هناك مبيدات مغشوشة بالسوق المحلي تصل إلى 90% ، ولكنها ليست مسرطنة، ويساعد في انتشارها إقبال الفلاحين عليها لقيامها بالغرض المنشود، دون النظر للجوانب السلبية.

وقال لـ«الهلال اليوم» إن الوزارة تحاول بشتى الطرق مواجهة ظاهرة غش المبيدات، والقضاء على مصانع بير السلم المصنعة للأدوية المغشوشة، مؤكدًا أن نسبة كبيرة من الفلاحين تصل إلى 40% تستخدم مبيدات مغشوشة من أجل تحسين المحصول بأقل تكلفة، مما يشجع على استمرار السوق الرمادية التي تضر بالمحاصيل.

ولفت إلى أن ظاهرة تهريب المبيدات ظاهرة عالمية، وتتراجع تدريجيًا في القاهرة خاصة بعد هدم الأنفاق الحدودية مع سيناء، لأنها كانت تستخدم في تهريب الأدوية المغشوشة، وأغُرقت السوق المصري خلال أحداث 25 يناير من عام 2011، فضلا عن التوسع في إنشاء المصانع المخالفة وإنتاج ملايين العبوات من المبيدات المغشوشة.

وعن أداء الأجهزة الرقابية في مواجهة انتشار ظاهرة الأدوية المغشوشة، أكد أن الجهاز يشن حملات بصفة يومية بالتنسيق مع جهاز الرقابة علي المبيدات و شرطة المسطحات والبيئة للقضاء على الظاهرة وضبط الجناة ومسائلتهم قانونيًا، مشيرًا إلى أنه تم ضبط مصنع في مدينة بدر يصنع مبيدات إسرائيلية ويكتب علي الشكل الخارجي كلمات عبرية،" حتي يقنع المواطنين، مؤكدًا عدم وجود أي مبيدات مسرطنة في مصر حتي الآن، رغم المخالفات والانتهاكات المنتشرة.

 

وعن حجم استخدام مصر للمبيدات، قال "عبد الستار" إن مصر تستهلك سنويًا 10 آلاف طن مبيدات، ولا يوجد سعر ثابت للأدوية لأن المستورد هو من يحدد السعر، لافتًا إلى أنه لا توجد دولة في العالم قادرة على اكتشاف المبيد وتصنيعه سوى اليابان وأوروبا والصين، وتصل تكاليف اكتشاف المبيد الواحد إلى 500 مليون دولار.

 

وزير الزراعة الأسبق: الأجهزة المختصة تحاصر المخالفين

أما الدكتور صلاح عبد المؤمن، وزير الزراعة السابق، أكد أن الدولة لا تتستر على أي مصانع مخالفة وتلاحق المتورطين في صناعة الأصناف المغشوشة التي تضر بصحة المصريين.

وقال لـ«الهلال اليوم» إن هناك كميات كبيرة من المبيدات المغشوشة دخلت السوق دون علم أجهزة الدولة، عن طريق عمليات التهريب الواسعة بواسطة مهربين مختصين ينجزون مهامهم عبر البحر، لافتًا إلى أن البلاد أغُرقت بالمبيدات المغشوشة في فترات القصور الأمني.

وأكد وزير الزراعة السابق، أن الأجهزة التنفيذية تمكنت من محاصرة عدد كبير من المتلاعبين والقائمين على صناعة الأدوية المغشوشة في وضع ملصقات مزورة على عبوات الأدوية، والتي انتشرت عقب ثورة يناير والتي زادت فيها المبيدات المغشوشة بشكل ملحوظ.