يسألونك عن قطر قُل فيها الإخوان، وشرها أكثر من نفعها، ويسألونك عن تنظيم الإخوان قُل هو أذى فاعتزلوا الإخوان في كل حين، وما فتئ الإخوان يقولون لأنفسهم: استوصوا بقطر خيرا فإن لنا فيهم نسبا وصهرا، فقد كان الشيخ عبد البديع صقر هو أول من حط رحاله من الإخوان في إمارة قطر القفراء الجرداء عام ١٩٥٤ ، ومن بعده طارت أسراب الجراد الإخوانية فوق قطر ذات الأشجار البترولية، لتأكل عقول حكامها، وآخرهم تميم بن حمد.
هرب عبد البديع صقر من مصر عام ١٩٥٤ إلى قطر، وكأن الإخوان في كل حين يهربون، وبعده بعام هرب الشاب الإخواني عبد الحليم أبو شقة الذي انخرط في جماعة الإخوان على يد حسن البنا قبل أن يُغتال بأشهر قليلة، ومن بعدهما أخذت الأسراب الإخوانية تهبط إلى قطر، فهرب إليها يوسف القرضاوى، وأحمد العسال، وحسن المعايرجي، وعبدالمعز عبد الستار، وآخرون، وقد كان لهؤلاء الدور الأكبر في تأسيس التعليم القطري، حيث أنشأوا المدارس، ووضعوا مناهج التدريس، وسيطروا على منابر المساجد، وفي عام ١٩٧٣ أصدر حسن الهضيبي مرشد الإخوان الثاني حينما كان في رحلة حجه الأخيرة قرارا بتكليف القرضاوي، وعبدالمعز عبدالستار، وأحمد العسال بإنشاء كيان لتنظيم الإخوان في قطر والإشراف عليه وأخذ البيعة من أعضائه نيابة عن المرشد، ولم يتأخر القرضاوي عن الأمر الذي صدر له، ففي غضون عام ١٩٧٤ كان الإخوان في قطر قد نجحوا في تجنيد مائة شخص قطري وضمهم للتنظيم، ثم بدأ التنظيم رسميا في وضع أولي الخطوات في حركته، فعقدوا اجتماعا تأسيسيا حضره أكثر من مائة شخص بوجود قادة الإخوان القرضاوي وأصحابه السالوس صقر وأبو شقة وعبد المعز، ورتبوا الأمر على أن تكون قطر من الناحية التنظيمية بمثابة منطقة ... وفيها أربع شُعَب، وكل شعبة فيها أربع أسر، وكل أسرة تتكون من خمسة أفراد، ثم هناك في القمة مكتب إداري، واختار الإخوان هناك رجلا من كبار العلماء القطريين كي يكون مراقبا عاما للإخوان هناك هو الشيخ «عبد الله الأنصاري»، فكان الأنصاري هو قائد إخوان قطر، أما القرضاوي فكان بمثابة المرشد الروحي، وحين توفي الأب المؤسس عبد الله الأنصاري عام ١٩٨٩ حضر إلى جنازته آلاف الإخوان من كل العالم، وكان ذلك بالتنسيق مع التنظيم الدولي لتكون تلك الجنازة ثاني الجنازات الكبرى في تاريخ الإخوان بعد جنازة عمر التلمساني عام ١٩٨٧، وفي جنازة الأنصاري وقف الشيخ القرضاوي ليلقي كلمة العزاء والتأبين فذكر أنه كان من خير الإخوان للإخوان.
ولندع الأنصاري في قبره، إلا أن ابنه محمد يتولى الآن موقعا كبيرا في تنظيم الإخوان في قطر؛ حيث يتولى موقع مسئول التربية، وقد كان الإعلام والتربية والتعليم هى أهم الأشياء التي يبتغيها الإخوان ليصيغوا النشء بصيغتهم وختمهم الإخواني، لذلك عندما أصدر أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد عام ١٩٧٣ قرارا بإنشاء أول كلية في قطر، كانت كلية التربية، وكان ذلك بالاتفاق مع شيوخ الإخوان القرضاوي، وأبو شقة، والمعايرجي، والعسال، وتولى كوادر الإخوان من مصر والبلاد العربية أمر هذه الكلية، وعندما تحولت هذه الكلية إلى جامعة عام ١٩٧٧ كان ذلك أيضا بالتوافق مع الإخوان، وقتئذ كانوا قد أحكموا السيطرة على كثير من المؤسسات القطرية، وبدأوا في إحكام السيطرة على جامعة قطر، حتى إن معظم الكوادر المهنية المصرية المنتمية للإخوان، من أساتذة الجامعات كان لابد أن يذهبوا إلى قطر للعمل فيها ولو لفترات قليلة، المهم أن يأخذ الإخواني «نفسا عميقا من الهواء الإخواني في قطر الإخوانية»، وكان تأسيس قناة «الجزيرة» هو الأمر الذي أوقد الإخوان فكرته في رأس الشيخ حمد، ولم يكن ذلك من محض أفكار الإخوان، ولكنه كان بالتنسيق مع المخابرات البريطانية التي كانت ولاتزال هي الراعي الرسمي للإخوان، والأب الروحي لقطر، وبالإخوان وبغيرهم قامت تلك القناة وأصبحت بوقا للإخوان وأداة من أدوات الشر ونشر الفتنة بين الشعوب العربية، وكم من مرة خدعت تلك القناة الشعوب، فكانت تسعى لنشر الفوضى في البلاد العربية؛ حيث كان الناس يظنون أنها تسعى لنشر الحرية، وقد كانت الأداة الأمينة في يد أمريكا وبريطانيا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط، وصُنع ما أطلقت عليه «كونداليزا رايس» الفوضى الخلاقة، وأظنها نجحت في إدارة تلك الفوضى حينما كانت الشعوب تتعرض لبرمجة ذهنية جمعية وضع مناهجها ثلة محترفة من أكبر المتخصصين في ذلك المجال في العالم.
كانت مخططات إدارة الإعلام للسيطرة على العقلية الجمعية للشعوب العربية هي اللعبة التي تتقنها مؤسستان من أخطر المؤسسات في العالم في العصر الحديث، «معهد تافستوك» و»معهد تشاتام هاوس» وكلاهما تابعان للمخابرات البريطانية، تافيستوك متخصص في علوم البرمجة الذهنية وإدارة العقلية الجمعية للجماهير والشعوب، وقد ساهم هذا المعهد بشكل فاعل من قبل في تهيئة الأجواء في إيران للقيام بثورة يناير ١٩٧٩ الخومينية ضد الشاه رضا بهلوي، ومن خلال خبرات معهد تافيستوك المتعددة وضع منظومة لقطر من أجل إدارة قناة «الجزيرة» فأعطى الحكومة القطرية أكبر خبرائه في مجالات التأثير على الجماهير وإدارة حركتها الجمعية، ويعرف المصريون الذي عملوا في تلك القناة ماهية الدورات الإعلامية التي خاضوها والتي كان مستهدفها الأكبر هو التأثير الجمعي على الجماهير، ومع معهد تافيستوك كان معهد «تشاتام هاوس» الذي كان هو صاحب اليد العليا في وضع مسار قناة الجزيرة من ناحية تحليل الأخبار وصنع الأفلام الوثائقية، والاسم الأصلي لهذا المعهد هو «المعهد الملكي للشئون الدولية» وشهرته: معهد تاشتام هاوس، ومقره لندن، وهذا المعهد التابع للمخابرات البريطانية يقوم بمهام تحليل المعلومات، وإعداد الأبحاث المتعلقة بالشرق الأوسط، ويعمل فيه مجموعة من الإخوان تتزعمهم مها عزام، ويعطي جائزة دولية سنوية حصل عليها بعض قادة التنظيم الدولي للإخوان مثل راشد الغنوشي، فضلا عن أنه أعطى جائزته في إحدى السنوات للشيخة «موزة» وفي عام آخر أعطاها لهيلاري كلينتون! وقد وضع هذا المعهد الخطط الإعلامية لكل الأفلام الوثائقية التي أعدتها قناة الجزيرة، وكان أثناء ثورات الربيع العربي هو الذي يضع التحليل لنشرات الأخبار حيث يقوم المذيعون في الجزيرة بتلاوتها بطريقتهم التي تم تدريبهم عليها، أما معهد تافيستوك فكان قد أمد الجزيرة بخبيرين إسرائيليين من كبار المتخصصين في مجالات الإعلام، وقد كان هذان الخبيران ومعهما خبير علم النفس الاجتماعي «ستيفن هيرشل» هما من قادوا «الغزوات الإعلامية» لقناة الجزيرة أثناء ثورات الربيع العربي، وأثناء انتخابات الرئاسة في مصر، حيث كانت كل جهودهم ترمي إلى توجيه الجماهير ناحية التصويت لمحمد مرسي.
نترك الآن قناة الجزيرة وأحوالها لنعود إلى ما بدأنا به الحديث، وهو عن مدى تأثر حكام قطر بالإخوان، ورغم أن العلاقة بينهما قد عقدت قرانها المخابرات البريطانية إلا أن الشيخ خليفة بن حمد الذي تولى الحكم في قطر من عام ١٩٧٢ إلى عام ١٩٩٥ كانت صلاته قد توثقت مع الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبد الحليم أبو شقة، وقبل أن يصبح أميرا لقطر، وأثناء توليه منصب ولي العهد قام باستقدام الشيخ القرضاوي والشيخ عبد الحليم أبو شقة لتعليم وتربية ابنه «حمد بن خليفة» فاستغل الإخوان هذه الفرصة وقاموا بتنشئة الشيخ حمد على أفكار الإخوان، فدرَّسوا له تاريخ الجماعة ورسائل حسن البنا، حتى إن الكتاب الذي كتبه القرضاوي في شرح رسائل البنا كانت تجميعات للدروس التي كان يلقيها للشيخ حمد، وحينما أصبح الشيخ حمد أميرا على قطر بعد أن انقلب على أبيه دار الزمن دورته فأحضر إلى القصر القرضاوي ومن معه من شيوخ الإخوان ليقوموا بتربية الأمير الصغير «تميم» المولود عام ١٩٨٠ وقد وصل اندماج تميم مع أفكار الإخوان حدا كبيرا حيث عاش في فكرة الخلافة، وتغذت طموحاته من هذه الفكرة، ووجد أنه هو الأحق بالخلافة من أي حاكم آخر، وكأن الخلافة قد انعقد لواؤها وتنتظر الخليفة الذي سيأتي إلينا من آل «خليفة» ليدور الزمن دورته وينقلب تميم على أبيه حمد! ومنذ عام أحضر تميم الشيخ القرضاوي للقصر ليتولى تربية وتعليم ابنه حمد بن تميم المولود عام ٢٠٠٨ تربية على النسق الإخواني، ولكي يُعدَّه لكي يكون ولي عهد خليفة المسلمين «تميم بن حمد»! والشيخ العجوز القرضاوي لا يمل من تلك التكليفات، وكيف يمل وهو يأخذ مقابلها الملايين!.
ولكن من هم الآن قادة الإخوان القطريون، نعم نعرف الإخوان الهاربين من مصر بالاسم والصورة والصوت والهيئة، نعرف القرضاوي، ووجدي غنيم، وعاصم عبد الماجد، وأيمن عبدالغني وغيرهم، ولكننا لا نعرف بعد قيادات الإخوان القطرية، كان على رأسهم منذ فترة جاسم بن سلطان وهو من الأصدقاء المقربين من عصام العريان حيث زامله في كلية طب قصر العيني، إلا أن أفكار جاسم اتجهت ناحية ضرورة أن يتحول الإخوان من تنظيم إلى تيار، فأعد مشروعا منذ خمسة عشر عاما أو يزيد اسمه «النهضة»، وانتهى في هذا المشروع إلى حل التنظيم الإخواني في قطر، وقد استجاب البعض له من إخوان قطر، إلا أن قيادات الإخوان في مصر رفضت هذا الأمر، ولم يتخلَ جاسم عن إخوانيته رغم اختلافه معهم في الوسائل، فظل مدافعا عنهم معتبرا أنهم خير أمة في أمة الإسلام.
ولكن جاسم كان من القيادات الشابة، وكان له أعظم التأثير في انتظام كيان الجماعة بقطر إلى أن اختلف معهم، إلا أن الشيوخ كانوا على رأي آخر هو أن جماعة الإخوان لا يمكن أن يُفكر أحد في حلها، وقد كانت تلك القيادات هي القيادات المؤسسة للتنظيم، حيث كان منهم الشيخ عبد الله بن تركي السبيعي والد «خليفة» المدرج في قوائم الإرهاب، وأيضا كان منهم الشيخ عيسى بن حارب الذي كان وزيرا للشئون الإسلامية والأوقاف وتوفي منذ شهرين، وأيضا كان منهم محمد بن سالم الكواري وقد كان رئيسا للقضاء الأعلى ووزيرا للعدل، وهو ابن أحد القيادات القديمة «الشيخ سالم الكواري» الذي كان سفيرا من سفراء قطر، وأيضا هو ابن عم أحد القيادات الإخوانية المدرجة في قوائم الإرهاب، واسمه سالم حسن خليفة الكواري، ومعه عبد اللطيف الكواري المدرج أيضا في قوائم الإرهاب، ثم محمد بن عبد الله الأنصاري ابن الشيخ المؤسس لإخوان قطر، وقد تولى مناصب قيادية في وزارة التعليم القطرية، وهو مسئول التربية في تنظيم الإخوان القطري. ولكن هل للإخوان مقرات ثابتة باسمهم في قطر، الإجابة ستبدو غريبة بخصوص تنظيم ضم حكام قطر، إذ ليس للإخوان مقر ثابت هناك، فالمقرات تكون في الغالب في منازل وقصور بعض الإخوة، أو في مقر شركات يمتلكونها وخصوصا شركات المقاولات، وعيادات الأطباء، ومقرات الجمعيات الخيرية والتربوية والشركات العاملة في هذه المجالات، وقد تم إدراج معظم هذه الشركات والجمعيات في قوائم الإرهاب بالفعل، ولكن الإخوان عملوا في قطر في ثلاث دوائر، دائرة إخوان قطر، ودائرة إخوان مصر، ثم دائرة التنظيم الموحد، لذلك فإن إخوان قطر لهم مقراتهم وإخوان مصر لهم مقراتهم، وإخوان التنظيم الموحد الذي يضم الإخوان من جنسيات متفرقة تكون لهم مقراتهم وأنشطتهم، إلا أنهم يجمعهم في النهاية إدارة واحدة. وتمويل الإخوان في قطر يأتي من عدة جهات وعدة طرق .. أولها من الاشتراكات الشهرية وتكون حوالي عشرة بالمائة من إجمالي دخل كل فرد. ثم زكاة المال والصدقات على أساس أن عمل الإخوان كما يقولون هو في سبيل الله وهو مصرف من مصارف الزكاة. ثم التبرعات من الأفراد الأغنياء وكبار رجال الأعمال،
نسبة سنوية ٥٪ من أرباح الشركات التي تساهم فيها الجماعة يتم توزيعها على التنظيمات الثلاثة وفقا لاحتياج كل تنظيم. وإخوان قطر يرسلون لإخوان مصر من ميزانيتهم ٣٠٪، ثم يرسلون للتنظيم الدولي نسبة قدرها ١٠٪. وفي فترة حكم تميم اختلفت الأمور اختلافا كبيرا، فقد أصبح التمويل «مليارين» ولعبت المليارات التي ضخها تميم دورا كبيرا في دعم الإرهابيين في المنطقة كلها، وكأن تميم كان يمسك بمليارات الغاز ليشعل بها حروبا، وقتالا، وتمويلا لمعسكرات الإرهاب في السودان وليبيا، وفي يده الأخرى يمسك بالإخوان يحركهم لتفتيت المنطقة، في ذات الوقت الذي كانت فيه المخابرات البريطانية تمسك بتميم، وتضع في نفسه الأمنيات، وهو الغر الأحمق الحالم بأن يكون خليفة للمسلمين، ولما لا ! أليس هو حفيد «خليفة».