الثلاثاء 21 مايو 2024

أهل القرآن وخاصته

14-6-2017 | 13:24

بقلم: الشيخ محمد زكى رزق

ربط الله تعالى فى كتابه الكريم بين صوم رمضان، والقرآن الكريم، فقال: (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: ١٨٥]، وقال تعالى: (إنا أنزلناه فى ليلة القدر) [القدر:١]، وقال تعالى: (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة) [الدخان: ٣].

وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان».

ولا تنزل هذه الكتب السماوية فى زمان إلا كان مباركا، لذلك فأهل الصيام هم أهل القرآن الذين مدحهم الله تعالى بقوله: «إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور «سورة فاطر، آية ٣٠،٢٩

قال رسول صلى الله عليه وسلم: إن لله آهلين قالوا من هم يا رسول الله قال «أهل القرآن وخاصته».

وقال «ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ( رواه مسلم).

ومن بركات القرآن على أهله أنه يشفع فيهم يوم القيامة، يقول النبى صلى الله عليه وسلمَ:الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَى رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِى فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِى فِيهِ . قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ.

فالذين تتطلع قلوبهم لنيل الرتب عند ربهم لا ينبغى أن يفتروا عن القرآن، حتى ينالوا هذه الرتبة الشريفة، وحق لها أن تكون شريفة وعالية ومرغوبة، حتى إن النبى صلى الله عليه وسلم وهو الذى أعطى جوامع الكلم ليجرى فيها الحسد مشاكلة لألفاظهم المستعملة، وتصحيحا لقلوب البعض، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» وهو ليس حسدا على الحقيقة وإنما هو غبطة وفرح وسرور، لكن كأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن النعمة الحقيقية التى تحسد هى نعمة العمل بالقرآن.

وجعل رب العالمين لأهل القرآن واجبا من الاحترام والتقدير حتى جعله من إجلال الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والجافى عنه وإكرام ذى السلطان المقسط ).

وإذا كانت هذه المنزلة فى الدنيا أفلا تكون منازل الآخرة أكبر وأجل وأعظم، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة).

وشهر رمضان فرصة للتائبين وللمقبلين على رب العالمين وللمحبين لكتاب ربهم ولسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ.

وكان لأهل العلم أحوال مع كتاب ربهم يتلونه ويقومون به، قال ابن رجب:» كان السلف يتلون القرآن فى شهر رمضان فى الصلاة وغيرها». وكان قتادة يختم القرآن فى كل سبع ليالٍ مرة، فإذا جاء رمضان ختم فى كل ثلاث ليالٍ مرة فإذا جاء العشر ختم فى كل ليلة مرة» وكان النخعى يفعل ذلك فى العشر الأواخر منه خاصة، وفى بقية الشهر فى ثلاث. والشافعى رحمه الله قال عنه ربيع بن سليمان: «كان محمد بن إدريس الشافعى يختم فى شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا فى صلاة « قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثورى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.

ولقد كان سلفنا الصالح يتخذون من شهر رمضان فرصة لمدارسة القرآن ومعرفة أخلاقه وأحكامه، ولم يقتصر الأمر على التلاوة فقط، كما يفعل كثير من الناس اليوم حين يقبلون على تلاوة الآيات وهم بعيدون عن العظات، وقد يصدق على كثير من الناس ما ذكره الله تعالى: ((وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان:١٧).

ومن هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.

ومن هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.

ومن هجرانه أن القارئ يقرؤه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.

وأما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.

يقول ابن رجب: ( يا من ضيع عمره فى غير الطاعة، يا من فرط فى شهره بل فى دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟).

فعلينا فى شهر القرآن أن نحسن التعامل مع القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا، وأن نشجع أولادنا على حفظه وتلاوته، حتى يصعد القرآن للخالق ويدعو لنا، فيقول اللهم احفظهم كما حفظوني، وأكرمهم كما أكرموني، وشرفهم كما شرفوني، وشفعنى فيهم يوم القيامة.

أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا * * * وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا

قومٌ قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ * * * لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا

زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ * * * فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُءوسِهِـمْ * * * لِيَكُونَ نُوراً فى الظـلامِ... فَكَانـا

سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا * * * وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

يَا رَبِّ أَكْرِمْ مَـنْ يَعيـشُ حَيَاتَـهُ * * * لِكِتَابِـكَ الوَضَّـاءِ لا يَتَـوَانـى

واجْعِلْ كِتَابَـكَ بَيْنَنَـا نُـوراً لنـ* * * أَصْلِحْ بِهِ مَـا سَـاءَ مِـنْ دُنْيَانـا

اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال.