الأربعاء 22 يناير 2025

السجل القومى للأورام

  • 14-6-2017 | 13:31

طباعة

بقلم –  د. حسين خالد

السرطان فى مصر يمثل مشكلة حقيقية، فهو من أهم أسباب الوفيات فى مصر وفى العالم بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، وحسب السجل القومى يوجد نحو مائة ألف حالة جديدة سنويا تضاف للحالات الموجودة، سواء التى تتلقى علاجها أو التى فى مرحلة المتابعة بعد الشفاء إلى جانب من يرتد لهم المرض، مع الأخذ فى الاعتبار حالات الوفيات، لهذا فهذه الفئة تحتاج لخصوصية فى التعامل مع هذا الملف من حيث العلاج أو المكافحة.

 

 

ومرض السرطان فى الحقيقة يؤثر بصورة مباشرة على أحوال المجتمع ككل، متجاوزا فى تأثيره أى مرض آخر، حتى لو كان فيروس سى الذى تبنته القيادة السياسية من قبل، وحقق إنجازا واضحا شهد له العالم، فمرض السرطان قصته ليست فى أعداد المرضى فقط وأنه يضاف مائة ألف حالة جديدة سنويا، فالقصة أن هناك أعباء أخرى منها قلة القوى العاملة فى المجتمع لأن مريض السرطان لا يمارس حياته بشكل طبيعى ولا يقدر أن يعمل، كما أن الأسرة تتأثر تأثرا شديدا جدا، لأن المرض يمثل عبئا ماديا ونفسيا واجتماعيا وصحيا على باقى أفراد الأسرة، الجزء المهم أيضا هو تكلفة العلاج الباهظة والمتزايدة باستمرار مقارنة بعلاج أى مرض آخر حتى علاج فيروس سى، بالإضافة إلى ذلك فإن الأعداد سوف تتزايد خلال السنوات القادمة لعدة أسباب، منها تزايد التعداد السكانى، وبالتالى زيادة حالات السرطان، أيضا زيادة متوسط أعمار المصريين يزيد، حيث زاد متوسط الأعمار عشر سنوات خلال العشر سنوات الماضية، وبالتالى احتمالات وفرص الإصابة تزيد، سبب آخر يتعلق بتفشى الأسباب الرئيسية للسرطان، وبالتالى المشكلة فى تزايد مستمر ولابد من اتباع استراتيجية واضحة لمكافحة الأورام فى مصر.

وهنا من المهم أن نشير للسجل القومى للأورام الذى يظهر عدد حالات السرطان الجديدة سنويا ومن خلال هذا العدد نستطيع تقدير حجم المشكلة. وبالتالى يتم وضع الخطط اللازمة من بنية تحتية وميزانيات مطلوبة وكوادر بشرية للوصول للتعامل مع ملف الأورام بصور جيدة، السجل القومى للأورام بدأ فى عام ٢٠٠٨ وكان باتفاقية ثلاثية بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالى والاتصالات، وظهر أول تعداد له فى عام٢٠١٤، ولأن المتبع فى الدول ذات التعداد الكبير لا يتم عمل حصر فى كل الولايات أو المحافظات، فيتم اختيار عدد ولايات أو محافظات تمثل الدولة ككل، ثم يتم حساب العدد الكلى للمرضى فى الدولة من خلال المحافظات الممثلة، ففى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال وهى ٥٠ ولاية ويتم تعداد حالات السرطان فى ١٦ولاية، أما فى مصر فقد تم اختيار خمس محافظات من ٢٧محافظة ويمثلون الجمهورية وهى محافظة فى أقصى الصعيد وهى أسوان، وثانية وسط الصعيد هى المنيا، وثالثة فى وسط الدلتا وهى الغربية، ورابعة هى البحيرة فى غرب الدلتا وساحلية وهى دمياط، ومن خلالها نستطيع حساب العدد الكلى لحالات الأورام فى مصر، لكن المشكلة أن هذا السجل رغم أهميته لم يعد يلقى الاهتمام والرعاية الكافية من الجهات المختصة فى صورة الاعتمادات المالية اللازمة ونتج عن عدم صرف هذه الاعتمادات وتعطيل العمل فى السجل القومى للأورام.

ومن الجدير بالذكر أنه يجب أن يكون لدى الدولة إستراتيجية واضحة لمكافحة السرطان تتبع إرشادات منظمة الصحة العالمية التى وضعت نموذجا لعمل أى خطة إستراتيجية قومية لمكافحة الأورام، وهذه الخطة تشمل خمسة محاور، أولها الوقاية والاكتشاف المبكر للأورام لأنه يزيد من نسب الشفاء ويقلل من تكلفة العلاج، المحور الثانى من إستراتيجية أى دولة هو التشخيص والعلاج ويتطلب عمل إرشادات علاجية تطبق على الجهات التى تعالج المرضى والتى تصرف ميزانية العلاج، ويجب تعميم هذه الخطوط الإرشادية العلاجية على كل مراكز ومعاهد الأورام، وأيضا فى التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة، مع وجود شبكة إلكترونية تربط بين الجهات المعالجة لتنفذ هذه الإرشادات، ومن ثم يتم التشخيص والعلاج لمريض السرطان بصورة نموذجية، المحور الثالث هو تدريب الكوادر اللازمة لممارسة المهنة من أطباء وتمريض وفنيين وتوفير الشهادات الأكاديمية لهم، المحور الرابع هو البحث العلمى وبالذات للمشكلات ذات الصبغة القومية، المحور الخامس استمرار وجود السجل القومى للأورام فى مصر ودعمه، خاصة أن العمل فيه منذ عام ٢٠١٤ بسيط جدا وليس كما بدأ فى الفترة من ٢٠٠٨حتى ٢٠١٤، ويعد نموذج مكافحة السرطان فى إنجلترا نموذجا ناجحا واعتمد على هذه المحاور ويمكننا أن نحذو حذوهم فى هذا الإطار.

أما فيما يتعلق بأدوية علاج السرطان هى الأخرى شق مهم جدا فى مجال مكافحة الأورام، حيث أصبح تصنيع أدوية السرطان ضرورة ملحة، وسمعنا مؤخرا عن مبادرة من وزارة الإنتاج الحربى ووزارة الصحة والشركة القابضة للمصل واللقاح للاتجاه لتصنيع أدوية الأورام، وهذه خطوة لو تمت ستكون تقدما هائلا فى ملف مكافحة السرطان، فأدوية السرطان كلها مستوردة تامة الصنع والقليل منها ما نصنع عبواتها.

ويجب التركز على توفير الأنواع الأساسية التى لا يمكن الاستغناء عنها فى جميع المجموعات العلاجية، أما الأدوية التى ليست أساسية والتى تشمل بعض أنواع العلاج الموجه والعلاج المناعى والبيولوجى، فللأسف أن هذه الأنواع الحديثة من أدوية علاج الأورام فى أغلبها باهظة التكلفة ولا تستطيع أغلب النظم الصحية فى العالم تحمل تكلفتها بصفة روتينية ومن المعروف أنه ليس كل غال أو جديد مفيد ولهذا تتجه المؤسسات الحكومية فى مختلف دول العالم ومنها مصر لاختيار العلاج المناسب للمريض منها بغض النظر عن الدعاية التى تقوم بها الجهات المنتجة، والحل الوحيد هنا هو قيام نظام تأمين صحى قوى وشامل يتحمل التكلفة المتزايدة للعلاج، وأيضا الالتزام التام بتطبيق الإرشادات العلاجية والتزام المعالجين بها، وهى التى ستؤدى لارتفاع نسب الشفاء والإقلال من تكلفة العلاج، وكانت اللجنة القومية لمكافحة الأورام والتى بدأت عملها منذ عام ٢٠١٢ وكانت مفعلة حتى حديثا، قد قطعت شوطا فى عمل هذه الإرشادات العلاجية ووضعت برتوكولات علاجية وأرسلناها لوزارة الصحة لتطبيقها فى التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة، وطبقت فى بعض المراكز والمعاهد العلاجية ومنها المعهد القومى للأورام، ولكن لم تطبق بصورة شاملة ومازال الاعتماد قائما على الإرشادات العلاجية القديمة، ونتمنى تحقيق ذلك وأخذ الموضوع بجدية، وكذلك تفعيل دور السجل القومى للأورام.

وأخيرا فمن المهم أيضا توفير الميزانيات اللازمة لمكافحة السرطان، وهنا يأتى دور المجتمع المدنى فى دعم الدولة، والملاحظ أن هذا الدور يعمل بصورة جزئية وغير منظمة، لأن هناك مئات المؤسسات والجمعيات التى تقوم بجمع التبرعات ويختلط الحابل بالنابل، ويؤدى هذا غالبا إلى سوء توزيع هذه الأموال وعدم وصول الدعم إلى من يحتاجه وتكدسه فى جهات أخرى، والحل هنا أن نتبنى مبادرة بإنشاء هيئة أو جهة أو آلية مستقلة وغير حكومية لها مصداقية لدى المواطن تشرف على جمع التبرعات وإدارتها بصورة شفافة وعادلة بالتعاون مع الوزرات المختصة، بحيث يكون لديها خريطة كاملة عن الأقسام والمراكز والمستشفيات المعالجة التى تعالج مرضى الأورام وتقدر احتياجاتها وهذا سيؤدى إلى ترشيد استخدام التبرعات لصالح الجميع حسب مدى الحاجة إليها والله الموفق والمستعان.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة