بقلم – أحمد بان
يبدو السؤال مشروعا تجاه إمارة صغيرة ،هى شبه جزيرة لاتملك سوى حدود برية صغيرة مع دولة كبيرة فى الإقليم هى المملكة العربية السعودية، التى أهلتها العديد من المقومات التاريخية والواقعية للعب دور على الساحة الإقليمية والدولية .
لكن المناكفة السياسية والرغبة فى لعب أدوار أكبر من أقدار قطر وقدراتها ،التى لايتجاوز عدد سكانها الأصليين نصف مليون نسمة، دفعها إلى المراهنة على عامل لا يتعلق بقدرات الدولة التى تؤهلها فى الغالب للعب أدوار فى السياسة الإقليمية والدولية، مثل عمق حضارى كبير كالذى تمتلكه دول قديمة ومركزية مثل مصر أو تركيا أو حتى إيران ،أو سوريا قبل أن يضربها زلزال الحرب الأهلية، أو قوة اقتصادية تستند الى تراكم اقتصادى لافت، أو عمق سكانى منتج تفتقر قطر لكل تلك المقومات، لكن لاتفتقر إلى حلم أحمق فى السيادة الإقليمية وطموح جارف فى التأثير الدولى ،جعلها تحتذى حذو الكيان الصهيونى فى اللعب بسلاح المال والإعلام ،حيث أهلتها فوائض مالية ضخمة للعب دور مشبوه لحساب قوى كبرى ،وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية التى اعتمدت قطر أداة لنشر الفوضى فى المنطقة وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط لتبقى فى إسرائيل هى الكيان الأكثر تماسكا وتأثيرا فى سياق خطة الشرق الأوسط الكبير لعبت قطر على كل الحبال احتفظت بعلاقات شراكة إستراتيجية مع القطب الأكثر تأثيرا فى العالم، وحاولت أن تكسب دعمها على حساب الجارة والشقيقة الأكبر لها السعودية ،التى يمتد تاريخ علاقاتها وتحالفاتها مع أمريكا إلى عقود تفوق عمر قطر كدولة
لم تحاول قطر أن تكون دولة مدركة لحجمها وتختار الحياد كلون لسياستها ،وتندمج بإخلاص فى حاضنتها الأقرب وهى البيت الخليجى، بل سعت إلى أن تبقى تناقضا دائما مع توجهات البيت الخليجى فسعت إلى تبنى خيارات كارثية فى سياستها الخارجية
فاحتضنت كل أطياف الإسلام الحركى بدءا من الإخوان المسلمين مرورا بالسلفيين وصولا إلى الجهاديين كالقاعدة وداعش
راهنت على الفواعل من غير الدول ،لأنها تفتقر لعوامل قوة الدولة التى تمكنها من لعب تلك الأدوار ،تماما كالقراصنة الذين يختطفون السفن واحدة تلو الأخرى على وهم أنهم سيصبحون فى يوم من الأيام ملوك البحار
توافق الرهان الأمريكى مع مساعى قطرية لاختطاف الدور السعودى فى المنطقة ،على خلفيات وإحن تاريخية فالبرغم من أن البلدين السعودية وقطر قد وقعا اتفاق ترسيم الحدود بينهما ،إلا أن الحدود ظلت دون ترسيم وكانت السعودية قد تنازلت لصالح الإمارات عن أجزاء من واحة البريمى، مقابل تنازل الإمارات عن الشريط الساحلى المعروف بخور العديد وبالتالى لم تعد هناك حدود إماراتية مع قطر ،وأصبح لزاما على القطريين المرور على السعودية للوصول للإمارات تزامن ذلك مع إدعاءات قطرية بأن السعودية رعت محاولات للانقلاب فى قطر، رغم أنه من المعروف أن الانقلابات فى العادة فى قطر تحدث داخل البيت الواحد ،حتى أضحت عرفا سياسيا معروفا فى قطر الابن ينقلب على أبيه ثم ينقلب الابن من جديد وهكذا دواليك
لم تعرف قطر بنظام سياسى راشد على مستوى البنية أو السلوك ،ولم تعرف لها علاقة بالديمقراطية أو حكم المؤسسات ولم تعرف كواحة للديمقراطية فى المنطقة ، أو مثالا للاستقلال الوطنى ،ومع ذلك لايخجل حكام قطر من الحديث المتكرر فى أمور يفتقرون للحد الأدنى منها حيث سعت قناة الفتنة الجزيرة عبر خطاب ديماجوجى للتبشير بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان دون أن تلتفت بأدنى حد لما يحدث فى قطر
قطر ظلت تحلم دوما بالريادة الإقليمية وبوراثة الدور السعودى فى الإقليم والعالم، وتوسلت فى سبيل ذلك بشراكة أمريكية وعلاقات اقتصادية مع العديد من الدول خصوصا أوربا ،فضلا عن محاولة الجمع بين المتناقضات بالحرص على علاقات خاصة مع إيران وفى نفس الوقت تركيا، وفى نفس الوقت أمريكا حيث تصورت أن بإمكانها خداع الجميع وأن تعزف لكل دولة اللحن الذى يطربها ،وبالتالى لم يعرف للسياسة الخارجية القطرية ملامح محددة أو ثوابت معروفة
هذا على مستوى الدول أما على مستوى الجماعات فراهنت على جماعة الإخوان واعتبرت أن وصول الإخوان للحكم فى مصر سيفتح لها الأبواب للعب الدور الذى تريده ،فانخرطت على الفور فى تمويل حكم الجماعة فى مصر وفى غيرها ،لكن سقوط الجماعة فى مصر على خلفية ثورة شعبية فى ٣٠ يونيه ،لم يحررها من أوهامها بل واصلت حالة الإنكار وتصورت أن بإمكانها هدم الدولة المصرية وتشجيع الفوضى عبر دعم كل الحركات المسلحة وغير المسلحة ،التى يمكن أن تسهم فى هدم الدولة المصرية وامتد حبل التمويل والدعم السياسى والإعلامى الى آخره ،وتواصلت محاولات إشعال الفتنة فى مصر عبر دعم مجموعات الإخوان والقاعدة وغيرهم ،وظلت فضائيات الفتنة تكرر رسائلها السوداء حول ثورة مفترضة فى مصر، لم تكن سوى فصول من مسلسل الإرهاب الذى عكس تعاون الإخوان مع كل الطيف السلفى الجهادى الذى نشط فى سيناء وغيرها
كان طموح قطر هو التوسل بورقة الإخوان لتغيير الأنظمة فى الخليح وفى العالم العربى ،لتبقى هى النظام الوحيد الباقى من الماضى لذا لم يكن غريبا أن تقدم جماعة الإخوان المسلمين فى العام ١٩٩٩ على حل التنظيم فى قطر ،التى تم استثناء نظامها من الأنظمة المطلوب تغييرها باعتبارها حليفة للتنظيم وممولة لنشاطه
لذا لم يكن غريبا أن يتصدر الشيخ القرضاوى قائمة الإرهاب التى أصدرتها السعودية والبحرين والإمارات ومصر،باعتباره عراب المشروع ومن قام بتجنيد الأمير وابنه ليكونا أعضاء فى التنظيم ،ليكون بحق زعيم دولة الإخوان العميقة فى قطر وربما فى الخليج إذا مضت أحلامه إلى نهايتها
مقاربة تميم وأبيه منذ البداية الاستثمار فى دولة الإخوان التى تصوروا أنهم سيحظون فيها بمكانة تليق بهم
ورغم تبدل المسرح الإقليمى والدولى وغياب الإخوان عن ساحة التأثير مازالت قطر تراهن على فصائل مثل القاعدة وداعش ،فى إنضاج المسرح من جديد لصعود إخوانى تلعب فيه السلفية الجهادية الدور الأبرز فى هدم البيت على رؤوس أصحابه، بينما يختبئ الإخوان لبنائه فى النهاية على طريقتهم
لذا لن تكون لعبة فدية المليار دولار التى قدمتها لجماعات إرهابية بدعوى تحرير أمراء مأسورين من الأسرة المالكة آخر ألاعيب قطر ،التى لازالت تعاند حاضنتها الأقرب استسلاما لأوهام سيادة الخليج بل الإقليم ،وصدق الشاعر إذيقول «لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها”.