بقلم – د. طارق فهمى
الانقسام الراهن داخل الإدارة الأمريكية بشأن التعامل مع الأزمة الخليجية القطرية مرجعه وجود تيارين وربما ثلاثة حول حدود التعامل مع الأزمة القطرية الراهنة وطرق التعامل معها، تيار يدعو إلى ضرورة التريث ومعرفة ما يمكن أن تفضى إليه الأزمة فى كل مراحلها الراهنة، خاصة مع الأهمية التى تبديها قطر فى إطار العلاقات الأمريكية القطرية، ليس لوجود القاعدة العسكرية العديد، وليس لوجود ١١ ألف مقاتل أمريكى، ولا للمعطيات التى تمثلها قطر فى الإستراتيجية الأمريكية الحالية خاصة وأن استبدالها بطرف آخر من الصعب، ومن الممكن أن يأخذ بعض الوقت، وهو ما لا تراهن عليه الولايات المتحدة التى تتصور أن التعاون العسكرى والاستراتيجى واستمرار العلاقات مرتبط بصفقات السلاح التى سيقدم عليها الجانب القطرية،
ولا توجد إشكاليات حقيقية فى إبرام ذلك بناء على توصيات وزارة الدفاع والخارجية وعدد من لجان الكونجرس الهامة، والتيار الآخر الذى يمثله الرئيس دونالد ترامب، والذى يتحدث من منطق الشراكة الاقتصادية البحتة والمصالح التعاقدية المباشرةـ، والتى تجعل الولايات المتحدة تتطلع للتعاون مع قطر، وأن ما دعا إليه الرئيس دونالد ترامب عبر تغريداته تمثل هذا التيار المناوئ والرافض لاستمرار العلاقات القطرية على ما هى عليه، ويدفع البعض للتأكيد على وجود تناقض فى السياسات الاستراتيجية والدبلوماسية بين التيارين، حيث يرى تيار ثالث أنه من المصلحة العليا الأمريكية ضرورة التوافق بين الأمرين، فى ظل عدم وقوع ضرر بالمصالح الأمريكية المباشرة، وأن هذا الأمر يدفع بإمكانية قيام الولايات المتحدة بدور سياسى مباشر من خلال وساطة ولو شكلية منعا لتداعيات سلبية قد تضر الأمن القومى الأمريكى أو يهمش حدود حركتها فى ظل صعود أطراف أخرى تريد الدخول فى الأزمة ولعب دور مباشر فيها، ومن ثم ستتواجد هذه التيارات فى ظل الوضع الراهن، وربما تتنامى مصالحها فى الفترة المقبلة وهو ما يدفع لضرورة تفهم ما الذى يدور فى الدوائر الأمريكية الراهنة التى تسوق لخيارات المصالح الأمريكية أولا وأخيرا وليس أية مصالح أخرى من الممكن أن تطرح فى الوقت الراهن، وهو ما يجب النظر إليه على أنه أمر معتاد فى السياسة الأمريكية خصوصا فى إدارة بعض الأزمات وترتيب الأولويات الحقيقية كل على حسب أهميته السياسية والاستراتيجية.
تباين حقيقى
إن التباين والتجاذب الأمريكى بين مؤسسات صنع القرار فى الولايات المتحدة يجب أن يفهم فى سياق التعامل مع قضايا إقليمية ودولية، وهو ما جرى سابقا فى نمط التعامل مع الملف السورى وخطة الحرب على تنظيم داعش وعملية الاتصالات العربية الإسرائيلية وغيرها والتى ثبت أن الإدارة الأمريكية ليس لديها توجه واحد وهو أمر طبيعى، وكان المعتاد أن يحدث فى إدارات سابقة إلا أن الإدارة الراهنة استثناء حقيقى، فى ظل عدم دراية فريق الإدارة الأمريكية بتفاصيل محددة عن ملفات كثيرة ومنها ملف الإرهاب وارتباط أجهزة الاستخبارات الغربية بعدد كبير من قيادات الصف الأول فى أغلب هذه التنظيمات، وأن هناك ارتباطات هيكلية ربطت الإدارات الأمريكية السابقة بمنابع الإرهاب فى الشرق الأوسط وخارجه، وأن هذا الأمر استمر حتى فترة الرئيس باراك أوباما، واليوم على الإدارة الأمريكية الحالية أن تصيغ توجها حقيقيا للتعامل مع مهددات الأمن القومى الأمريكى يتماشى مع الأمن القومى الدولى وإلا فإن مساحات التباين ستكشف عمق ما جرى فى مراحل معينة عما قامت به الإدارة الأمريكية من ممارسات وتوجهات ناصبت بعض الدول العداء ودخلت فى صراعات عديدة وصدامات كثيرة,
ومن ثم فإن الرهان الأمريكى الحالى مع من سيقف الجانب الأمريكى، الرئيس وإدارته وأعضاء مكتبه مع موقف دول الخليج العربى وهى المحقة بصورة شاملة فى إطار مواجهتها للحرب على الإرهاب، وهى تحظى بدعم الدولة الكبرى فى الإقليم مصر، مما سيكسب هذه الدول قدرة على الحركة والمناورة سواء فى الإقليم وخارجه بل وفى مجلس الأمن إن رغبت بتحريك الموقف إزاء قطر من خلال مصر فى مجلس الأمن وعبر لجنة مواجهة الإرهاب، وهناك دلائل على الحركة العربية فى هذا السياق أم تقف الإدارة الأمريكية مع قطر التى تتحدث بلغة حسابات المكسب والخسارة مع إدارة تضع أولوياتها على المحك، ولن تتخلى عن قطر ليس لوجود القاعدة العسكرية على أراضيها وإنما لتؤكد على قدرتها على ممارسة دور مزدوج على كل المستويات وأن هذا التوجه سيكون المطروح سياسيا واستراتيجيا وأمنيا فى الفترة المقبلة، وهو ما ستعمل عليه الإدارة الأمريكية التى تعرف بالفعل ماذا تريد ومن ثم فإن الإشكالية ليست مع من ستقف وتساند الإدارة الأمريكية وإنما كيف ستدير الولايات المتحدة الأزمة عن قرب؟ وكيف تحقق مصالحها المباشرة سواء بالتعامل الدبلوماسى أو من خلال التدخل لدى الأسرة الحاكمة القطرية وحسم الخلاف الراهن وعدم الانتظار لكى يأتى التغيير بناء على المطالب الخليجية فقط، وهو ما سيقر باستراتيجية أمريكية جديدة عندما يحدث التباين أو التجاذب فى القضايا الهامة القادمة والتوافق حول أمن الخليج أو أمن مجلس التعاون الخليجى أو الاستراتيجيات العربية الأمريكية المشتركة، وهو ما سيقر صور وإطار ودوافع التدخل الأمريكى، بما فى ذلك تغيير الأسر الحاكمة، وهو الأمر الذى يجب الحذر منه خاصة مع السوابق الأمريكية المعتادة فى حالات مشابهة فى مراحل معينة من عمر النظام الدولى، وهو ما يدفع لضرورة أن تعود الأزمة إلى نطاقها العربى والخليجى تحديدا وإلا نوسع من دائرة الحركة فى الأزمة لأن شمولها سيدفع لفتح ملفات التغيير الصامت وغير المعلن لدى دوائر أمريكية متطرفة تتحدث عن البدائل والخيارات وآليات الحركة الأمريكية لإعادة ترسيم منطقة الخليج العربى وفقا لحسابات وتقديرات جديدة مع السعى لبناء شراكة أكثر استقرارا وحداثة ومعاصرة ووفقا لمصالح أمريكية مع مراعاة الأبعاد والمعطيات التاريخية التى تعيشها هذه الدول بما يؤكد على أن الولايات المتحدة قد يكون فى تقديرها استثمار هذه التوترات فى الخليج والأزمة الخليجية القطرية لإعادة صياغة علاقاتها بالمنطقة كأول اختبار حقيقى قد يكون هو المطروح فى إطار فك وترتيب وتخطيط السياسات الواقعية على أسس جديدة، وهو ما يجب الانتباه إليه فى منطقة ستظل وحتى إشعار آخر مهمة للاستراتيجيات الدولية بأكملها وليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط، وهو ما يدفعنا لوضع الأزمة الراهنة فى دائرة الخلاف العربى والخليجي.
آليات التعامل
يجب تعاملنا على الأساس العربى لحل الأزمة وإلا فإن البدائل المتاحة ستكون فى مجملها صفرية وهو ما نتخوف من تداعياته، وحسنا فعلت دول الخليج ومصر فى تطوير أدواتها العقابية بالإعلان عن الشخصيات الداعمة للإرهاب والكيانات الإرهابية كخطوة أولى سيليها مسارات حركة أخرى متوقعة خليجيا وعربيا ودوليا عبر مجلس الأمن ولا شك أن الحضور المصرى فى المجلس كدولة عضو غير دائم سيعطى للحركة الخليجية المصرية مصداقية فى التحرك النشط والموجه لوضع الإجراءات العقابية على قطر حيز التنفيذ وعدم إفساح المجال أمام مراوغات قطرية فى اتجاهات عدة، كما اتضح خلال الأيام الأخيرة ودخول قطر على مسارات الحركة إزاء روسيا دوليا وتركيا وإيران إقليميا، وهو ما يشير إلى أن قطر لن تنصاع بسهولة وستستدعى خبراتها الكبيرة فى محاولة الخروج من حالة العزلة الحالية، والتأكيد على قدراتها على الانحناء للعاصفة لكى تمر الأزمة وهو ما يجب التحذير منه، فما زلنا فى المربع الأول للتعامل مع قطر، وهناك مربعات أخرى يجب علينا قطعها خليجيا ومصريا لكى نضغط على قطر ونحصر حركاتها غير المشروعة فى المنطقة وخارجها.