نستكمل في هذا المقال استعراض نتائج الدراسة المهمة التي أجراها د. أيمن بريك أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة الأزهر ود. إيمان محمد مدرس الإعلام بجامعة الأزهر، والتي استهدفت رصد وتحليل وتفسير اتجاهات النخبة المصرية والسعودية نحو آليات مواجهة الخطاب المُعَادي لمصر والمملكة العربية السعودية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ففيما يتعلق بمواجهة الخطاب المُعَادي لمصر والسعودية، أوضحت الدراسة مدى متابعة النُخبة للمحتوى المُواجه للخطاب المُعَادي عبر السوشيال ميديا؛ حيث أكد 76% من النُخبة المصرية والسعودية عينة الدراسة أنهم يحرصون على متابعة المحتوى المواجه للخطاب المُعَادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ دائم وذلك بنسبة 76%، يليها أحيانًا بنسبة 19%، وأخيرًا نادرًا بنسبة 5%.
ولعل مجيء متابعة النُخبة بشكلٍ دائم للمحتوى المواجه للخطاب المُعَادي في المرتبة الأولى وبنسبة تزيد عن الـ75% يشير إلى اهتمام النخبة بهذا المحتوى خاصةً في ظل أهمية وحساسية هذا المحتوى، بالإضافة إلى مسئولية النخبة الصحفية سواء المهنية أو الأكاديمية وكذلك المجتمعية في مواجهة هذا الخطاب المُعَادي وكذلك متابعة ما يُنشر في مواجهته، وذلك على الرغم من كون مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة حديثة نسبيًا بالنسبة للنُخبة إلا أنها حققت انتشارًا واسعًا وأصبح لها أهميتها ومكانتها.
وفيما يتعلق بدوافع متابعة النُخبة للمحتوى المواجه للخطاب المُعَادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جاء التعرف على الموقف الرسمي للدولة في المرتبة الأولى من حيث دوافع تعرض النخبة المصرية والسعودية للمحتوى المواجه للخطاب المعادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بنسبة 98%، يليه لتكوين رأي تجاه المحتوى المُضَاد بنسبة 82%، ثم التعرف على آليات الرد على الخطاب المُعَادي بنسبة 74%، فالمشاركة في توضيح ما يُنشر من محتوى بنسبة 59%، يليها متابعة مشاركات القراء تجاه هذه القضايا بنسبة 48%، ثم عادة واعتدت عليها بنسبة 6%، وأخيرًا للتسلية وقضاء وقت الفراغ بنسبة 3%.
ويرى الباحث أن مجيء "التعرف على الموقف الرسمي للدولة" في المرتبة الأولى من حيث دوافع تعرض النُخبة المصرية والسعودية للمحتوى المواجه للخطاب المُعَادي يرجع إلى مسئولية هذه النُخبة تجاه المجتمع، وبالتالي فهم حريصون دائمًا على التعرف على الموقف الرسمي للدولة والذي ربما يشاركوه مع الآخرين سواء في الفضاء الإلكتروني أو في الواقع باعتبارهم أحد الفئات التي يمكن أن تسهم في تكوين رأي الجماهير تجاه ما يُنشر من قضايا.
كما أن مجيء "لتكوين رأي تجاه المحتوى المُضَاد" في المرتبة التالية يشير بوضوح إلى أي مدى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا للمعلومات وتكوين الآراء وتشكيل الاتجاهات ليس فقط للمستخدمين العاديين ولكن للنُخبة أيضًا، وهو ما يفسر مجيء "التعرف على آليات الرد على الخطاب المُعَادي" في مرتبة تالية.
ويشير مجيء "مشاركة النُخبة في توضيح ما يُنشر من محتوى للجمهور" إلى وعي نسبة لا بأس بها من النُخبة بالدور المنوط بها في التوعية وتوضيح مثل هذه القضايا والموضوعات للجمهور، الذي ربما لا يكون لديه القدر الكافي من المعلومات والوقت لتكوين رأي حقيقي عنها، كما أن اقتصار هذه المشاركات على 59% يدعو لضرورة العمل على تحفيز النُخبة للمشاركة في توضيح خطورة هذه الحملات المُضَادة، وتوضيح الحقيقة للجمهور باعتبار النُخبة قادة رأي يمكنهم التأثير في مجتمعاتهم.
وتشير النتائج أيضًا إلى تقدم النُخبة المصرية في الدوافع المتعلقة بمعرفة آليات مواجهة الخطاب المُعَادي والمشاركة في توضيح ما يُنشر من محتوى، فيما تقدمت النخبة السعودية بقليل فيما يتعلق بالتعرف على الموقف الرسمي أو تكوين رأي تجاه المحتوى المضاد، ومتابعة مشاركات الجمهور.
وبالنسبة للصفحات التي تواجه الخطاب المعادي لمصر، جاءت صفحة المركز الإعلامي لمجلس الوزراء في مقدمة الصفحات التي تواجه الخطاب المعادي لمصر على شبكات التواصل الاجتماعي وذلك بنسبة 96%، يليها الصفحات الرسمية للمؤسسات والوزارات المختلفة بنسبة 82%، ثم صفحات وسائل الإعلام الرسمية بنسبة 72%، فالهيئة العامة للاستعلامات بنسبة 68%، يليها صفحة متصدقش بنسبة 66%، فصفحة صحيح مصر بنسبة 56% يليها صفحة ده بجد بنسبة 52%، ثم صفحة فنكوش السيسي بنسبة 44%، ثم صفحة فالصو بنسبة 30%، وأخيراً فئة أخرى بنسبة 16% وشملت صفحات شخصية لبعض المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي.
ومن الواضح تقدم الصفحات الرسمية فيما يتعلق بمتابعة النُخبة للمحتوى المواجه للخطاب المُعَادي في مصر سواء صفحة المركز الإعلامي لمجلس الوزراء والتي نشطت بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة في تتبع كل ما يُثَار من موضوعات وقضايا وشائعات وخاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم الرد عليها من خلال التركيز على الحقائق وتفنيد ما ورد بها من أكاذيب، حيث لا تقتصر فقط على نشر هذه الردود على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تقوم ببثها أيضًا من خلال الوسائل والمنصات الإعلامية المختلفة، وهو الدور الذي تقوم به صفحات المؤسسات والوزارات الرسمية أيضاً فيما يتعلق بما يُنشر حول اختصاصاتها من خطاباتٍ مُعَادية تستهدف التشكيك في جهودها، أو التأثير على ثقة المواطنين فيها، ومن ثم تقوم بالرد عليها من خلال نشر الحقائق وتفنيد الأكاذيب.
كما أن مجيء الهيئة العامة للاستعلامات في مرتبة متقدمة نسبيًا يرجع إلى الدور الذي تقوم به الهيئة في الرد على ما يُثَار في وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية الأجنبية حول مصر من خطاباتٍ مُعَادية، ومن ثم تقوم بالرد عليها، وهو الدور الذي شهد تفعيلًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية مع تصاعد الخطاب المُعَادي، كما تنشر صفحات الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي محتوى توعويًا وتحذيريًا من الجماعات الإرهابية والأنظمة التي تتعمد استهداف مصر بخطاباتٍ مُعَادية، وذلك لدحض هذه الخطابات وكشف تلك الجماعات والأنظمة على حقيقتها.
ومن الواضح مجيء الصفحات غير الرسمية في مراتبَ متأخرة نسبيًا مقارنةً بالصفحات الرسمية، ولعل ذلك يرجع من وجهة نظر الباحث إلى حداثة هذه الصفحات وعدم انتشارها بشكلٍ كبير، كذلك فإن النُخبة وإن كانت تحرص على متابعتها إلى حدٍ ما، إلا أن الصفحات الرسمية تكون أكثر موثوقية لديهم من الصفحات غير الرسمية، خاصةً إذا تعلق الأمر بموضوعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وثقافية مهمة.
وبالنسبة للصفحات التي تواجه الخطاب المُعَادي للمملكة العربية السعودية على السوشيال ميديا، جاءت صفحات المؤسسات الرسمية في مقدمة هذه الصفحات وذلك بنسبة 98%، يليها صفحات وسائل الإعلام الرسمية بنسبة 86%، ثم هيئة مكافحة الإشاعات بنسبة 76%، يليها صفحة الردع السعودي 2030 بنسبة 70%، ثم مركز التواصل الدولي بنسبة 50%، يليه صفحة "كلنا أمن" بنسبة 28%، وأخيراً فئة أخرى بنسبة 10% وشملت صفحات شخصية لبعض المؤثرين على شبكات التواصل.
ومن الواضح أيضًا اعتماد النُخبة السعودية على المصادر الرسمية في متابعة المحتوى المواجه للخطاب المُعَادي سواء من خلال صفحات المؤسسات الرسمية أو الصفحات الرسمية لوسائل الإعلام، فيما جاءت الصفحات شبه الرسمية في مرتبةٍ تالية خاصةً صفحة "هيئة مكافحة الإشاعات"، والتي تُعَرّف نفسها بأنها منصة إعلامية سعودية مستقلة، تستهدف منذ إطلاقها في عام 2012 التصدي للشائعات واحتوائها بحيث لا تشكل ضررًا على المجتمع السعودي، كما جاءت صفحة الردع السعودي 2030 في مرتبة متقدمة نسبيًا حيث يتابعها أكثر من مليون و200 ألف متابع، وتعمل على مواجهة الخطاب المُعَادي بشكلٍ ناقد وساخر.
وجاءت صفحة "مركز التواصل الدولي" في مرتبةٍ متأخرة نسبيًا، وذلك كون المركز يستهدف بالأساس التواصل وتيسير العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية والعاملين فيها حول العالم، وقد أسست هذا المركز وزارة الإعلام السعودية في شهر أغسطس من العام 2017، ويركز على موضوعات مثل السياحة في السعودية والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان وفرص الاستثمار المحلية وغيرها.
أوضحت الدراسة القضايا التي يركز عليها المحتوى المواجه للخطاب المُعَادي؛ حيث جاءت القضايا السياسية على رأس القضايا التي ركز عليها المحتوى كما ترى النُخبة المصرية والسعودية وذلك بنسبة 92%، يليها القضايا الاقتصادية وذلك بنسبة 85%، ثم القضايا الدينية بنسبة 65%، فقضايا المرأة بنسبة 61%، يليها القضايا الاجتماعية بنسبة 54%، ثم القضايا الثقافية بنسبة 42%، فقضايا الطفل بنسبة 17%.
ولعل مجيء القضايا السياسية في المرتبة الأولى يعد أمرًا طبيعيًا كونها القضايا التي يركز عليها الخطاب المُعَادي بدوافعه التي تركز غالبًا على القضايا السياسية، سواء أكانت تسعى من وراء ذلك لتحقيق مكسب سياسي أو تهدف إلى تشكيل ضغط على النظام السياسي القائم بالفعل، وبالتالي فمن الطبيعي أن يركز المحتوى المواجه لهذا الخطاب أيضًا على القضايا السياسية، يليها القضايا الاقتصادية والتي تمثل أحد القضايا التي يركز عليها الخطاب المُعَادي من خلال محاولات التشكيك في الأوضاع الاقتصادية والإيحاء بمواجهتها لبعض المشكلات، فيكون الرد على ذلك أيضًا من خلال تقديم الحقائق الدالة على الأوضاع الاقتصادية المزدهرة والتركيز على ما تحقق من إنجازات.
ويرى الباحث أن مجيء القضايا الدينية في المرتبة الثالثة يرجع إلى البعد الديني الذي تحاول الجهات المُعَادية اقحامه في الصراع، فيما نالت قضايا المرأة اهتمامًا خاصًا للتأكيد على اهتمام الحكومتين المصرية والسعودية بالمرأة باعتبارها نصف المجتمع ومنحها مساحةً أكبر، خاصةً وأن قضايا المرأة غالبًا ما تُثَار من قبل الجهات المُعَادية التي تحاول أن تُظْهِرَ للعالم وكأن المرأة لا تتمتع بحقوقها كاملة، لذا فإن المحتوى المواجه للخطاب المُعَادي يعمل على نشر الحقائق وتفنيد هذه الأكاذيب.
وبالنسبة لنوع الصراع الذي يرتكز عليه المحتوى المتعلق بالرد على الخطاب المُعَادي، أكد 47% من النُخبة عينة الدراسة أن الصراع الذي تدور رحاه على مواقع التواصل الاجتماعي بين الجهات المُعَادية لكلٍ من مصر والسعودية من جانب وهاتين الدولتين من جانبٍ آخر هو صراعٌ مصيري، يليه كونه صراعًا جوهريًا بنسبة 40%، وأخيرًا صراعًا عرضيًا بنسبة 13%.
ولعل مجيء كون الصراع مصيريًا في المرتبة الأولى يشير إلى خطورة هذا الصراع المحتدم والذي يشتعل من آنٍ لآخر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كما أن هذا التقييم عندما يأتي من النُخبة فإنه يدق ناقوس خطر حول ضرورة حشد الأدوات والمنصات كافة وتفعيل مختلف الآليات والاستراتيجيات على اعتبار أن هذه الحرب هي حربٌ وجودية.
ويشير تأكيد أكثر من 60% من النُخبة المصرية أن هذا الصراع صراعٌ مصيري إلى ما تشهده ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ دائم من خطابات مُعَادية تجاه الدولة المصرية يستهدف النيل منها وتقويض أركانها وهدم استقرارها واستهداف أمنها واقتصادها، في حين ركزت النُخبة السعودية على أن الصراع صراعٌ جوهري، وذلك لكونه صراعًا يحمل بُعْدًا أيدولوجيًا، خاصةً في ظل ما تقوم به السعودية من جهودٍ كبيرة في تفكيك الفكر المتطرف ومكافحة الإرهاب ونشر ثقافة الاعتدال.
ويرى الباحث أن مجيء كون الصراع عرضيًا وبنسبةٍ ضعيفة جدًا يشير بوضوح إلى طبيعة هذا الصراع، وأنه ليس مجرد أمر عرضي أو عابر، ولكنه قضية أمن قومي تقف وراءه جهاتٌ مُعَادية، وتوفر له الدعم والتمويل، ومن ثم فإنه يجب التصدي لها بكل قوة وحسم خاصةً عبر مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة مفتوحة لحروب الجيل الخامس.
ونستكمل الأسبوع القادم استعراض نتائج هذه الدراسة المهمة.