الخميس 25 ابريل 2024

يوسف جريس.. رائد التأليف الموسيقي فى مصر

مقالات13-12-2021 | 22:22

بدأت حركة التأليف الموسيقى  فى مصر على يد رائدها الأول يوسف جريس (1899 – 1961 ) عندما ألف القصيد السيمفونى (مصر) عام 1932 ، وقدم لأول مرة بمدينة الإسكندرية فى السادس عشر من أغسطس عام1933 ، وكان الأوركسترا بقيادة جوزيف هوتيل ، وبعد ذلك توالت مؤلفات يوسف جريس الموسيقية التى كانت أغلبها معبرة عن البيئة المصرية نذكر منها : (أهرام الفراعنة -– النيل والوردة – الوادى المصرى – الفلاحة – البدوى- مركبى فى النيل – زهرة البردى – أبوالهول والكمان – سيمفونية مصر) .

 وقد استطعت من خلال لقائى مع الدكتور إسكندر جريس ابن شقيق الفنان الكبير، والتى رتبت لقائى معه أستاذتى الراحلة العظيمة الدكتورة بثينة فريد ، وفى لقائى مع دكتور إسكندر استطعت الإطلاع على المدونات الموسيقية الخطية لمؤلفات يوسف جريس الموجودة لديه، وقد قمت بتوثيقها فى مقالاتى وبعض كتبى ، وقد اعتبرت ذلك مهمة وطنية يجب أن أقوم بها للحفاظ على التراث الموسيقى المصرى الذى لايعرف قيمته إلا القليلون .

 وفى المنزل رقم (215 )  شارع رمسيس بالقاهرة الذى كان يقيم فيه يوسف جريس، وهو بيت متميز وتوجد أمامه محطة أتوبيس أطلق عليها محطة (السبع) وهى المحطة التى تسبق محطة غمرة فى شارع رمسيس ، وسبب تلك التسمية للمحطة أنه كان موجود على باب منزل جريس تمثالين لأسدين صغيرين وفى هذا البيت الكبير والذى تحيط به حديقة واسعة ، وبها أقفاص حديدية مخصصة لكلاب الحراسة ، وفى هذا اللقاء الودى أتاح  لى دكتور إسكندر الفرصة للاطلاع على المدونات الموسيقية لمؤلفات عمه الموجودة لديه ، وقد وثقت ذلك ونشرته فيما بعد.

 وبالإضافة إلى ذلك فقد تكرم دكتور إسكندر وسجل لى بعض مؤلفات عمه التى كانت موجودة لديه ، والتى استعنت بها عندما كنت أقدم حلقات عن يوسف جريس فى الإذاعة المصرية ، لأن من واجبنا الحفاظ على رموزنا الكبيرة وتعريف الجماهير بها والأهم من ذلك تقديم مؤلفاتهم التى بسببها دخلوا التاريخ ، وقد كون يوسف جريس مع زميليه حسن رشيد (1869 – 1969 ) أول من ألف أوبرا باللغة العربية عندما ألف أوبرا (مصرع أنطونيو) عام 1947 ، وأبوبكر خيرت (1910 -1963 ) الذى كان رائدا فى عدة مجالات موسيقية، وكون هؤلاء الثلاثة جيل رواد التأليف الموسيقى فى مصر والآن عزيزى القارئ نلقى بعض الأضواء على حياة يوسف جريس وأهم أعماله ، وهو قد ولد بمدينة القاهرة فى الثالث عشر من ديسمبر عام 1899 ، لأسرة محبة للفن والثقافة ، فقد كان والده محبا للأدب والموسيقا ، وكانت والدته تتقن عزف البيانو، ولهذا فقد كان من الطبيعى أن تلقى مواهبه الموسيقية رعاية مبكرة ، فقد درس الموسيقا جنبا إلى جنب مع علومه المدرسية .

وفى عام 1915 بدأ  دراسة الموسيقا العربية على يد اثنين من أعلامها فى ذلك الوقت وهما (سامى الشوا ) و (منصور عوض ) ، وبعد ذلك درس عزف آلة الكمان على الأستاذين (أدولف منشة ) و( ساندى روز دول ) ، كما درس الهارمونى على الأستاذ (جينو تاكاش ) ودرس التأليف الموسيقى على الأستاذ (جوزيف هوتيل ) ، وبعد أن أتم يوسف جريس دراسته الثانوية فى مدرسة التوفيقية الثانوية بحى شبرا الشهير بالقاهرة ، وبعدها التحق بكلية الطب ، غير أنه عندما دخل إلى المشرحة مع زملائه لبدء دروسهم الطبية ، أصيب يوسف جريس بصدمة ، ترك على إثرها كلية الطب والتحق بكلية الحقوق، وتخرج فيها عام 1926 ، وعمل بالمحاماه عدة أشهر ثم تركها وتفرغ لتأليف الموسيقا التى وهبها كل حياته.

وفى عام 1930 قبل يوسف جريس عضوا فى جمعية المؤلفين والناشرين الدولية فى باريس ، بعد أن اجتاز إختباراتها بنجاح، وفى عام 1942 اشترك جريس وشقيقه لويس مع العالم المصرى الكبير على مصطفى مشرفة ، وكامل الكيلانى وحسن رشيد وزوجته السيدة بهيجة رشيد وآخرين من محبى الموسيقا ، اشتركوا جميعا فى تأسيس الجمعية المصرية لهواة الموسيقا ، وقد قامت تلك الجمعية ببذل جهودها لنشر الثقافة الموسيقية بين أبناء الشعب المصرى فى ذلك الوقت ، وقدمت الجمعية حفلها الأول فى كلية العلوم بجامعة القاهرة ، فى التاسع عشر من مارس عام 1942 ، وفى ذلك الحفل اشترك كل من يوسف جريس وأبوبكر خيرت بعزف البيانو ، بينما قام زميلهما حسن رشيد بالغناء.

كان يوسف جريس يقيم فى بيته أمسيات للفن والثقافة يلتقى فيها بعض الأدباء والفنانين لتبادل الآراء والإستماع إلى احدث المؤلفات ،ونقلت عنه الدكتورة بثينة فريد أنه عندما كان ُيسأل عن آماله فى الحياة كان  يقول" حياتى هى الموسيقا والوصول فى تأليفها إلى القمة ،فى مجال الصنعة الموسيقية والطابع القومى هو هدفى الأول فى الحياة ، فأنا أريد أن أصل إلى الإمكانيات المثلى التى أتمكن بها من التعبير بسهولة عن شتى الأحداث ، وكافة المشاعر الإنسانية ، فإذا سمعت موسيقا مصرية   يجب أن تجدها أصيلة ووطنية وقومية ، وفى نفس الوقت أريدها علمية وعالمية ".

  كانت هذه هى نظرة يوسف جريس العميقة لدور المؤلف الموسيقى المصرى ، ولهذا نجد أنه قد درس الموسيقا العربية ، ثم درس علوم التأليف الموسيقى وفقا للقواعد المتبعة فى الموسيقا العالمية ، وكان يتعامل مع العلوم الموسيقية بحذر حتى لاتطغى على الطابع القومى لموسيقاه ، وكان يقول "الأسلوب الذى يجب إتباعه هو مسألة يجب التدقيق فى بحثها قبل الشروع فى كتابة التآلفات ، فاللحن المصرى يتطلب هارمونية خاصة تناسبه وتكسبه ثراءا بينما قد تؤدى بعض الهارمونيات إلى تدميره وإفقاده أصالته ، وتجرده من طابعه وملامحه القومية ، وذلك حتى تؤدى الموسيقا رسالتها فى إسعاد المستمعين "

جاءت مؤلفات يوسف جريس متنوعة نذكر فيما يلى نماذج لها :

أولا: مؤلفات البيانو المنفرد تحمل عناوين : مراكبى فى النيل (1932) – السودانية (1932) – فى القارب (1934) – تحت النخيل (1944) – رقصة القارب فى النيل (1948 ) – زهرة البردى (1949 ) – الوادى المصرى (1949 )

ثانيا : مؤلفات الكمان المنفرد تحمل عناوين : البدوى (1931 ) وقد أعاد كتابتها للأوركسترا (1934 ) -  ريف مصرى (1932 ) – رقصة وادى النيل (1932 ) – إبن الوادى (1943 ) – بنت البدوية (1943 ) – رفرفة النيل (1944 )- البدوية الصغيرة (1944 ) – أبوالهول والكمان (1961 ) – بنت الأهرامات (1961 ) والمقطوعة الأخيرة هى آخر ماألف يوسف جريس ،وهى مهداة إلى عازفة الكمان العالمية جانين أندراد .

ثالثا : مؤلفات الكمان والبيانو تحمل عناوين : على ضفاف النيل (1931 ) – حاملة الجرة (1931 ) – رقصة النخيل (1932 ) – رقصة فلاحى (1932 ) – النيل يغنى (1950 ) .

رابعا : مؤلفات للفلوت المنفرد تحمل عناوين : صدى الصحراء (1944 ) –صدى الوادى (1944 ) – صدى النيل (1944 ) .

خامسا : مؤلف للتشيللو المنفرد بعنوان : الفلاح  (1932 ).

سادسا : مؤلف للتشيللو والبيانو بعنوان : الفلاحة (1931 )، وقد أعاد المؤلف كتابة هذا العمل للتشيللو والأوركسترا (1933 ).

سابعا : مؤلفات غنائية بمصاحبة البيانو تحمل عناوين :أغنية الوادى (1943 ) – رقصة النيل ،سوبرانو بمصاحبة البيانو (1944 )- أغنية الراعى (1944 )

ثامنا الأوبرا : أوبرا (القدر) 1943 ، وقد إطلع كاتب هذه السطور على قصة الأوبرا مدونة باللغتين العربية والفرنسية فى ثمانى كراسات ، وقد شرع المؤلف فى  كتابة ألحانها ولكنه توقف ولم يكملها رغم أنه كان قد كتب نصها الشعرى بنفسه 

تاسعا : المؤلفات الأوركسترالية : القصيد السيمفونى (مصر) 1932–الصور الأوركسترالية (تمهيد – الفلاحة – البدوى ) 1934 – السيمفونية الأولى (مصر) 1937 – السيمفونية الثانية 1942 – القصيد السيمفونى (النيل والوردة ) 1943 – القصيد السيمفونى (نحو دير فى الصحراء ) 1943 – ( ترانيم مصرية) 1944-القصيد السيمفونى (أهرام الفراعنة ) 1960 – السيمفونية الثالثة 1960 .

وفى عام 1960 سافر يوسف جريس فى رحلة علاج إلى أوروبا ، وبينما كان فى طريق عودته إلى أرض الوطن ، وأثناء إقامته فى مدينة البندقية بإيطاليا ، توفى يوسف جريس فجأة فى السابع من أبريل عام 1961 ،  وهكذا أسدل الستارعلى حياة رائد التأليف الموسيقى فى مصر والعالم العربى ، والجدير بالذكر أن أكاديمية الفنون بالجيزة قد وضعت اسمه فى سجل الخالدين فى عيد الفن فى شهر أكتوبر عام1981، تقديرا لدوره الرائد وما قدمه من مؤلفات مازالت تعيش بيننا ، والتى نرجو أن نستمع إليها فى الحفلات الموسيقية التى تقدمها الجهات المعنية. 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa