الأربعاء 15 مايو 2024

في ذكرى ميلاده.. جرجي زيدان مؤسس "الهلال" أشهر مجلة ثقافية في مصر

جرجي زيدان

ثقافة14-12-2021 | 13:33

بيمن خليل

تحل اليوم، 14 ديسمبر، ذكرى ميلاد الأديب والروائي والصحفي اللبناني ومؤسس مجلة الهلال جرجي زيدان، كان غزير الثقافة فضلاً لإجادته لعدة لغات أخرى مع اللغة العربية؛ كاللغة الإنجليزية والفرنسية والعبرية والسريانية، ومن أشهر إنجازاته إصداره لـ مجلة الهلال والتي كان يقوم بنفسه على تحريرها، ويعدّ من أوائل المفكرين الذين مهدوا وساعدوا في صياغة نظرية "القومية العربية"، وهي الإيمان بأن الشعب العربي شعب واحد، تجمعه الثقافة واللغة والجغرافيا والتاريخ، فكان يفتخر بعروبته وينادي بها.

نشأته

ولد جرجي حبيب زيدان في بيروت بـ لبنان 14 ديسمبر من عام 1861م، لأسرة مسيحية فقيرة، تسكن قرية عين عنب في جبل لبنان، ويعتقد أن أصلها يرجع إلى حوران في سوريا، كان والده أميًّا ولكنه يمتلك مطعمًا ببيروت كان يتردد عليه كبار رجال الأدب واللغة بالإضافة لطلاب الجامعة الأمريكية.

 

مرحلة تعليمه

أرسل حبيب زيدان ابنه جرجي إلى مدرسة بسيطة حتى يتعلم القراءة والكتابة حتى يساعده في إدارة المطعم، ومعالجة الحسابات وضبطها، وكان جرجي يتعلم بسرعة ومحب للتعليم، فالتحق بمدرسة "الشوام" وهناك أتقن اللغة الفرنسية، ومن ثم التحق بمدرسة أخرى مسائية واستطاع أن يتعلم اللغة الإنجليزية، وعمل وقتها في مطعم والده، ولكن والدته أبت ما عليه ابنها وطلبت من أبيه أن يعلمه صنعة أخرى غير العمل في مطعمه، وبالفعل أرسله والده لتعلم صناعة الأحذية وكان عمره وقتها مازال الثانية عشرة وظل في مهنة صناعة الأحذية لعامين وتركها لعدم رغبته في هذا العمل.

 

شغفه للمعرفة والإطلاع ودراسة الطب

بدأ في ذلك الوقت جرجي أن تزداد ميوله نحو المعرفة والإطلاع  وسرعان ما ازداد شغفه للأدب ودراسته، وكان لرواد مطعم أبيه من المثقفين والأدباء وأصحاب الفكر والصحفيين وطلاب الجامعة الأمريكية تأثيرًا عليه، فتعامل معهم ومن أبرزهم: إبراهيم اليازجي، ويعقوب صروف، وفارس نمر، وسليم الستاني، وغيرهم..

والتحق زيدان بالكلية البروتستانتية المعروفة باسم "الجامعة الأمريكية" ونجح في اختبارات القبول لكلية الطب، وبعد دراسته لمدة عام ترك جرجي دراسة الطب واتجه لدراسة الصيدلة.

 

هجرته إلى مصر

بعد فترة قصيرة من دراسته للصيدلة ببيروت قرر "جرجي زيدان" أن يهاجر إلى مصر فاقترض مبلغ 6 جنيهات من أحد جيرانه في بيروت والتحق بكلية الطب في مصر، ولكن كانت لظروفه المادية أثرًا غير سعيد عليه، فاضطر أن يبحث عن عمل حتى يستطيع من خلاله أن يتدبر معيشته، فعمل في جريدة اسمها "الزمان" يملكها رجل من أصل أرمني، وكانت هي الجريدة الوحيدة في مصر بعد أن أوقف الاستعمار الإنجليزي الصحافة في ذلك الوقت.

عمل جرجي بعد ذلك مترجمًا في مكتب المخابرات البريطانية في مقرها بالقاهرة، وكان رفيق في الحملة الإنجليزية التي توجهت لإنقاذ القائد الإنجليزي "غوردن" بالسودان، من حصار جيش المهدي، واستمرت رحلته هناك 10 شهور عاد بعدها إلى بيروت وكان ذلك في عام 1885م.

وانضم إلى المجمع العلمي الشرقي والذي أنشئ عام 1882م، وهناك تعلم اللغة العبرية والسريانية، وهذا مكنه من تأليف أول كتاب في فلسفة اللغة العربية عام 1886م، وفي عام 1904م، أصدر منه طبيعة جديدة منقحة بعنوان "تاريخ اللغة العربية" وبعدها اتجه إلى إنجلترا في زيارة وعاد بعدها إلى مصر مكرزًا حياته للصحافة والتأليف فقط.

 

التأليف والترجمة

عاد جرجي زيدان إلى القاهرة مرة أخرى بعد عودة من إنجلترا ليعمل في مجال التأليف والترجمة، وأدار مجلة "المقتطف"، وعمل بها 18 شهرًا ثم استقال، وقام بتدريس اللغة العربية بالمدرسة العبيدية الكبرى لمدة عامين وتركها حتى يشترك مع نجيب متري في إنشاء مطبعة ولكن شراكتهما لم تدم وانفضت بعد عام واحد، ولكن جرجي احتفظ بالمطبعة وأسماها مطبعة الهلال، وعلى جانب آخر قام متري بإنشاء مطبعة أخرى مستقلة وأسماها "المعارف".

مجلة الهلال

قام جرجي زيدان بإصدار مجلة الهلال في عام 1892م، وكان يقوم بنفسه على تحريرها، وبعد ذلك ساعده ابنه إيميل، حيث صدر العدد الأول منها في عام 1892م، وبعد 5 سنوات فقط زاد صداها وسعة شهرتها وانتشارها، ونشر فيها كتبه،  مثل كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي" و"تاريخ آداب اللغة العربية" و"تراجم مشاهير الشرق" والعديد غيرها، فضلاً عن اشتهاره برواياته التاريخية مثل المملوك الشارد وأرمانوسة المصرية...

ومن المعروف عن المجلة أنه كان يكتب فيها عمالقة الفكر والأدب ورواد الثقافة في مصر والعالم العربي، وترأس تحريرها كبار الأدباء أمثال: حسين مؤنس، أحمد زكي، على الراعي، صالح جودت، وغيرهم..

 

ترجمة أعماله ورواياته

ترجمت روايات جرجي زيدان إلى لغات عدة مثل، الفارسية والتركية والأذربيجانية، ولم يلجأ في كتاباته إلى الفترات المشرقة من التاريخ الإسلامي وإبراز أمجاده ولكنه اتجه إلى الفترات التي تمثّل صراعًا على السلطة والنفوذ.. وكان متأثرًا بنظرة الغربيين للعالم الإسلامي، مما لم يسلمه ذلك من النقد شكلًا ومضمونًا.

 

وفاته
رحل عن عالمنا جرجي زيدان وهو بين كتبه وأوراقه في 21 يوليو 1914، بعد رحلة كبيرة من البذل والعطاء في عالم مجتمع الصحافة والتأليف والترجمة، ووقتئذ رثاه كبار الشعراء من مثل أمير الشعراء أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران.