الأحد 29 سبتمبر 2024

اتفضل افطر معاهم!

17-6-2017 | 10:11

من لم يتناول افطاره على مائدة فريد الاطرش فقد فاته نص عمره.. والذى يتناول الافطار على مائدة تحية كاريوكا، ومحرم فؤاد تحل به البركات.. أنا شخصيا تشبثت بنص عمرى وتناولت افطارى على مائدة فريد الاطرش.. ثم حظيت بشحنة من البركات الطيبات .. تشبعت بها نفسى.. والبركة فى تحية ومحرم.. وحكاية النص عمر وحكاية البركات.. هذه من أول الكبد والمخ.. حتى قراءة الفاتحة أرويها لكم من أولها

بلا سابق موعد.. وقبل انطلاق مدفع الافطار بربع ساعة، كنت اطرق باب فريد الاطرش.. واستقبلتنى من الداخل ضجة وضحكات حريمى على رجالى تنبعث من الصالون الكبير، وصوت أجنبى ينطلق كالصاروخ من جهاز البيك أب فى أغنية راقصة.. ويوسف فخرالدين هات ياتشاتشا.. ومريم أخته تمسك له الواحدة.. وفى أحد الاركان فريد الاطرش حريف الطاولة، والكوتشينة، والشطرنج، والضمنا، والبلى فى الوسط الفنى كان "زانق" هنرى بركات فى الخشبة، وهات بادش وشيش بك.. ومديحة يسرى إلى جوارهما تحكم المباراة.. وتصرخ لكل "قرصة" زهر يلعبها فريد - وعلى فكرة أيضا فريد الاطرش قريص زهر خطير ولا يفوقه فى هذه الخطورة إلا عبدالسلام النابلسى.

وفى ركن آخر المطربة "مها صبرى" "تقش" الورق كله بالشايب، والبنت.. وتخدع غريمتها الراقصة ياسمين التى لا تفرق بين الكومى، والولد..

وفؤاد الاطرش يجلس على الارض وواخد ودن حسن رمزى وحرمه وهات يافشر.. وبخفة دمه المعروفة ومرحه يروى لهما آخر مغامراته على ثلوج كلمنجاور عندما كان يتزحلق عليها فى الصيف الماضى، وكيف استطاع أن يقفز من ارتفاع 350 مترا فى الهواء، وحسن رمزى رجل طيب ولا يكذب إنسانا يروى له حكاية.. أنه لا يعلم أن الفشر مع النكتة الخفيفة من خصائص فؤاد الاطرش..

ويدخل "سيد سفرجى فريد الاطرش الازلى ويعلن للحاضرين أن مدفع الافطار انطلق منذ عشر دقائق.. وترك كل منهم ما كان بين يديه وأسرعوا إلى المائدة.

وبحثت مريم فخر الدين عن يوسف لقد اختفى.. ربما يعود بعد لحظات ليلحق بهم على المائدة.. دخلوا قاعة الطعام الفخمة.. فوجدوا أبو حجاج سبقهم إلى المائدة وهات يا أكل..

وصاحت فيه مريم:

إيه ده يايوسف.. أنت هنا من إمتى؟

- المدفع ضرب من بدرى وأنا وراجل صايم.

والتف الجميع حول المائدة

الطعام كثير.. أكثر مما تتصور يكفى ضعف هؤلاء.. وحتى على مائدة الطعام ظل فؤاد الاطرش يفشر... أنه يطارد حسن رمزى وحرمه .. بحكاياته..

وصاح فيه بركات:

يافؤاد سيب الراجل بقى يفطر

فضحك فؤاد:

- ياسلام.. حقيقى ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه.. ده أنا بافتح شهيته على الأكل، كده والا إيه ياحسن بيه!

فضحك حسن رمزى:

- كده قوى يافؤاد.. أنا ما كانش عندى فكرة أن كلامك كله "سلطة" كده..

وبين الضحكات يستمهل فريد الاطرش المدعوين، ليدفع اليهم بأكواب القمر الدين وهو يحييهم.. "كل سنة وأنتم طيبين"..

أو مريم فخر الدين أيضا تملأ أكواب القمر الدين مرة أخرى، وترفع الكوب وهى تقول "فى صحة إنتاج فريد الجديد"..

وصفق الجميع لهذه التحية من بطلة فيلم "يا يوم مولدى" وجاملها هنرى بركات مخرج الفيلم فشرب ثلاثة أكواب أحدهم في صحة الإخراج، والثاني في صحة البطل فريد الأطرش، والثالث في صحته التي تعبتا من كثرة القمر الدين.. وأعلن فريد الأطرش عن نوع من الطعام يقدمه لأول مرة وهو «توليفة» طباخه الخاص وقد أطلق فيه طبق «يوم مولدي» وهو نوع من الحلوي لم يعرف من قبل، ويدور فريد في مدعويه يقدم لهم الطعام، ثم يعود إلي مجلسه ليخطف لقمة ثم يصيح في يوسف:

ü كل بايدك يا يوسف، مش لازم شوكة يا خويا.

فيتدخل فؤاد قائلاً:

- لا سيبه يا فريد خليه ياكل بالشوكة.. احنا كمان عاوزين تاكل ويطلب يوسف كوب ماء.. ويرفض فريد.

«وفريد يحرم شرب الماء علي الطعام حتي ولو كان الضيف سيزور لأن الماء يملأ المعدة.. بينما الخير كثير ولابد أن يأكل الجميع».

ويفرغ الجميع من الافطار.. وينتلقون إلي حجرة الصالون لشرب القهوة والتدخين.. ويمضي الليل.

ولا أحد يغادر منزل فريد الأطرش.. لابد أن يتناول الجميع السحور أيضا.. هذه عادة فريد.. مع أصدقائه، وحتي الذين تربطهم به مجرد معرفة أسمائهم..

والجميع كأنهم في بيوتهم كل ع لي راحته ويمسك فريد بالعود.. يجري بأصابعه الذهب علي أوتاره ويغني أعذب ألحانه.

إن ليالي فريد.. من ليالى ألف ليلة وقبل فريد تحية كاريوكا.. علي غير موعد طرقنا الباب.. وفتحت خادمة تحية.. في الصالة محرم ساجد يصلي.. وتحية منهمكة في المطبخ تعد ألوان الطعام.. وينتهي محرم من صلاته:

ويتمتم ببضع كلمات بين شفتيه ثم يقول:

- جمعا إن شاء الله

رمضان كريم

- الله أكرم

هل أنت صائم

- الحمدلله

هل تصوم منذ زمن بعيد

- منذ كنت في العاشرة من عمري وأقبلت تحية وأكمامها مشمرة علي ذراعيها والنظارة الطبية علي عينيها.. وحيتنا، ثم استأذنت..

- مش راح أقعد معاكم دلوقت أحسن المدفع علي وشك، ولسه فيه كام حاجة ما خلصتهمش

وجلست أدردش مع محرم فقلت له:

ما هو آخر انتاجك؟

- لقد انتهينا، تحية وأنا، من وضع الخطوط الرئيسية لشركة إنتاج وتوزيع أفلام، بل إننا استأجرنا المكتب بالفعل وبدأنا نستعد لأول انتاجنا.

وانطلق مدفع الافطار، وانتهت تحية من إعداد مائدة الافطار، وأقبلت عليها تقدم لنا شرب القمر الدين وقالت وهي تناول محرم كوبه.

- قولوا ورايا.. اللهم اني علي هديك صمت وعلي رزقك فطرت.. وبعدها دعتنا لتناول الافطار، وهي تقول لنا:

- كان لازم تدونا خبر كنا دبحنا لكم خروف.

وكانت المائدة الصغيرة عامرة بألوان الطعام.. فراخ محمرة بطاطس بالفرن، فتة وأرز، فول مدمس، «بامية».

وتضحك تحية وتعدل من وضع نظارتها علي عينيها وهي تقول:

- إن شاء الله الأكل يكون عاجبكم.

عجبنا وبس.. ده أنا خايف علي صوابعي.

وتحية رغم انها تصوم شهر رمضان إلا أنها مقلة في تناول الطعام.. ولكنها تشعرك وكأنها مازالت تأكل وترفع تحية فرخة أخري وتقطع منها «الصدر» وتقدمه لمحرم وهي تبتسم وتقول:

- أنا عارف انك بتحب الصدر يامحرم ويرد محرم : أنا عارف أنك عارفة كل حاجة عني ربنا يخليكي

قلت لتحية:

هل تصومين دائما؟

- منذ كنت في العاشرة من عمري وأنا أحرص علي الصيام.

وتحية تكره أن تأكل بالشوكة والسكين، وتفضل أصابعها وتدفعك أن تفعل مثلها.

وتذوق محرم الفتة وصاح:

- آه يا روحي.. تسلم ايدك وأطرب جملة محرم تحية فقالت:

- والنبي حلوة يا محرم.. طيب هات شوية هنا..

وتحية علي المائدة تحاول أن تشعرك أنك في بيتك، تمسك الفرخة وتضعها في طبقك وهي تقول لك:

- تعدمني إن ما كلنها

وانت طبعا تحب «تحية» ولا تقبل أبدا أن تعدمها وتضطر لأكل الفرخة.. وصينية البطاطس أيضاً تدلقها في طبقك وهي تحلفك بمحرم .. وأنت أيضا لابد وأنك تحب محرم فلا بد أن تأكل كل الطبق..

ويبتسم محرم وهو يمد يده إلي «البامية» ويقول:

- النهاردة لفيت أسواق البلد كلها لغاية ما لقيت البامية دوق كده ده صنعة روحي..

... وقبل أن تقوم من المائدة لابد وأن تشرب الشاي وسيجارة كمان.. ورطل كنافة.. لابد من رطل ولا تزعل.. يا عيب الشوم والأكل ده أوديه فين.. كل يا راجل كل..

لن أنسي طبعا أن أقول لك حكاية البركات.. فتحية بعد الافطار مباشرة «تبخر» الشقة كلها.. وتقرأ آيات من القرآن الكريم.. ولابد أن تمر من فوق البخور سبع مرات ذهابا وإيابا لتحل بك البركة.. أنا شخصيا خرجت أهتز طربا من البركات، فقد تخطيت البخور 28 مرة، في صحة تحية.. وفي صحة محرم.. ومرة في صحتي.. و25 مرة لله حتي لا يشطب رئيس التحرير هذا الموضوع!

العدد 501 - 7 مارس 1961