الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

ما أجمل اللغة العربية

  • 18-12-2021 | 17:37
طباعة

في اليوم العالمي للغة العربية، نسترجع جمال هذه اللغة الغنية وحرص السابقين على بقائها والحفاظ عليها من "اللحن"؛ أي الخطأ، منذ صدر الإسلام.

ومثلما اختص الله - عز وجل - هذه اللغة في أن تكون لغة القرآن الكريم لما فيها من ثراء ومعانٍ ليست متاحة في كل اللغات، مثلما أحبها الأقدمون ومن تبعهم وأبدعوا في استخدام ما بها من كلمات وبلاغة وبيان، كما قدّروا قيمة الحرص على قواعدها وبقائها دون تشويه عبر العصور، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنَّه جعل اللحن في اللغة من الافتراء!، وكان يضرب أولاده على اللحن فيها ولا يضربهم على الخطأ في غير اللغة!

 

وقد كان الناس في صدر الإِسلام يجتنبون اللحن فيما يقولونه أو يقرأونه أو يكتبونه اجتنابهم بعض الذنوب، وكان دافعهم لاجتناب اللحن، شعورهم بأنهم ورثة تلك اللغة التي هي لغة القرآن الكريم ومن ثم يجب عليهم حفظها دون تغيير،  لدرجة أن بعضهم كان يقول: "ربما إذا دعوت فلحنت، فأخاف ألا يستجاب لي!"

وازدادت المرويات من اللَّحن في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمن ذلك أنه مرَّ بقوم يرمون ويسيئون الرمي (يتدربون على الرماية بالسهم)، فغضب منهم وقال لهم: "بئس ما رميتم، فقالوا: "إنّا قوم متعلمين" فقال: والله لخطؤكم في كلامكم أشدّ من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رحم الله امرأً أصلح من لسانه" حيث أنهم لحنوا في قول متعلمين، والصحيح أن يقولوا (متعلمون)

ومما يُروى أيضا أن كاتبًا كان قد كتب لأبي موسى الأشعري رسالة لعمر بن الخطاب يقول فيها: "من أبو موسى" فكتب عمر إلى أبي موسى: "سلام عليك، أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا، فاجلد كاتبك بالسوط واعزله عن عمله!" وذلك لأنه كان يفترض أن يكتبها: "من أبي موسى"

لكن اللَّحن في اللغة كان قد تفشّى في زمن الأمويين، وانتشر بين العامة والخاصة، ولم يسلم منه الأمراء والـوزراء، حتى الخليفة نفسه، فقد قيل: إن الخليفة الأموي "الوليد بن عبـد الملك" قد خطب في الناس يومًا فقرأ في خطبته: " ياليتُها كانت القاضية" بضم التاء، فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأراحنا منك!

 

ومن طرائف العرب في فهمهم لأبعاد وخبايا اللغة العربية ما يُروى من أن "الأصمعي" كان يتحدث في مجلس، واستشهد بالآية الكريمة: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله، والله غفور رحيم}

فسأله أعرابي: كلام من هذا؟

فردّ الأصمعي: هذا كلام الله

فقال الأعرابي بثقة: هذا ليس كلام الله!

فاستغرب الأصمعي والحضور من إنكار الأعرابي آية من كتاب الله، فسأله: هل أنت من حفظة القرآن؟

فقال الأعرابي: لا

قال الأصمعي: هل تحفظ سورة المائدة؟ (التي بها هذه الآية)

قال الأعرابي: لا

فتناول الأصمعي المصحف وفتح سورة المائدة وهو يقول بثقة: هذه هي الآية، اسمع {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله عزيز حكيم} (المائدة: 38)

فتنبه الأصمعي للخطأ، حيث إنه أخطأ في قراءة نهاية الآية بقوله "والله غفور رحيم"، والصحيح هو "والله عزيز حكيم"

فأُعجب بنباهة الأعرابي الذي فطن إلى الخطأ رغم أنه ليس من حفظة القرآن، فسأله: يا أعرابي.. كيف عرفت؟

قال الأعرابي: عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع!

فأي دقة وأي اتساع تتصف به هذه اللغة العظيمة ؟

 

حتى في عصرنا الحديث، نجد أن هناك الكثير من أساطير اللغة العربية قد حافظوا عليها وأبدعوا فيها شعرًا ونثرًا وأدبًا كمصطفى صادق الرافعي والعقاد والمازني وتوفيق الحكيم وأمير الشعراء أحمد شوقي والشاعر إسماعيل صبري الذي قال:

طرقت الباب حتى كلّ مَتني* فلَمّا كلَّ مَتني كلمتني

فقالت يا إسماعيل صبرًا * فقلت يا أسما عِيل صبرى

 بمعنى: طرقت الباب حتى تعب ذراعي (المتن هو العضلة التي تصل الكتف بالذراع) فعندما تعب متني، كلمتني (الفتاة التي يطرق بابها)، فقالت يا إسماعيل (اسم الشاعر) صبرًا (أي اصبر) فقلت يا أسما (أسماء - اسم الفتاة) عِيل صبري (نفد صبري)

وغير هؤلاء الكثير والكثير ممن أحسنوا وأجادوا في هذه اللغة الجميلة ووقفوا بإبداعاتهم في وجه القبح اللفظي والتشويه المستمر الذي اعتلى شاشات التلفزة ومنصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام

وفي يوم اللغة العربية نقول: فلتبق اللغة العربية تاجًا ثمينًا على رؤوس العرب ما داموا أحياء.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة