الأربعاء 15 مايو 2024

مافيا عمالة الأطفال.. السُخرة والمرض مقابل 20 جنيه يوميا

5-2-2017 | 16:59

وجوه حفر الشقاء على قسماتها أسمى آيات التعب، وعيون تلمع فيها دمعة حبيسة، تأبى أن تفر من بين جفنين أعياهما البحث عن الراحة، ورغم أن أصحابها مجرد أطفال، لم يتجاوز عمر أكبرهم 15 عاما، فإنك عندما تنظر إليهم تلمح شبحا لابتسامة باهتة، تختفي خلف نظرات لاهثة، لا تعرف الاستقرار في اتجاه واحد، وإذا راقبت حركاتهم، تجدهم يمشون بمهل، وبطء؛ كأنهم يسيرون إلى مصير لا يرغبونه، أو أنهم صاروا شيوخا أكل الزمن عافيتهم!! 

كل هذه الإشارات، تمنحك شعورا طاغيا بأن هناك لغز محير، وسر غامض، وراء هذه الحالة المأساوية التي يبدو عليها أطفال في عمر الزهور. 

عندما اقتربنا منهم، في محاولة لفك طلاسم هذا اللغز، لم يكن لديهم رغبة في الحديث إلينا، إلا أن إصرارنا، وشعورهم بتعاطفنا معهم، منحاهم بعض الطمأنينة، فبدأوا يستجيبوا لنا، وتبادلنا معهم أطراف الحديث؛ عن سر وجودهم بالمنطقة الصناعية غير المأهولة بالأسر، أو السكان، ولا يطرقها إلا العاملين بالمصانع المختلفة، وكانت المفاجأة المذهلة: «نحن عمال بهذه المصانع، ونتناول طعامنا في وقت الراحة، خلال الدوام اليومي».

سُخرة الأطفال

أول ما تلحظه في الحديث مع هؤلاء الأطفال، أن المصانع الكبرى تخالف القوانين، وتسمح بتشغيل عمال، دون السن القانوني؛ للاستفادة منهم كعمالة رخيصة الثمن، وهذا ما يؤكده أيمن، الذي لم يتخط السنوات التسع، لكن هل هذا كل شيء؟

الحديث مع أيمن وزملائه محمود، 11 سنة، وعادل 14سنة، كشف المزيد من التفاصيل، إذ يقول محمود: «أنا باشتغل في مصنع حديد، من 8 صباحا، إلى 7 مساءً، ولا أحصل إلا على نصف ساعة راحة فقط، في منتصف اليوم؛ لتناول الطعام، وإذا تأخرنا دقائق إضافية، يخصم لنا صاحب العمل نصف يوم، ونتقاضي يومية 20 جنيه».  

وأضاف محمود: «والدي متوفى ولدي 5 أشقاء، وأمي معندهاش شغل غير فاترينة حلويات، أمام منزلنا؛ لأنها لا تستطيع ترك إخوتي بالمنزل وحدهم؛ ولأن العائد لا يكفي، أضطر للعمل من أجل تغطية مصاريفنا، خاصة أن اثنين من أشقائي مرضى، وتذهب والدتي بهما إلى المستشفى باستمرار، حتى أننا لا نجد سوى العيش الحاف في أوقات كثيرة».

 الخوف المسيطر   

ويلتقط عادل طرف الحديث، قائلا: «أعمل في مصنع الحديد؛ لأن والدي قعيد، ووالدتي لا يمكنها أن تتركه للعمل، وليس لدينا مورد رزق سوي عملي، وخرجت من المدرسة لأني أكبر أشقائي، والمسؤول عن الإنفاق عليهم». 

وأضاف: «يوميتي 20 جنيه، وأحيانا صاحب العمل يخصم لنا بضعة جنيهات»، وفوجئنا بعادل يطالبنا بعدم ذكر اسمه في الموضوع، قائلا: «والنبي يا أبلة ماتكتبيش اسمي علشان الأوسطى منبه علينا، مانقولش لحد إننا شغالين معاه».

  مخالفات صارخة للقوانين

لا تتزقف القصة التي عرضناها للأطفال الثلاثة، ضحية الظروف الاجتماعية الصعبة، ومافيا العمالة، عند حد أنهم حالات إنسانية، تجذب التعاطف، وإنما تتخطى هذه القصص إلى بعد أكثر عمقا، وخطورة، وهو أن عمالة الأطفال، تمثل تهديدا صارخا لسمعة مصر دوليا، في ظل تجريم عدد هائل من الاتفاقات الدولية، التي وقعتها مصر، لعمل الأطفال.

وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1989 اتفاقية، عرفت الطفل بأنه: «كل إنسان لم يتجاوز الـ18 من العمر»، كما طالبت بالسعي لحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يُرجح أن يكون خطرا عليه، أو يمثل إعاقة لتعليمهم، أو يضر بصحتهم، أو نموهم البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي أو الاجتماعي.

وأوجبت الاتفاقية على الدول الأطراف فيها، اتخاذ التدابير التشريعية، والإدارية، والاجتماعية، والتربوية، التي تكفل حماية الأطفال، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل، ونظام ملائم لساعات العمل، وظروفه، وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية، تطبيق هذه النصوص

كما أقرت الأمم المتحدة في العام نفسه الإعلان العالمي لحقوق الطفل، الذي نص على وجوب كفالة «وقاية الطفل من ضروب الإهمال، والقسوة، والاستغلال، وألا يتعرض للاتجار به، بأي وسيلة من الوسائل، وألا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسبة، وألا يُسمح له بتولي حرفه، أو عمل، يضر بصحته، أو يعرقل تعليمه، أو غيره من حقوق الطفل».

وأصدرت منظمة العمل الدولية، عددا من الإتفاقات التي تعالج عمالة الأطفال، كان آخرها الاتفاقيتين رقمي 138 لسنة 1973، بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، والمقصود به السن القانوني للعمل، ورقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال. 

وتعد هاتان الاتفاقيتان تعتبران من أهم الاتفاقا، التي أقرتها مؤتمرات العمل الدولية، وأحدثها، وتعتبر الأحكام التي وردت فيها معايير أساسية لحقوق الإنسان في العمل، تلتزم بها الدول المنضمة إليها، وتتم مساءلتها عن الإخلال في الوفاء بالالتزامات المترتبة عليها. 

ومن بين الاتفاقات في هذا المجال: 

  •  الاتفاقية رقم 5 بشأن الحد الأدنى للسن (صناعة) لسنة 1919 وتمنع تشغيل الأطفال دون سن الـ14 في أي منشأة صناعية، باستثناء المشاريع الأسرية، وفي المدارس الفنية وبموافقة السلطات العام وإشرافها.

  • الاتفاقية رقم 6 بشأن عمل الأحداث ليلا في المنشآت الصناعية باستثناء المشاريع الأسرية وعرفت الليل بأنه: مدة لا تقل عن 11 ساعة متصلة تدخل فيها الفترة ما بين الساعة العاشرة مساء والساعة الخامسة صباحا .

ونكشف غدا مأساة جديدة حول المواد المحرمة دوليا، والتي يجبر الأطفال على العمل بها.

    Dr.Radwa
    Egypt Air