الأربعاء 29 مايو 2024

اعترافات للكاتب النيجيري إلنيثان جون

20-6-2017 | 17:00

ترجمة د.نهى عبد الله خيرت - مترجمة مصرية

 تساءل "يومي" وهو يضع ملابسه المتسخة في شنطة السفر: لماذا جعلوا مقابلة العمل في "أبوجا"؟ رغم أن مكتب المدير الإقليمي موجود في "لاجوس"؟ وكذا مكتب رئيس مجلس الإدارة حيث معظم الشركات والمصانع. كل هذا جعله غير راض عن المقابلة التي استمرت لمدة يومين خاصة وأن رحلة الطائرة من لاجوس إلى أبوجا تأخرت بسبب الأحوال الجوية، فذهب للمقابلة مباشرة وكان يعاني إرهاقا وتوترا، كما لاحظ ارتجاف يده وهو يقوم بتقديم العرض الخاص به، امرأة نحيفة ذات عيون منتفخة وشفاه غليظة على رأس الفريق الذي يجري معه المقابلة حدقت فيه بشدة بصورة جعلته لا يشعر بالراحة كما أنها كانت مهتمة بكل كلمة يقولها مما زاد من عدم ارتياحه، وأدى لتصبب عرقه، وسألته أسئلة صعبة، ركز على أظفارها فوجدها طويلة ومدببة وتشبه المخالب.

    لم يندهش بينه وبين نفسه لعدم زواجها حتى الآن، كرهها عندما عرف أن اسمها " نجوشي نبواز" الذي أعاد له ذكريات مؤلمة إذ فقد وظيفتين في لاجوس بسبب سيدتين غير متزوجتين من الإيبو مثل "نجوشي" وكان يفكر كيف سينتقل للإقامة في أبوجا إذا قبل في هذه الوظيفة خاصة وأنه قرأ على لوحة الإعلانات تنويها عن نقل مقر الشركة إلى أبوجا. كان لا يفضل الإقامة في أبوجا خاصة وأنه متزوج ولديه ثلاث فتيات وأمه التي تبلغ 80 عاما، والأهم أنه لا يريد ترك "ايكو" الفتاة ذات الأصول المالطية التي قابلها مصادفة منذ ثلاث سنوات أثناء عودته من العمل، وبعد تعرضه لحادث سطو، ومنذ ذلك اليوم قام باستئجار شقة صغيرة لها في "ايكوبي" وأصبح يتردد عليها باستمرار.

    ظل يفكر حتى وصل للمطار ليستقل الطائرة التي سوف تقلع 8.45 مساء، اعتاد "يومي" أن يسافر في درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى، أثناء قيامه بالحجز لاحظ وجود أطفال صغار مشاغبين، وما إن جلس في مقعده في الطائرة ونظر خلفه حتى وجد هؤلاء الأطفال الأربعة، وبجانبه جلس والدا الأطفال. لم يستطع "يومي" إخفاء انفعاله خاصة بعد أن نادت الأم على الأطفال وتأكدت شكوكه أنهم من الإيبو، وتذكر مدى هيمنتهم على معظم الوظائف في البلاد. كان وقت الرحلة قصيرا لينعم بالنوم فمدتها 45 دقيقة، تحمل ضجيج الأطفال، وفجأة اختفت الأصوات من حوله عندما تذكر "ايكو" وكيف أنه أخبر زوجته أنه سوف يصل مساء الخميس، بينما سيصل صباح الأربعاء، وكان يتطلع لقضاء وقت لطيف مع "ايكو“ التي اتصل بها قبل أن تقلع الطائرة، وأخبرها أنه في الطريق، ووعدته بإعداد الطعام الذي يحبه من اليام والصلصة الحارة والمأكولات البحرية، كان يخصص لها رقما سريا، وهي أيضا. أما زوجته فلها رقم آخر مغلق الآن لأنه أخبرها أنه في اجتماع مهم، كانت السماء صافية والجو معتدلا أثناء تطلعه من النافذة، وبدأ أحد الأطفال في البكاء "تبا لك يا جيني" قالتها والدة الطفل، صرخ الطفل "ضربني" وأشار إلى أخيه. بدأ صوت الأم يرتفع وهي تتحدث إلى زوجها، لاحظت إحدى المضيفات فتوجهت إلى الأطفال وتحدثت معهم بلطف وحزم في ذات الوقت. اهتزت الطائرة قليلا وظهرت علامة ربط حزام الأمان، وتحدث قائد الطائرة "أيتها السيدات والسادة أمامنا عشرون دقيقة لنصل مطار "مورتالا محمد في لاجوس" ونحن نواجه مشكلة في أحد المحركات وسنلجأ للمحركات البديلة وليس هناك ما يدعو للقلق، أكرر لا داعي للقلق".

    فجأة ارتفع صوت الطائرة واهتزت بعنف لكن مازال صوت قائد الطائرة هادئا واستمر في حديثه "أرجو من السادة الركاب ربط الأحزمة حيث نعاني احتراق أحد المحركات ونحن نبذل جهدنا لنهبط بسلام، أرجو مرة أخرى، لا داعي للقلق". بدأ اهتزاز الطائرة يزيد وارتفعت صرخات الركاب، وأحضر بعضهم هواتفهم المحمولة، وبدءوا في إجراء مكالمات، وارتفع صراخ الأطفال من الخوف وكذا أمهم. رأى "يومي" النار من النافذة، أخرج الرجل الجالس شيئا من جيبه، وبدأ يتلو صلواته ويردد أسماء القديسين ليخرجوهم مما هم فيه، ورغم أن "يومي" مسيحي إلا أنه لم يكن يعرف مدى إيمانه إلا بعد أن أمن على كل ما قاله جاره الذي كان يكرهه هو وأسرته منذ خمس دقائق فقط، بدأت تهبط نحو الأرض بشدة، غير جاره من دعائه وطلب من الجميع الاعتراف بذنوبهم حتى ينجوا مما هم فيه، وصاح: اعترفوا قبل فوات الأوان، وفجأة بدأت الذنوب تتطاير في الجو ولم يشعر أحد بالخجل "سامحني يا رب على تحرشي بتك السيدة، سامحني يا رب على سرقة أموال أمي، سامحني يا رب على كذبي، سامحني على إعطائي رشوة". أغلق "يومي" عينه وبدأ يعترف بذنوبه وقال "سامحني يا رب على اتخاذي عشيقة لنفسي، سامحني على كذبي، سامحني على تحرشي بالسكرتيرة الخاصة بي، سامحني على رغبتي في موت حماتي". كانت الاعترافات تتطاير في الهواء والصلوات تتزايد سخونة، اختلطت الأصوات فلم تعد قادرة على التفريق بين المسلم والمسيحي، كلاهما يمسك يد الآخر، تحدث قائد الطائرة مرة أخرى "سيداتي وسادتي نحن بصدد عمل محاولة هبوط ونرجو من الله التوفيق، لذا نرجو من سيادتكم الهدوء والالتزام بمقاعدكم والله الموفق".

    ارتطمت الطائرة بالأرض بشدة أثناء الهبوط فصرخ الجميع، وطلب القائد من الركاب البقاء بمقاعدهم وعدم الاندفاع للخروج وأبلغهم أن وحدات الإطفاء والطوارئ موجودة على أرض المطار وأن عملية الإخلاء سوف تستغرق 45 دقيقة، ورغم فرحة الركاب إلا أن الدرجة الأولى كان يخيم عليها الصمت لأنهم أدلوا باعترافاتهم بأصوات مرتفعة سمعها الجميع. شعر "يومي" بالخجل، وبدأ يتطلع في من حوله ليعرف إذا كان أحد سمع اعترافه أم لا؟ ثم أحنى رأسه، كذلك فعل بقية الركاب.

   تساءلت "ايكو" لماذا لم يأت "يومي" صباح أو مساء الأربعاء أو حتى في عطلة نهاية الأسبوع كما اعتاد أن يفعل؟ كذلك تساءلت زوجته "ما سر هذا الاجتماع" الذي غير زوجها بتلك الطريقة فجعله أكثر حنانا والتزاما، وتدين فجأة.

(كاتب نيجيري درس القانون، نشرت روايته الأولى "مولود يوم الثلاثاء" في دار نشر بريطانية، وتدور قصصه حول فكرة التسامح)