الخميس 26 سبتمبر 2024

ما يشبه الدائرة

20-6-2017 | 17:02

أمير الحسين - شاعر سوري

ودخلتَ في العام الجديد

وأنتَ أنتَ..

ولم تَزَلْ أنثاكَ

تحلمُ أن تطيرْ.

عصفورةٌ قالت لها:

أُهديك – لا تبكي – جناحيَّ اللذين

يكنّسان هواءنا

ويصفّقان، معا، لصوت الله في الأشياء.

طيري في المدى.

لا تكبري؛

حتى نحبَّك مثْلَنا..

طيري، ولا تخشي علينا

ربما نبقى نحبُّك، مثْلَنا، ونحبُّ طيشَك..

ربما.

...

رَفضتْ

حبيبتُكَ الصغيرةُ.

/

لستَ وحدكَ داخل السرداب

هم دخلوا معكْ

دخلوا أمامكَ أو وراءكَ

أو خلالكَ..

كنتَ، في إحدى زوايا قلبكَ المنسيّ، تَقْلَعُ

من وسادتك البليدة

ما تشظّى من زجاج الحُلْم؛ إذْ

قذفَتْهُ سادنةُ المدى

بالبرتقال، مُعبَّأً بدم الذين تحبُّهم.

أنثاكَ كانت نائمهْ

والبحرُ

مُلْتَحيا بذاكرتي

يُشيّعُ زهرةً أخرى

ويتركُني على دَرَج الصّعُود إلى البَهاء

محمَّلا بحقائب الموتى،–

أنا ضوءٌ

تحاولُهُ المرايا، دون جدوى..

لا السحائبُ تلك تخنقُني

ولا كلُّ الرصاص يمسُّ أجنحتي.

أَتذْكُرُ..

حينما سُرقتْ، صباحَ العيد، من يدكَ الحقيبةُ؟

لم تكن إلا من النَّيْلون..

تضحكُ؟

كان كيْسا للخُضار المنزليّ..،

بكيتَ

ثم رميتَ آخِرَ قطعتين من السكاكر

فوق سطحٍ ما.

بكيتَ .. بكيتَ

ثم مضيتَ مُبتسما

كما لو أنّ حُلْما راودَكْ.

لا، لست وحدكَ خارج السرداب

يا ظلّي الضَّريرْ

مِن قبلُ كنتُ معكْ

ورأيتُ من صَفَعَكْ

ورأيتُ كيف الشمسُ تغرُبُ؛

كيف تُسعِفُها - الظلالَ، جريحةً

مقطوعةً.. مقتولةً

وتعودُ في الصُّبْحِ المريرِ

بما تبقّى من ظلالٍ.

لم تشاهدني

ولم ترَ كيف

يشتعلُ المدى شَيْباً.

أنا عكّازةٌ لكَ، في الطريق إلى

الحديقةِ

والحبيبةِ

والحقيقةِ

والصّدى

...

وإلى الغديرْ.

خبّأتَ، فِيْكَ، يمامةً

كانت تطاردُها السماءْ

لقّنْتَها لغةَ الطيور ورقصةَ الأشجارِ في وطَنِكْ.

وطنٌ كثوبٍ داخليٍّ

ترتديه الأرضُ منذ بُلُوْغِها -

الأرضُ الشريدةُ في المَجَرّةِ مِثلنا..

الأرضُ التي

مطعونةٌ بكُنُوزها.

لا..

لستَ وحدكَ طائشا

كالرّيح في بَدَنِكْ.

ما خُنْتَ بائعةَ الورودِ

وما قطعتَ علاقةَ الأخوين - قابيلٍ وهابيلٍ.

وما لكَ، في خطيئةِ آدمَ البيضاءِ، أصبعُ.

تعصِرُ الأسماءَ يابسة

يدُ الذكرى..

وتحرقُ خبزَ وجهِكَ

دمعةٌ ما.

مثل راقصةِ الجليدِ

تَرِفُّ روحُكَ في صقيع الحُلْمِ، حيث

تدورُ ثم تدورُ

ثم تَرِفُّ ثانيةً.. وتسقُطُ

ثم ثالثةً ورابعةً.. و

خ ا م سَ.. (ها لقد سقطتْ)

تُرى، كم مَرّةً أخرى ستنجو من

غَيَاباتِ السقوط..

كأنّما مَلَكٌ يطيرُ بها

ويَلْعَقُ جرحَها بلسانِ نورِهِ.

كلُّ شيءٍ

في نزيفِهِ مُسْتَجِمّْ

لا، لستَ وحدكَ ناقصاً..

أنا أنتَ..

قبل الموتِ

بعد الموتِ

والشمسُ الأليفةُ، تلك، بعضُ حريقِنا.

حلفاؤنا انقلبوا، كقاربنا، علينا

لا يَعون بأنّ سجنَ الملح أوسعُ مِن

مَمَالك سُكّرٍ، تقتاتُ خاصرةَ الفراغِ –

وريثِنا الشَّرْعيِّ..

شاهدِنا الأصمّْ.

...

وكمثْلِ أطيار القُوَيْقبِ

لا المسافةُ تستبدُّ بنا

ولا الزّمنُ الذي متربِّصٌ بالحيِّ؛ يَنْحِتُ فيه

أشكالا من النّسيانِ

تجريديّةً.

الحُلْمُ إزميلٌ

وهذا القلبُ – يا لَهُ مِن مِهَدٍّ – جَوْزةٌ هنديّةٌ

مثقوبةٌ..

لا ماءَ في تجويفها.

خرجوا وعادوا

ربما ماتوا كثيرا

ربما ماتوا قليلاً

ربما لم يدخلوا أو لم يكونوا

ربما كانوا

...

ولكن، لا تَخَفْ

تركوا لنا أحلامنا

كي لا نُحِسَّ بوحشة الزمنِ/ الحُطامْ

تركوا لنا أشياءَ أخرى، كي نُعِدَّ

جِنازةً

وجِنازةً

وجِنازةً

...

وندشّنَ الجرحَ الجديدَ 

ونحتفي بالخاتمهْ.