بقلم – سناء السعيد
بدا المشهد غريبا عندما غابت الجامعة العربية غيابا كاملا عن أحداث المنطقة، لا سيما الحدث غير المسبوق فى تاريخ العلاقات العربية العربية وأعنى به قطع ثمانى دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب ما اقترفته من جرائم فى حق دول المنطقة من خلال دعمها للإرهاب تمويلاً وإيواءً واحتواءً، وتوالت عروض الوساطة لإصلاح ذات البين من قبل الكويت وباكستان وكينيا والمغرب وبريطانيا وفرنسا وتركيا، ولم تسفر التحركات عن أى انفراجة.
واستدعت الأزمة الجامعة العربية ودورها الذى لا وجود له، فكل الدلائل كانت تقطع بعجز الجامعة وعدم جدواها ككيان ومنظومة تضم الدول العربية ويناط بها مهمة حل القضايا، ولهذا فإن غيابها عن مشهد الأحداث أدى إلى فتح الطريق للبديل، الذى تمثل فى اللجوء إلى الخارج، فظهرت فى الصورة الأمم المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا وإيران وتركيا، وهى الأطراف التى تصدرت الواجهة فى محاولة لحل الأزمة.
غياب الجامعة العربية عن هذا الحدث لم يكن الأول من نوعه، فعلى نطاق أوسع رأينا دورها المتراجع بالنسبة لما حاق بدول عربية من أزمات كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، فبدلا من أن تساهم الجامعة فى الحل فاقمت الأمور بعجزها عن فعل أى شيء، الأمر الذى أدى بهذه الدول إلى الدخول فى دائرة الكوارث، عجزت الجامعة عن مواجهة المخاطر، وجاء عجزها ليفتح الطريق أمام التدخل الأجنبى والذى عادة ما يكون عسكريا، فيكرس الفوضى ويشكل إضعافا للعالم العربى فى زمن التكتلات، فشلت الدول العربية الأعضاء فى تقديم مقترحات يتم عبرها إعادة النظر فى منهج عمل الجامعة، ومن ثم تدهور دورها فى ظل عجز العرب عن توحيد رؤيتهم وتحديد أولوياتهم، لا سيما تلك التى تتعلق بحل النزاعات بشكل سلمى والحفاظ على سلامة الدول وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، على النقيض رأينا كيف أن الجامعة قد ساهمت فى عملية بتر لدول مؤسسة لها كسوريا عندما علقت عضويتها وتمادت فى إقصائها عندما رفضت تصحيح القرار ووضع حد للمقاطعة.
عجزت الجامعة عن دفع جهود التسوية السياسية للأزمة السورية، فكان أن فتح المجال لتطورات سلبية عسكريا وسياسيا داخل سوريا وفى جوارها العربى والذى كان من شأنه فيما إذا استمر أن يضع سوريا على أعتاب تطور يؤدى إلى تدمير مقدراتها وتقسيم أرضها وتحويلها إلى دولة غارقة فى صراع لا متناهٍ وفوضى ضاربة، وهو ما حدا بأمين عام الجامعة العربية السفير أحمد أبو الغيط إلى أن يحذر من ذلك فى الجلسة الافتتاحية للجنة الرباعية العربية فى ٢٧ مارس الماضى عندما حمل على الدول العربية ووجه نقدا ذاتيا لها فى إدارتها للأزمة السورية قائلا: (لا يصح أن يبقى النظام العربى بعيدا من التعامل مع أكبر أزمة تشهدها المنطقة فى تاريخها الحديث. وأعنى بذلك الأزمة السورية، لا يصح أن ترحل هذه الأزمة الخطيرة إلى الأطراف الدولية والإقليمية ليديروها كيفما شاءوا ويتحكموا بخيوطها وفق مصالحهم).
ولا شك أن عجز الجامعة يعود إلى عجز الدول العربية على التضافر حول هدف واحد، فرغم أنهم كعرب يشتركون فى كل شيء إلا أنهم لا يجمعهم أى شيء، الأمر الذى أدى بدوره إلى أن يصبح دور الجامعة أشبه ما يكون بشاهد ما شافش حاجة....