الثلاثاء 1 اكتوبر 2024

لأول مرة.. ٥٠ سيدة ضحايا جريمتين فى أسبوع نساء الحجيرات فى مرمى «رصاص الثأر»

21-6-2017 | 14:15

قنا: أحمد سعد جريو

العرف الصعيدى يمنع تمامًا أن يمس رصاص الثأر النساء وهن محرمات على القتل فى قضايا الثأر. بل من المحظور أن يقتل رجل بصحبته سيدة.

لكن هذا الأسبوع تغير الحال وتبدل العرف وأصبحت النساء مستهدفات مثل الرجال.

فى حادثين هذا الأسبوع سقط خمس سيدات صعيديات فى جريمتى ثأر.

مؤشر غاية فى الخطورة أثار الرعب فى قلوب أبناء الصعيد عموما، وقرية الحجيرات تحديدا.

الطريق إلى “الحجيرات” الواقعة على بعد ١١٥ كيلو مترا تقريبا من مدينة قنا، قريب الشبه بأى طريق إلى أى قرية نائية فى إحدى محافظات الجنوب، فالقرية التى يصل عدد سكانها لنحو ٢٥ ألف نسمة، وتتبعها ٧ نجوع، الوصول إليها لا يكون إلا بالعربات “الكبوت”، وذلك فى أوقات النهار، أما ليلا، فإن محاولة دخول القرية، سيكون نوعا من المغامرة غير محسوبة النتائج، فهبوط المساء هناك، لا يعنى إلا تعالى أصوات الرصاص، وانتشار رائحة الدم، ولا شىء آخر.

بوابة «الحجيرات» المتهالكة، يمكن القول إنها تختصر ما وراءها، وشوارعها الضيقة، تؤكد أن المرور إلى الداخل لا يمكن أن يتقنه سوى أبناء القرية، العارفين بدروبها، وأزماتها أيضا.

أزمة الثأر التى تعانى منها «الحجيرات» لم تتوقف عند حدود القرية ذاتها، لكنها امتدت، وبصورة أكثر بشاعة إلى النجوع التابعة لها، ويعتبر نجع «معلة» الأكبر فى معدلات الخصومات الثأرية، رغم أن سكانه تجمعهم صلة قرابة، فجميعهم «أبناء عمومة»؛ لكن الرحلة داخل النجع، تكشف أنه قريب الشبه بـ»ترسانة أسلحة» حيث تكثر به الأسلحة الآلية بكافة أنواعها، إلى جانب ظهور «الكلاشنكوف» فى الأيدى.

فى حين أن نجع «العمدة» يعتبر الأكثر استقرار بين نجوع الحجيرات، وتوجد داخل النجع المدرسة الابتدائية والإعدادية التى تخلو معظم العام من التلاميذ والمعلمين لموقعها الجغرافى الذى يتوسط معظم الخصومات البالغة أكثر من ٢٢ خصومة ثأرية، أما مركز الشباب فقد ضاعت معالمه، وتحول لمرعى للأبقار والماشية، والأمر ذاته بالنسبة للوحدة الصحية.

«المصور» فى رحلتها داخل «الحجيرات» والنجوع التابعة لها، اكتشفت حجم المأساة التى تتحكم فى الأهالى، وحالة الذعر الواضحة على وجوههم، فمن لا توجد بينه وبين أطراف أخرى خصومة ثأرية، يخشى التحدث فى الأمر، أو حتى الإشارة إلى نقص الخدمات التى تعانى منها القرية بأكلمها، وعندما يصل الحوار إلى منطقة الثأر يلتزم الجميع الصمت، فلا حديث يدور عن العائلات صاحبة الخصومات الثأرية، وذلك بسبب التهديدات الواضحة التى تلقاها أهل القرية بعدم الخوض فى مسألة خصوماتهم الثأرية.

وبعد محاولات عدة للحديث مع الأهالى حول دخول النساء دائرة الثأر، اكتفى غالبية من تحدثنا إليهم، بالإشارة إلى أن المجزرة التى شهدتها القرية مؤخرا، حدثت بين أبناء عمومة، ولا يمكن التدخل بينهم أو الحديث معهم حول الأمر.

وفى ذات السياق، قال حمدى البوقى، من أهالى قرية الحجيرات: السيدات الأربع اللاتى رحن ضحايا الثأر الأسبوع الماضى كن بصحبة مطلوبين للثأر فقد كان ثلاث سيدات فى الحادثة الأولى برفقة مطلوب للثأر سبق أن حكمت المحكمة ببراءته، وأثناء عودتهم من المحاكمة إلى القرية، فتحت أسرة القتيل النار على السيارة التى كانوا يستقلونها، فلقى المطلوب للثأر مصرعه ومعه زوجته وأخته وزوجة أخيه، ثم توفيت الرابعة متأثرة بجراحها فى اليوم التالى.

أما الحادثة الثانية - والحديث لايزال لـ«البوقى»، فقد أطلق أحد الخصوم النار على غريمه بشكل عشوائى، لتلقى زوجته مصرعها، وسقوط النساء فى الخصومات الثأرية أمر لم يكن متعارفا عليه من قبل، كما أن الأخذ بالثأر له أعراف تم التعارف عليها، منها أن الرجل عندما يقتل غريمه يجب أن يقتله من الأمام فلا يطلق عليه النار من الخلف حيث يمثل ذلك جبنا وخسة، وألا يطلق عليه النار وهو يصطحب نساء أو أولادا خوفا من أن يصاب من معه، والعرف يحتم على صاحب الثأر ألا يقتل طفلا أو امرأة، لكننا فوجئنا بمن يخالف الأعراف ويخترقها وإن كنا نجرم القتل بكل أشكاله وأنواعه وندعو الناس للأخذ بمبدأ السلام والتعايش السلمى والصفح.

من جانبه قال، محمد الأمين أحد الأهالى: الحادثة غريبة من نوعها سواء التى راح ضحيتها أربع سيدات أو تلك التى راحت ضحيتها سيدة واحدة، فمن المعروف أن قرية الحجيرات بها العشرات من الخصومات الثأرية بين عائلاتها، وهذه الخصومات لا تمس المرأة من قريب أو من بعيد، وكان من العار أن تصاب امرأة فى خصومة ثأرية؛ لكننا وجدنا منذ بداية هذا العام العديد من السيدات اللاتى أصبن بطلقات نارية حتى انتهى الأمر بقتلهن، وهذا نهج إجرامى وليس نهجا ثأريا، كما أن الأسلحة النارية التى أصبحت فى أيدى الكثيرين من الشباب والصغار تساعد على إحداث الجريمة الثأرية، واصفا المشهد فى القرية بأن الشباب والصبية يحملون السلاح الآلى على أكتافهم ويسيرون فى الشوارع والطرقات غير مبالين بخطورته وحمله واستخدامه، ما يساهم فى وقوع جرائم على أتفه الأسباب.

« م. ع. ن» أحد أهالى القرية، كشف أن «الحجيرات» يعيش داخلها، أكثر من ١٠ أشخاص صادرة ضدهم أحكام بالإعدام هاربون من تنفيذها، وتورطوا فى حوادث قتل، إلى جانب اتجارهم فى المخدرات، دون أن يتعرض لهم أحد، ومنذ أكثر من ١٧ عام أنشأت وزارة الداخلية نقطة شرطة فى القرية، دفعت المجرمين للهروب إلى الجبال؛ لكن الأمر لم يستمر طويلا، فسرعان ما عادت الأمور إلى طبيعتها، ونحن نطالب وزارة الداخلية بعمل دوريات مرورية من الشرطة داخل القرية وفى النجوع .

أما «سامية..» من أهالى قرية الحجيرات، فقد عقبت على حوادث الخصومات الثأرية التى شهدتها القرية مؤخرا، وراح ضحيتها ٤ سيدات، بقولها: المرأة كانت فى الماضى عاملا مساعدا فى الثأر، إلا أنها الآن كرهت القتل بعد أن قضى على كل شيء، ولم يعد هو الذى يحقق المجد والفخر، وأصبحت تسعى الآن إلى تربية أولادها وتعليمهم.

فى حين قال أحمد الصعيدى حسين، أخصائى اجتماعى: الأحداث الأخيرة من قتل للنساء بالقرية تعكس الحالة المتدهورة التى آلت إليها القرية، والمرأة فى الصعيد يطلق عليها «الحرمة»، ويقصد بها أنها منطقة محرمة على أى إنسان أن يخترقها وقيام البعض بتوجيه طلقات الرصاص نحوها بمثابة اختراق للمنطقة المحرمة، وهذا يدفع بالتأكيد إلى مزيد من إراقة الدماء والتوسع فى الخصومات الثأرية، وإن كنت أشير إلى أنها لم تصبح خصومات ثأرية بقدر ما أود أن أشير إلى أنها عمليات إجرامية.

فى ذات السياق، وصف د. أحمد سالم -أستاذ جامعى- الموقف بأنه خصومة ثأرية تحولت إلى عملية إجرامية، وعالم الإجرام لا تحكمه قوانين أو أعراف، فى حين أن المجتمع القبلى الذى تنتشر فيه عادة الثأر مجتمع قيمى يسعى إلى إرضاء المجتمع بإحداث قيم ومبادئ يفتخر بها، أما المجتمع الإجرامى فهو مجتمع تنتشر فيه الرذائل.

وأنهى حديثه بقوله: مجتمع قرية الحجيرات يحتاج إلى تحقيق الأمن والسلام أولا، ثم السعى إلى التنمية.