الإسماعيلية: محمد فوزى
المنيا: وفاء عبد الرحيم
كفر الشيخ: أشرف مصباح
رغم ما نستيقظ عليه كل يوم من جرائم فساد وسرقة ورشاوى هنا وهناك؛ واستغلال للغلابة برفع الأسعار من مافيا تجار «السوق السوداء»، إلا أننا نجد الأمل يتجدد فى مواطنين شرفاء، رفضوا أن يسيروا عكس اتجاه القانون؛ بل فضلوا رفع شعار «الأمانة أولاً»، رغم كل الضغوط المادية والنفسية والاجتماعية والحياتية التى يعيشونها، قد يكونون فى ضيق من العيش، ومرتباتهم لا تكفيهم حتى المعيشة الكريمة، لكنهم يرفضون بأخلاق أولاد البلد أن يكون هذا الفقر سبباً فى أكل الحرام أو بيع ضمائرهم أو قبول الرشاوى وأموال الشعب؛ وإنما يفكرون فى الحلال.. فى الرزق المشروع فى الوطن.. هؤلاء نموذج لشرفاء مصر الذين هم بالملايين؛ لكن للأسف لا نشعر بهم لأن صوت الفساد دائماً أعلى.
نحن فى «المصور» لا نعرض لمثل هذه النماذج لنتفاخر بهم أو لنسلط الضوء عليهم فقط؛ لكن لأننا نحتاج الآن لنؤكد مثل هذه النماذج وغيرها، التى ستقف مع الدولة فى مواجهة كل «سارق ومرتشٍ وفاسد» تبقى مصر، وينتصر الخير على الشر، والعمل على الفساد، والأخلاق الحميدة على الذميمة.
نبدأ من الإسماعيلية، حيث رفض موظف الوحدة المحلية لمركز ومدينة فايد شافعى عبد الرازق أبو بكر (٣٤ عاماً)، رشوة تُقدر بنحو مليونى جنيه عرضها عليه لصوص أراضى الدولة من أجل تسهيل الحصول على ٦ آلاف فدان تصل قيمتها لنحو ٣ مليارات جنيه من أرض الدولة دون وجه حق.. لم يتردد شافعى لحظة ولم يلعب الشيطان برأسه ولم يسِل لعابه أمام هذا المبلغ الضخم، وهو الموظف البسيط الذى لا يتجاوز راتبه الـ ١٢٠٠ جنيه؛ لكن حب الوطن وأرض الوطن لا تُقدر بثمن.
ويسرد «أبو بكر» تفاصيل عرض الرشوة عليه، قائلاً: قبل نحو الشهر تقريباً كنت بمكتبى وفوجئت بأحد الموظفين بالوحدة المحلية يعرض ملف طلب تقنين قطعة أرض تصل مساحتها لنحو ٦ آلاف فدان تتبع أملاك الدولة بقرية أبو سلطان لصالح أحد رجال الأعمال وبالمخالفة للقانون، مقابل مبلغ مالى كبير يقدر بنحو مليونى جنيه.
صحيح مرتبى صغير.. أعيش حياة مواطن بسيط لكن لم أتردد لحظة، وعلى الفور قمت بإبلاغ رئيس مركز ومدينة فايد الذى أبلغ محافظ الإسماعيلية وأجهزة الرقابة الإدارية فطلبوا منى التعامل مع الراشين والتظاهر بالموافقة على قبولى الرشوة.. وبالفعل تم القبض على أفراد هذا التشكيل العصابى، والذى ضم ٦ أفراد بينهم الموظف ورجل الأعمال الذى أراد الحصول على أرض الدولة مقابل رشوتى متلبسين.
الشافعى يكمل.. لا أخلاقى ولا تربيتى ولا الحفاظ على كرامتى كانت تقبل بمساعدة هؤلاء.. فهناك على الحدود وفى سيناء من يفدى الوطن ويفدينا بروحه ويحمل روحه على كفه ويحارب الإرهاب ويذود عن الوطن ولسنا أقل من هؤلاء.
الموظف «أبو بكر» كرمه المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، وقابله بنفسه فى مكتبه.. ووصفه بالبطل قال له: «إزيك يا بطل أنت نموذج مشرف للمحليات وللموظف المصرى ونحن فخورون بك»، وقال «أبو بكر» شهادة التقدير والمكافأة المالية حتى لو كانت صغيرة هى أكبر عندى من ملايين الدنيا.
الشرفاء فى مصر أغلبية لا فارق بين بحراوى وصعيدى ففى المنيا، عثر سائق ومسعف على مبلغ ١٠٠ ألف جنيه أثناء قيامهما بإنقاذ مصاب فى إحدى الحوادث بالطريق الصحراوي، سائق سيارة الإسعاف محمد عيد (٥٠ عاماً) سرد تفاصيل الواقعة بقوله: تلقينا بلاغا من غرفة العمليات عن حادثة بها مصاب بعد بوابة الرسوم بالمنيا طريق الجيش، وما إن وصلنا أنا وزميلى المسعف رمضان لم نجد مصابين، ولفت نظرنا نور السيارة الصغير قمنا بفصل الكهرباء عن السيارة، وبدأنا فى البحث عن بطاقة أو أى إثبات شخصية عن صاحب السيارة، وعثرنا أسفل كرسى السائق على شنطة بلاستيك بها مبلغ ١٠٠ ألف جنيه، قمنا بعدها بإبلاغ ياسر فاروق المشرف والدكتور أحمد سيف المدير، الذى اتصل بدوره بمأمور المركز، وطلب منا الذهاب لقسم شرطة المركز لتسليم المبلغ وبمحضر رسمي.
«عيد» فاجأنا بقوله: إنها ليست المرة الأولى التى أعثر فيها على مُتعلقات وأموال وأردها، ولم أفكر فى أى شيء لأننا تربينا على الأمانة..، الفقر مش عيب.. لكن الحرام خراب بيوت، أما رمضان عبد المنجى المسعف (٣٥ عاماً) فتذكر وصية والده الذى كان يوصيه دائما بالبحث عن الرزق الحلال.
من المنيا إلى كفر الشيخ، حيث سلم مسعف وسائق بإسعاف كفر الشيخ مبلغ ١٣٨ ألف جنيه، كانت بحوزة مصاب فى حادث تصادم سيارته الملاكى على الطريق الدولى الساحلى بكفر الشيخ بأخرى بالقرب من محطة توليد الكهرباء إلى أهله.
المسعف السيد سامى (٢٩ عاماً)، رغم أن عليه أقساط أثاث عش الزوجية مطالب بدفعها كل أول شهر وراتبه لا يتعدى ٢٨٠٠ جنيه؛ إلا أنه لم يفكر لحظة فى عدم تسليم المال الذى عثر عليه، ولا حتى أخذ أى جنيه واحد من المبلغ وقال أنا وزميلى إبراهيم أبو النصر، حسمنا الأمر من أول لحظة لأننى أتقى الله فى عملى حتى يبارك الله فى أسرتى الصغيرة، مضيفاً: «أساس عملنا الأمانة والصدق وسرعة التوجه للحدث والتعامل مع المصاب دون النظر لهيئته أو وظيفته أو ما معه».
أما السائق زميله إبراهيم أبو النصر (٤٠ عاماً) فقال أى مال أو متعلقات شخصية تكون بحوزة المصابين أو المتوفين نسلمها فورا، إما إلى أهل المصاب أو المتوفى أو يتم تسليمها فى مركز الشرطة، ولا نلتفت إلى أى مال مهما كان مقداره.
وأضاف أبو النصر أنه رغم أننى أعول أسرة كبيرة؛ إلا أن ربنا يبارك فى الرزق، ومستورة بأمر الله واحنا أحسن من غيرنا بكتير و»اللى بنشوفوه كل يوم بيخلينا نزهد فى الدنيا ولا ننظر إلى أى مال او ممتلكات للغير».
نموذج آخر للشرف والأمانة، بطل هذه المرة الرائد أسامة العطار، والنقيب رامى عتيق اللذان رفضا رشوة بقيمة مليون دولار، البداية كانت بتلقى اللواء رضا طبلية مساعد وزير الداخلية مدير أمن الشرقية، إخطارا من اللواء هشام خطاب مدير البحث الجنائي، يفيد أنه أثناء تواجد الرائد أسامة العطار الضابط برفع البحث الجنائى فرع الشرق، وبرفقته النقيب رامى عتيق، وقوة من الشرطة السريين بخدمة الكمين الأمنى مفارق سامى سعد، الذى يربط ٥ مراكز ببعضها، اشتبه الرائد «العطار» فى سيارة ملاكي، وبالاقتراب من السيارة وسؤال قائدها عن التراخيص، تلاحظ وجود شيكارة بلاستيك داخل السيارة الفارهة، فطلب الضابط تفتيش السيارة، فحاول قائدها الفرار؛ لكن القوات تمكنت من ضبطه والسيطرة عليه فى الحال.
وبتفتيش السيارة عثر داخل الشكارة على تمثال أثرى يرجح أنه يرجع للعصر الفرعوني، يزن تقريبا ٤٠ كيلو، وطوله ٤٥ سم من البازلت، بيج اللون، وقاعدته تحوى نقوشا أثرية.
سقط رجل الأعمال فلم يجد أمامه سوى اللجوء إلى الإغراء المالى ظناً بأن رجال الشرطة يقبلون الحرام، فعرض على الضابط مبلغ مليون دولار مقابل أن يغمض عينيه للحظات ويسمح له بالمرور ولا يحرر له محضراً؛ لكن شرف الضابط وقسمه كان أقوى من إغراء الملايين، رفض وقبض عليه وسلمه إلى النيابة لتتخذ ما تراه.
وكشفت التحقيقات حيازة كل من «م ش م» رجل أعمال وشقيقه «ع.ش.م» مقيمين بالمعصرة مركز بلقاس محافظة الدقهلية، يمتلكان مصانع طوب، بمدينة العاشر من رمضان، ومعهما السائق الخاص لهما، وأنهما عثرا على التمثال من أحد الأشخاص لبيعه له