السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

ليست قسوة بل تصرف محب

  • 26-12-2021 | 16:05
طباعة

لم يعد الصعيد مجرد عبارة في خطاب رئاسي مفعم بالآمال أو الوعود بحياة أفضل في خطة خمسية منتظرة بل تحول إلى بؤرة اهتمام تضخ فيها الدولة كل جهد ممكن لتغيير واقع صعب يطول الحديث عن أسباب ترديه أو تراجعه وتعرضه للتهميش طوال عقود ماضية.
ولأن لغة الأرقام لا تكذب سأستعرض في عجالة كيف تم ترجمة عزم الدولة والقيادة السياسية لتغيير واقع الصعيد الصعب ففي سنوات سبع فقد تأسست طرق ومحاور بلغت أطوالها 6600 كيلو متر بتكلفة بلغت 120 مليار جنيه وأنشئت كباري وأنفاق تمثل شرايين للتنمية بلغت 365 كوبري ونفقا بتكلفة بلغت 50 مليار جنيه وعلى صعيد الإسكان بنيت 188 ألف وحدة سكنية توفر حياة كريمة لأصحابها بتكلفة تجاوزت 41.5 مليار جنيه وأنفق 15.6 مليار جنيه لإنشاء 224 مشروعا للصرف الصحي وأقيم 14 محورا على نهر النيل ليمد ويسهل حركة التجارة والحياة في الصعيد تكلفت 23.5 مليار جنيه وأقيمت 54 محطة معالجة مياه توفر مليون متر مكعب من المياه يوميا بالإضافة إلى 121 مشروع مياه شرب انفق عليها 9.64 مليار جنيه.
يمنح هذا السرد أي متردد تجاه مسار وطنه أو من مازال يعاني من مناخ انعدام الثقة المتوارث فرصة لإعادة التفكير وممارسة نوعا من التخيل كيف غيرت تلك المشروعات وضع الصعيد وأهله على الأرض وكيف هيأت له فرصا واعدة لجذب الاستثمارات ليتحول الصعيد من مجرد أخبار وصور مخجلة قبل أن تكون محزنة تسوقها وكالات الأنباء إلى أفق عريض من الأمل والقدرة على تعويض ما فات.
تابعت كما تابع الجميع افتتاحات الرئيس عبد الفتاح السيسي لعدد من المشروعات التنموية في الصعيد وتابعت عن كثب عبارات الرئيس وبالطبع هناك بيننا من لا يسرهم أن تكون مصر قوية قادرة ويتمسكون في العيش في ظلمات الإحباط التي تتعاظم فيها قدرتهم على توسيع الفجوة بين المصريين وقيادتهم ليتهيأ لهم فراغ يستطيعون التحرك فيه.
لقد تحدث الرئيس مرات ومرات عن إطلاقه للجمهورية الجديدة وألقى الإعلام على كاهله مهمة رصد ملامح تلك الجمهورية الجديدة فاستعرض منشآتها وأسهب الحديث عنها لكن هذا الجهد الكبير كان ينقصه جهد آخر لا يقل أهمية عن بناء مجتمع الجمهورية الجديدة ضرورة إلقاء الضوء على الجمهورية وكيف نواجه أعداء مصر الذين يقدمونها على أنها قاسية تتنكر للمواطن وتلقي عليه عبء كل شيء وبالطبع وفي سبيل ذلك يستغل هؤلاء المغرضون حديث الرئيس عن رفع سعر رغيف العيش أوإلغاء إصدار بطاقات تموينية جديدة ونسي الجميع أن الجمهورية الجديدة ليس المقصود بها مجرد مبان حديثة وطرق فاخرة بل هي نقلة مجتمعية أساسها الناس والبشر فبغيرهم لا تنمية تستدام ولا تطور يدوم فحديث الرئيس عن جمهورية جديدة يتطلب منا كمجتمع ألا نقيس أوضاعا بليت ونسقطها على وضع جديد نأمله وهنا لا مجال عن قسوة أو تنكر لمواطن والدليل تلك الأرقام الكبيرة التي تنفق لتحسين أوضاع الناس المطالبين بأن يتعاملوا بمنطق جديد فلم تعد تلك الصورة التي تقوم على دولة تنفق على مواطن ومواطن ينتظر من ينفق عليه تلك علاقة لم تعد موجودة على سطح الأرض وكل شعوب تقدمت اجتماعيا أدركت ذلك بل إن الجمهورية الجديدة ما هي إلا خالق لفرص تتيحها لمواطن عازم مجتهد  ليصنع له طريقا لتحقيق ذاته توفر الدولة الخدمات لا توزع إعانات التي لم تغن يوما صاحب حاجة.. فهل تهيأ مجتمعنا وتسارعت حركته بقدر تطلعه لتجارب دول أخرى يقارن نفسه بها بالطبع ندرك جميعا الإجابة.
إن حديث الرئيس ليس من باب التخلي ونفض اليد من هموم الناس والدليل على ذلك أن الدولة مازالت تساند وهي في طريق التنمية الفئات الأكثر احتياجا كتكافل وكرامة وحياة كريمة لكن الرئيس يدعو الجميع إلى الانتباه بأن الجمهورية الجديدة تلك الدولة المدنية الحديثة القادرة على تلبية طموحات أبنائها الذين ثاروا من أجل تحقيقها مرتين تتطلب دفع الثمن لأجلها جهدا وعرقا وتغييرا لمنط حياة انتظارالعطايا والمنح والكيس الفطن من يسارع بركب أحلامه ليواكب حركة الدولة فلم تعد العلاقة بين الدولة والمواطن كمثيلتها في عصور الاشتراكية وتبذل الدولة كل الجهد لتقليل فترة الفطام بين الجمهوريتين الجديدة والقديمة إن جاز التعبير .. إن الترويج بأن الدولة تقسو على أبنائها ليس إلا حديث مغرض يشتهي الفتنة فإن الأم حين تمنع وليدها من التقام صدرها ليس قسوة ولا جبروتا بل رغبة صادقة منها في أن تري وليدها قادرا على مجابهة الحياة وتحدياتها بنفسه.
إننا  اليوم جميعا مسئولون ومدعوون إلى بناء مجتمع الجمهورية الجديدة وهو ذلك الجمهور الذي يدرك عصره ومتطلباته فيسعى إلى امتلاكها واتقان أسبابها وساعتها لا يعد لحديث القسوة مكان أو معنى.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة