الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

ثقافة

تقنيات السرد القصصي عند الأديب أحمد عبدالله إسماعيل في "نهر الموت"

  • 1-1-2022 | 14:52

الغلاف

طباعة
  • أبانوب أنور

صدر حديثا عن دار زحمة كتاب، المجموعة القصصية "نهر الموت" للأديب أحمد عبدالله إسماعيل، وتشارك المجموعة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 53 .

يتميَّز السرد عند أحمد عبدالله إسماعيل في قصة "نهر الموت" باعتماده على دلالات مكانية وزمانية؛ لأنَّ ربط السرد بالزمن عام 1994 يجعل تلك القصة أكثر تشويقًا ويرتِّب جميع الأحداث التي تتضمنها القصة.

 تقع الأحداث في هذه القصة بشكل متدرج متسلسل ومرتبة ترتيبًا منطقيًّا، وذلك من خلال مراحل ثلاث أساسية هي: الأحداث المبدئية التي بدأت باسترجاع أحداث الماضي، الأحداث الطارئة، الأحداث الختامية بالعودة لنقطة البداية بصورة دائرية.

يحتوي السرد على كثير من الروابط المحددة والتي تعمل على ربط الأحداث المتغيرة والمتحولة بعضها ببعض وفقَ الطريقة التي رآها الكاتب مناسبة. تدرجَت الأفعال بشكل تناسب مع الزمن والتوقيت المناسبين، مثلما عبَّر بالفعل الماضي عن الأحداث التي انتهت سابقًا.

راعى الكاتب وحدة الحدث والموضوع ضمن النص السردي، واشتماله على مغزى واضح أو مخفي وكان له هدف محدد؛ إذ إن الهدف هنا هو إبراز ما في الهجرة غير الشرعية من مخاطر بالإضافة إلى بُعد قومي عربي إفريقي يتمثل في وحدة المصير ووحدة الدم الذي امتزج في نهاية القصة.

عمل أحمد عبدالله إسماعيل على توظيف تقنيات السرد بشكل جيد؛ حيث يتألّف العمل بصورة عامّة من ركيزتين أساستين: الركيزة الأولى هي القصة التي يتضمنَّها هذا العمل والتي يحاول إيصالها إلى الآخرين وهي معاناة يكابدها البطل في طريق الهجرة غير الشرعية، والركيزة الثانية هي الطريقة التي يتوجَّب على المتكلم أن يؤديَها من أجل إيصال القصة وهذه الطريقة هي التي تسمَّى السرد، ويعتمد السرد على مجموعة من التقنيات التي يرسم الكاتب من خلالها القصة ويشكلها لإيصال الصورة إلى أذهان الجمهور، حيثُ تمثِّل الأعمدة التي تتولى رفع سقف القصة حتى تصل إلى الجمهور مكتملة التكوين، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أهم تقنيات السرد عند الكاتب:

 زمن السرد

 حيثُ يعدُّ اختيار زمن محدَّد للسرد ووضع الأحداث ضمن سياق أو إطار زمني معيَّن للقصة من أهم تقنيات السرد، وذلك في مختلف الأزمان التي قد تقع فيها أحداث القصة من ماضٍ أو حاضر أو مستقبل وهو ما نجح فيه الكاتب بصورة كبيرة.

الصوت الداخلي للسرد

 تمثِّل هذه التقنية نوعية أو شكل الطرح الذي تم تقديم الأحداث من خلاله أو بمعنى آخر هو عرض تقديمي قام بالإبلاغ عن القصة وأحداثها وهو الذي يسمَّى الراوي، وهنا استخدم الكاتب الراوي بضمير المتكلم الذي يبدو كأنه هو نفسه مما يجعل القارىء يتوحد مع البطل ويتماهى مع العمل.

وجهة نظر الكاتب

 وهي تمثِّل العدسة الشخصية أو الرؤيا للكاتب أو السارد نفسه، وهي العلاقة القائمة بين الكاتب والعالم المبنيِّ داخل السرد، وتحدد غاية الكاتب من وجود الراوي شروط اختيار هذه التقنية، وتتنوع بين أن تكون موقف الكاتب من حدث ما أو موضوع ما، مشاعره الوجدانية وعواطفه، وطريقة لتنويع قراءة النص وإيصاله للقارئ.

بالإضافة إلى تلك التقنيات الثلاث التي تمَّ تسليط الضوء عليها فإنَّ تقنيات السرد عند أحمد عبدالله إسماعيل لا تقتصر على ذلك فقط فمنها أيضًا: الحبكة، الاسترجاع الفني، الحذف، الوصف، التلخيص، وغيرها.

الحبكة

وهي إحدى أهم التقنيات العامة إذ تشمل أحداث القصة المتسلسلة والمتتابعة، بالإضافة إلى الربط بين مختلف تلك الأحداث لإحداث آثار فنية أو عاطفية في نفوس القراء، وهي التصور العام الذي يقوم الكاتب من خلاله بتقديم أحداث القصة، وتختلف الحبكة بين كاتب وآخر وبين قصة وآخرى، حسب تناوله للأحداث وزمنها، فقد بدأت قصة "نهر الموت" بآخر حدث مستخدمًا تقنية الاسترجاع.

 الوصف

 من أهم تقنيات السرد القصصي، إذ يقوم الكاتب باستخدامها عندما يريد إيصال صورة شخص ما مثل بطل القصة، فتحي أو مكان مثل المعتقل أو حدث مثل ليلة الهجرة غير الشرعية من سوريا إلى لبنان أو شيء كمدينة دمشق أو مبنى كمبنى المعتقل، فيخاطب الكاتب في تقنية الوصف حواس القارئ المختلفة مثل سماع صوت التعذيب في المعتقل، وتذكر البطل لأمه وهي تطعمه اللحم الشهي اللذيذ؛ فإذا أحس القارئ أنَّه استشعر الشّيء الموصوف بشكل كامل يكون الكاتب قد نجح في توصيفه ذاك.

الاسترجاع الفني

 وهو عبارة عن انقطاع لتسلسل زمني أو مكاني في القصة من أجل استحضار مشهد سابق أو عدَّة مشاهد، حيثُ تسلِّط الضوء على موقف معين وتقوم بالتعليق عليه، وكانت مقتصرة على فن السينما فيما كان يعرف بالفلاش باك، لكنَّ الكتاب نجحوا في توظيفها في المسرح والرواية والقصة والشعر أيضًا، وخصوصًا في الأعمال البوليسية التي تبدأ من آخر أحداث القصة ثمَّ يبدأ استرجاع الأحداث وتحليلها، ومثال على ذلك رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ التي نجح الكاتب بشكل كبير في تحقيق الإثارة والتشويق مثلها.

الحذف

 تقوم هذه التقنية على اختصار زمن طويل من أحداث القصة، فيقوم بتجاوز شهور وسنوات وفي ضمنها اختصار لأحداث كثيرة للوصول إلى الحدث المُراد الحديث عنه وتصويره في ذهن القارئ، وتدخل هذه التقنية ضمن أنواع السرد المتقطع، وقد استخدمها الكاتب في نهاية قصة نهر الموت عندما اختصر حياة البطل فتحي في لبنان في بضع جمل.

 التلخيص

ويعتمد الكاتب على هذه التقنية في مطلع قصة نهر الموت باختصار أحداث كثيرة وطويلة في كلمات معدودة بشكل مكثَّف في عرض ملخص الأحداث مما أدى إلى تسريع أحداث السرد وحركتها للابتعاد عن السأم والملل الذي قد يصيب القارئ.

سيل الوعي سيل الوعي أو تداعي الذاكرة وهي تقنية قام من خلالها الكاتب بإظهار موقفه ووجهة نظره من خلال تدفق الأحداث وصياغتها في القصة ومن خلال الأفكار المتسلسلة فيها؛ إذ اشتملت على أفكار داخلية عبر تصرفات وأفعال الشخصية ضمن النص، وهو ما يسمى بالمونولوج الداخلي الذي يعدُّ طريقة تصوِّر المشاعر والأفكار التي تتدفق في عقل الكاتب مثلما ورد في النص "نهر الموت" :

تملكتني الدهشة أحدث نفسي: "تفتخر كل دولة بالسيطرة الكاملة على شريطها الحدودي مع جارتها؛ لمنع التسلل الإرهابي والتهريب! متى أنتقل بين كل دول العالم دون قيود؟ إلى متى يظل السفر إلى دولة مجاورة -نتشارك معها في اللغة والتاريخ بل في كل شيء- اتهامًا؟! ماذا يحدث إن حاولت السفر إلى أمريكا إذًا؟!"

والأمر ذاته عندما روى ما قاله عبدالتواب:

أدهشني حين رفع بصره إلى السماء قائلًا: "أيُفعل هذا بي وأنا رجل مسنٌ مريض؟! هل هذا رد الجميل يا ولدي؟" متى تصير كل دول العالم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد؟ متى أرى لافتة "هنا تنتهي الحدود المصرية" وفي خلفيتها "مرحبًا بكم في الحدود الليبية" ولا تفصل بين الجارتين سوى لافتة أو علامة؟".

أوضح الكاتب هنا صراحة رغبته في حدوث الوحدة العربية والإفريقية راجيًا الوصول إلى إتحاد عربي إفريقي لا تمزقه الحدود ولا تفرقه النعرات للتأكيد على وحدة المصير.