الأربعاء 1 مايو 2024

من تلقف ذاك الحجر؟

مقالات5-1-2022 | 21:07

يوجد بكل أمة العديد من السلطات التي تهيمن علي مفاصل الحياة المادية والروحية بها، ويمكننا اكتشاف ثلاث سلطات رئيسية مهيمنة في وضعنا الحالي.

الأولي سلطة كلية يمكن أن نطلق عليها "سلطة الدولة" بما تشمله من سلطات جزئية كالسلطات السياسية والتشريعية والقضائية، والثانية هي "السلطة الدينية" سواء كانت ممثلة في المؤسسات الرسمية كالأزهر والكنيسة أو حتي خارج الشكل الرسمي للدولة ممثلة في الجماعات والأحزاب الدينية والتي لها تأثير كبير علي حياة وأفكار الناس، أما السلطة الثالثة فهي ما يمكن تسميته "بالسلطة الثقافية" ( الفكرية والمعرفية والعلمية) ممثلة بوزارة الثقافة والجامعات والمجتمع المدنى والنخب المختلفة.

الطبيعي أن تتناغم تلك السلطات الثلاث (الدولة، الدين، الثقافة) لتكوين مجتمع راشد عاقل متطور، وبما أننا جميعًا متيقنون من تخلفنا عن ركب العلم والحضارة فلابد لنا من حل حتي نستطيع أن ننهض كما نتمنى.

ضربة البداية لابد وأن تكون من داخل الدولة ذاتها، فلا يمكن لمشروع نهضوي حضاري كبير أن يمر من خارج الدولة، بل لابد للدولة أن تطرحه وتتبناه وترعاه.

وبالفعل هنا في مصر قام سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بدعوة الجميع لتجديد الخطاب الديني كنواة أولية لحركة نهضوية شاملة مبتغاة.

لقد ألقي سيادته حجرًا ضخمًا في المياة الراكدة بغية تحريكها نحو الأفضل والأصلح، لكن من تلقف ذاك الحجر؟

كان من المفترض أن تستغل الفرصة السلطتان الدينية والثقافية، والبدء في وضع خطوط عريضة للعمل عليها بناء علي ما توجه به السيد الرئيس، لكن هل هذا حدث؟

 

إن السلطة الدينية الرسمية وغير الرسمية اتضح أنها لا تريد تفعيل مشروع تجديد الخطاب الديني، ولكن لماذا؟ لأنها تعاملت مع المشروع بمبدأ المكسب والخسارة، فاعتقدت أنها ستخسر الكثير من سلطاتها وسلطانها وتأثيرها علي المجتمع إن هي سارت مع ركب الدولة في مشروع التجديد، وهو منهج براجماتي نفعي لا ينظر للمقاصد الكلية بل يعتقد في النظرة الضيقة للمصالح الشخصية.

أما السلطة الثقافية فحدث ولا حرج، مجموعات قليلة العدد ضعيفة التأثير منزوعة الدسم، لا تسمن ولا تغني من جوع، متفرقة متشرذمة يحارب بعضها بعضًا، إننا منكوبون في نخبتنا يا سادة، بالتأكيد يمكنني تفهم الظروف التي أدت إلي ذلك وليست كلها بالطبع واقعة علي المثقفين أنفسهم بل يمكن ردها لواقع اجتماعي وسياسي وعلمي راهن وماضى من الصعوبة بما كان تجاوزه.

إذن، فقد عدنا لنقطة الصفر ورجعنا لضربة البداية من الدولة بل من سيادة الرئيس ذاته والتي لا أري حلًا لتفعيل ذلك المشروع الذي نحلم به كبداية لتطور مصرنا الجديدة ألا وهو مشروع تجديد الخطاب الديني سوي أن تتبناه الدولة بنفسها ويرعاه السيد الرئيس شخصيًا بإجبار ( نعم بإجبار) السلطتين الدينية والثقافية بالجلوس معًا علي طاولة واحدة مع ممثلي الدولة المصرية المعنيين والاشتغال بكل جد علي هذا المشروع العظيم الذي لا أري أملًا يمكننا النفاذ منه إلي حضارة ناهضة متطورة سواه كلبنة أولي يمكن العبور من خلالها للمستقبل المأمول.

وإذا وصلنا لهذا الاجتماع الإجباري يمكننا حينها تمثل بعض الأوراق البحثية لتكون نواة للمناقشات والحوار، وهى أوراق متعددة ومتضاربة، يمكننى أن أرشح إحداها لتكون نقطة الانطلاق لمشروع تجديد الخطاب الدينى وهى البحث الشهير الذى قدمه د. نصر حامد أبو زيد في كتابه "نقد الخطاب الدينى"، والذى تضمن بكل حياد وموضوعية المشاكل الحقيقية التى يعانى منها الخطاب الدينى وشملها بخمسة نقاط:

التوحيد بين الفكر والدين وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع.

رد كل الظواهر إلى مبدأ أو علة واحدة.

تحويل النصوص التراثية إلى نصوص أولية لها قداسة النصوص الإلهية.

امتلاك اليقين القطعى ورفض الاختلاف والمحاورة.

إهدار البعد التاريخى وتجاهله.

هذه هي آليات الخطاب الدينى المستخدمة حاليًا والتي تعوق بناء أي مجتمع ينشد التطور والتقدم، ولذلك فالعمل على فهم تلك الآليات وتفكيكها وإعادة بناءها بما يخدم متطلبات العصر الحالي سيكون بمثابة عمل ثورى حقيقى يمكننا من خلاله عبور النفق المظلم الذى طال واستطال حتى كدنا نعتاد ظلامه، وسنخرج من عنق الزجاجة والتي كدنا نختنق بطول مكوثنا بداخله.

Dr.Randa
Dr.Radwa