تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية، ومنها شارع هارون الرشيد.
هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، من نسل علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، وُلد في مدينة الري عام 149هـ/766م. تربى الرشيد مع أبناء الأمراء والقادة في الدولة العباسية، وتلقى تربيته وتعليمه على يد علماء كبار، أبرزهم النحوي المعروف علي بن حمزة الأسدي "الكسائي".
تولى والده المهدي الخلافة عام 158هـ، وحرص على تدريب ابنه على فنون الفروسية والرمي والقتال، وكان الرشيد أول خليفة لعب الشطرنج. وقد أظهر منذ صغره براعة عسكرية، فعينه والده قائدًا للجيش في سن الخامسة عشرة، وقاد حملة ناجحة على أذربيجان وأرمينية، كما انتصر على الدولة البيزنطية في عهد الإمبراطورة إيرين، وتم الاتفاق على دفع جزية سنوية وعقد هدنة لثلاث سنوات.
بعد وفاة أخيه موسى الهادي، بويع الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة 14 ربيع الأول 170هـ/14 سبتمبر 786م، وكان عمره حينها 22 عامًا. ارتقت العلوم في عهده، واستشار والدته الخيزران في شؤون الدولة، ورزق بابنه محمد الأمين في يوم خلافته من زوجته زبيدة.
إنجازاته وأعماله:
أسس بيت الحكمة في بغداد، وزوده بالكتب والمؤلفات من مختلف أنحاء العالم، وبدأت أولى ترجمات الكتب العلمية، أبرزها كتاب "الأصول" لإقليدس.
شهدت العلوم تطورًا كبيرًا، خصوصًا في الفلك والفيزياء، وازدهرت صناعة الورق والوراقين، حتى أصبح ورق بغداد محل تقدير عالمي.
بنى المساجد والقصور الفخمة، وأدخل القناديل لإضاءة الطرقات والمساجد، وأنشأ جسورًا وقناطر وحفر الترع، وأسس ديوانًا للإشراف على المشاريع العامة.
شجع التبادل التجاري بين ولايات الدولة وأنشأ مدينة الواقفة قرب الرقة كمقر صيفي للحكم.
أسس مستشفى الرشيد في بغداد، والذي كان من أكبر مستشفيات عصره، وعُرف بتوفير أفضل الأطباء.
واجه الفتن الداخلية، أبرزها فتنة الخوارج، وأنهى نفوذ أسرة البرامكة الذين زاد نفوذهم في عهده.
سياسته الخارجية:
واجه الإمبراطور البيزنطي نقفور، وفرض عليه دفع الجزية بعد حملة عسكرية ناجحة.
أقام علاقات طيبة مع شارلمان، إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، وتبادلا السفارات والهدايا، بما في ذلك الساعة المائية الرنانة، التي أثارت إعجاب الرهبان في أوروبا.
توفي هارون الرشيد في طوس عام 193هـ/809م أثناء توجهه لقمع ثورة في خراسان، تاركًا إرثًا غنيًا من الإنجازات العسكرية والعلمية والثقافية، ليظل أحد أبرز حكام العصر الذهبي للدولة العباسية.