تحقيق: أشرف التعلبى - محمود أيوب
أكد خبراء سياسيون أن قرارات الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، صائبة ومتوافقة مع خطوات المملكة نحو التطور، فالسياسة الخارجية للسعودية بحاجة إلى دماء شبابية خلال الفترة المقبلة، لافتين إلى أن اختيار محمد بن سلمان يعنى أن السلطة تنتقل من جيل الآباء المؤسسين “أسرة آل سعود” إلى جيل الأحفاد.. وهذا أول انتقال حقيقى للسلطة.
قرارات الملك سلمان حملت فى طياتها العديد من التغييرات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.. وهذه التغييرات اعتبرها البعض نقطة هامة وفارقة فى تاريخ المملكة العربية السعودية، ووضعت رؤية واضحة لسيناريوهات الحكم فى المملكة.
من جانبه، قال الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن القرارات التى أصدرها الملك سلمان كانت متوقعة وغير الصحيح أنها مفاجئة كما يُشير البعض لكثير من الاعتبارات، أولها التصعيد اللافت لمحمد بن سلمان فى خلال العامين والنصف الماضيين فقد صعد إلى سدة الحكم ومنه إلى منصب ولاية العهد، الأمر الآخر أنه كان هناك تركيز على أولويات الحكم الجديد والتى بدأت باستراتيجية ٢٠٣٠ والتى كانت أهم أوراقه أمام الرأى العام السعودى والأسرة الحاكمة.
مضيفاً: أن هذه الاستراتيجية واعدة وتحيل السعودية من دولة منتجة للنفط إلى دولة صناعية بمعنى الكلمة، ليس هذا فقط؛ بل إنها تعمل على تحديث أنماط الحكم فى السعودية إدارياً وتنموياً واستثماريا، والأهم من ذلك فاختيار محمد بن سلمان يعنى أن السلطة تنتقل من جيل الآباء المؤسسين “أسرة آل سعود” إلى جيل الأحفاد وهذا أول انتقال حقيقى للسلطة.
“فهمي” أضاف أن هذه التغييرات كان منها تغييرات شابة كثيرة، وهذا يشير إلى تجديد دماء نظام الحكم فى المملكة العربية السعودية بصورة كبيرة، والأهم من ذلك أن هذه القرارات العاجلة تمت بسلاسة بمعنى أن من وافقوا على هذه التغييرات كانوا أعدادا كبيرة باستثناء اثنين لم يدلوا بأصواتهم.
متوقعاً بعد هذه التغييرات أن تفتح الملفات الإقليمية التى تعاملت بها السعودية فى الفترة القادمة منها على سبيل المثال، ملف اليمن، وكذلك الدور السعودى فى سوريا، بالإضافة إلى مستقبل مجلس التعاون الخليجي، لكن أعتقد أن الترحيب الكبير بتولى محمد بن سلمان إشارة جيدة وقد تعيد السعودية فى ترتيب أولوياتها وحساباتها بما يتماشى والمرحلة المقبلة.
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية أشار إلى أن هذه التغييرات من المتوقع أن تعمق العلاقات المصرية السعودية خلال الفترة المقبلة، خاصة أن ولى العهد محمد بن سلمان يرى أن مصر دولة كبيرة ومحورية، ومن المهم للجانب السعودى أن يتوافق معها، وبالتالى هناك استبشار بتطوير العلاقات بين مصر والسعودية مع تولى محمد بن سلمان، خاصة أن الملك سلمان جاء إلى القاهرة أكثر من مرة، والتقى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى أكثر من مرة.
من جهته، يرى خالد المجرشى الإعلامى السعودى والمحلل السياسي، أن هذه القرارات تكملة لما أصُدر من قرارات فى بداية شهر رمضان، معتبراً أنها بمثابة تغيير فى هيكلة الدولة السعودية، وهذا التغيير سوف يتواكب مع رؤية السعودية فى استراتيجية ٢٠٣٠.
“المجرشي” قال إن التغييرات التى شهدت تولى عدد كبير من القيادات الشبابية المتطلع لخدمة الوطن فمنهم قيادات لا تتجاوز الـ٥٠ عاماً لكون أن ٨٠٪ من الشعب السعودى الآن هم العناصر الشبابية، وهذا ما يدل أن التغييرات كانت صائبة ومتوافقة مع المملكة العربية السعودية نحو التطور.
مضيفاً أن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية كانت بحاجة إلى دماء شبابية ليتواكب مع لغة العصر الآن، والأمير محمد بن سلمان ولى العهد خير من يمثل الخارجية السعودية فى الوقت الحالي، مشدداً على أن جميع الملفات الخارجية سيكون الحسم فيها أسرع وتكون وتيرة العمل نحو الحلول السياسية لكافة الملفات المتأخرة والعالقة بسبب ظروف سياسية معينة.
وتابع بقوله: إنما السياسة الخارجية للملك محمد بن سلمان كانت لها رحلات موفقة جداً وآخرها رحلته إلى الرئيس دونالد ترامب بعد توليه الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت أول زيارة لترامب كانت للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى عقد ثلاث قمم تاريخية فى الرياض فى خلال ٤٨ ساعة، والتى أتوقع أن يكون لها تغييرات فى الشرق الأوسط من الناحية الإيجابية بشكل كبير خاصةً فى الملفات العالقة.
وأكد «المجريشي» أن هناك علاقة شخصية تربط بين ولى العهد الملك محمد بن سلمان والرئيس السيسي، وهى علاقة عمل؛ وزيارته أكثر من مرة غير المجدولة تدل على هذه العلاقة.
فى غضون ذلك، أشار الدكتور أحمد سيد أحمد الباحث فى العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن القرارات الأخيرة تمثل نقطة تحول مهمة فى المسار السياسى السعودي، وتعكس العديد من الدلالات أولها، أنها تقدم رؤية شبابية جديد لقيادة المملكة العربية السعودية، لتجديد السياسة السعودية، سواء على المسار الداخلى أو الخارجي، والدلالة الثانية أن هذه القرارات تمت بشكل سلس فى الانتقال بالسلطة بما يعنى ثبات واستقرار بنية النظام السعودى فى عملية انتقال الحكم، ووجود حالة من الإجماع سواء من جانب النخبة السعودية والعائلة الحاكمة، وأيضا من جانب هيئة كبار العلماء وعلماء السعودية، وتأييدهم لهذه الخطوة، وكذلك من جانب الشارع السعودى الذى كان مؤيدا بشكل كبير لهذه القرارات، خاصة إذا علمنا أن أكثر من ثلثى عدد سكان السعودية من الشباب دون الثلاثين عاما، وهذا يعكس الروح الجديدة للسياسة السعودية.
الباحث فى العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أضاف أن الأمر الثانى أن هذه التغييرات سوف تشكل تحولا مهما فى قيادة السياسة السعودية فى كل المجالات، سواء على المستوى الداخلى أو الخارجي.
لافتاً إلى أننا إذا بدأنا بالشأن الداخلى نحن نعرف أن الأمير محمد بن سلمان ولى العهد الجديد هو من يقود فكرة التطوير الاقتصاد السعودي، وهو من تبنى مشروع ورؤية ٢٠٣٠ والتى تقوم على فلسفة رئيسية، وهى تقليل اعتماد المملكة على النفط، خاصة فيما بعد نضوب النفط، وزيادة الموارد غير النفطية للدخل القومي، من خلال قيام مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، الخاصة بالخصخصة والدعم والضرائب وجذب استثمارات خارجية، وقام بشراكة واسعة لتحقيق هذه الرؤية، سواء مع أمريكا من خلال الاتفاقيات الاقتصادية الكبيرة التى تمت أثناء زيارة الرئيس الأمريكى للمملكة، والتى تقوم على فكرة الشراكة الاقتصادية والنفع الاقتصادى المتبادل، وتوطين التكنولوجيا الأمريكية وجذب الاستثمارات الغربية، وهذه الشراكة امتدت إلى أوربا وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان، والتى تعكس أن هناك توجها حقيقيا لتحديث بنية الاقتصاد السعودي.
موضحاً أما على المسار الأمنى والعسكري، فإن الأمير محمد بن سلمان هو من قاد التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن عام ٢٠١٥، بعد توليه وزيرا للدفاع، وهذا التحالف قام بمواجهة المد الإيراني، ومواجهة الحوثيين وقوات عبد الله صالح ضد الشرعية.
وأردف قائلاً: كان للأمير محمد بن سلمان دور قيادى فى المملكة العربية السعودية فى التحالف الإسلامي، والذى يضم ٤١ دولة، ويمثل هنا جبهة لمواجهة خطر الإرهاب، والدور الإقليمى للسعودية يعكس توجهات الأمير الجديد، وتوجهه نحو أن يكون للسعودية دور بارز فى ظل الخريطة العربية والخريطة الإقليمية.. فعلى مستوى السياسة الخارجية، الأمير محمد بن سلمان زار البيت الأبيض فى بداية هذا العام فى عهد الرئيس الأمريكى ترامب، وكان له حفاوة كبيرة فى استقباله، وزار روسيا منذ أسبوعين والتقى بالرئيس بوتين، ولديه زيارات فى كل دول العالم، وهذا يعكس السياسة الخارجية السعودية، التى تقوم على وجود شراكة وانفتاح، على محاولة بناء شراكات سياسية واقتصادية وأمنية مع الدول الكبرى والانفتاح العربى والتنسيق المصرى السعودي، باعتبار أن الدولتين هما الأكثر صلابة والقادرتان على مواجهة التحديات فى ظل التدهور والانهيار الذى تواجهه الدول العربية، واندلاع الحرائق فى العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا.
وقال «سيد» أن هذا يعكس التعاون المصري، وتفعيله فى مواجهة خطر الإرهاب، خاصة عندما نربطه بالخطوة الأخيرة بين المملكة السعودية ومصر فى فرض المقاطعة على قطر لدعمها الجماعات الإرهابية منها الإخوان وغيرها من الحركات الإرهابية، وهذا يعكس أن هناك توجها ورؤية جديدة فى السياسة السعودية تقوم على بناء شراكات مع الدول الإقليمية الكبيرة فى المنطقة مثل مصر، وأيضا شراكات فى الغرب معأمريكا بعد القمة الإسلامية.
موضحاً: الأمير محمد بن سلمان سوف يمثل امتدادا أو تدعيما للسياسة التى يتبناها العاهل السعودى الملك سلمان فى ظل التقارب بين الرئيس السيسى والملك سلمان، والتنسيق بينهما فى العديد من الملفات خاصة ملف مكافحة الإرهاب، وأيضا مواجهة التغول الإيراني، خاصة بعد إنهاء قضية الجزيرتين، والتوجه نحو بناء شراكة إستراتيجية بين البلدين، لافتاً إلى القرارات واختيار ولى العهد سوف تنعكس على علاقة مصر والسعودية القوية، وأن البلدين يستطيعان من خلال التعاون المشترك أن يساهما فى تحقيق الاستقرار الإقليمى ومواجهة خطر الإرهاب، والمساهمة فى حل الأزمات المندلعة فى سوريا والعراق، ومواجهة النفوذ والتهديد الإيرانى للمنطقة العربية.