الجمعة 27 سبتمبر 2024

عبدالناصر والإخوان حقائق التاريخ.. وأخطاء الدراما

28-6-2017 | 18:52

بقلم –  محمد الشافعى

لغط كثير وكبير أثاره الكاتب وحيد حامد .. من خلال مسلسله الجماعة.. عن علاقة جمال عبدالناصر بجماعة الإخوان المسلمين.. وتأكيده على عضوية عبدالناصر بالجماعة وقسمه على السيف والمصحف.. ورغم وجهات النظر الكثيرة - المؤيدة والمعارضة - التى تناولت هذه القضية.. إلا أن الأمر يحتاج إلى تناولها من خلال (رؤية متكاملة) .. نحاول فيما يلى أن نحدد أهم ملامحها :

أولا : المعلومة الأهم التى تغافل عنها المؤيدون والمعارضون.. تكمن فى أن عبدالناصر قرر البدء فى تشكيل تنظيم الضباط الأحرار فى عام ١٩٤٢ .. وتحديدا بعد حادث فبراير ١٩٤٢ .. عندما تعرض الملك فاروق إلى إهانة بالغة على يد السفير الإنجليزى الذى هدده بخلعه من الحكم إذا لم يوافق على وجود حكومة وفدية.. والغريب أن حزب الوفد وافق على أن يذهب للحكم على ظهر دبابة إنجليزية .. وأمام هذه الإهانة والمهانة قرر عبدالناصر وكان شاباً فى الرابعة والعشرين من العمر .. البحث عن زملاء يشاركونه الرغبة فى القضاء على الاحتلال الإنجليزى وفساد الحياة السياسية فى مصر .

ثانياً : رغم أن عبدالناصر ينتمى إلى الجزء الأخير من الطبقة المتوسطة.. إلا أنه كان معجونا بالسياسة .. ولذلك قرر البحث عن (ظهير سياسى) يرتكن إليه تنظيم الضباط الأحرار إذا ما قرر التحرك لتحقيق أهدافه .. وكانت السياسة فى مصر موزعة بين أربعة تيارات هى الوفد حزب الأغلبية والحركة الشيوعية ممثلة فى «حدتو».. وحزب مصر الفتاة وزعيمه أحمد حسين.. والإسلام السياسى ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين.

ثالثا: قرر عبدالناصر أن يتعرف على هذه التيارات السياسية من داخلها.. فالتحق بها جميعاً.. ومن السهل على أى متابع لمسيرة الزعيم أن يكتشف الجزء الذى تأثر به من كل تيار من هذه التيارات الأربعة .. وأن يكتشف أيضاً كيف أثرت هذه التيارات على مسار ثورة يوليو ٥٢ .

رابعاً : تأثر جمال عبدالناصر بوطنية أحمد حسين زعيم مصر الفتاة .. وبثقافة وعقلانية الخطاب المنحاز للغلابة والبسطاء عند الحركة الشيوعية.. كما تأثر بالدعوات الإصلاحية التى أطلقها الدكتور محمد مندور قائد الكتلة الوفدية.. تلك الكتلة شديدة اليسارية التى أوجدها مصطفى النحاس داخل حزب الوفد الذى يضم غلاة الإقطاعيين والرأسماليين.. وذلك لكى يقطع الطريق على الحركة الشيوعية التى استمالت عقول الكثير من الشباب .. وبعد سنوات قليلة جدا لم يحتمل الوفد وجود مثل هذه الكتلة بين صفوفه فتم إلغاؤها.

خامسا: عندما نناقش علاقة عبدالناصر بالإخوان .. يصبح المهم ماذا رأى وكيف تأثر.. وليس هل أقسم يمين الولاء أم لا ؟.. وقد اعترف عبدالناصر فى أحاديث كثيرة بعلاقته بالإخوان والوفد والحركة الشيوعية .. ومصر الفتاة.. حيث كان هدفه كيفية الاستفادة من هذه التيارات.. وتحديد ما إذا كانت تصلح للاعتماد عليها عندما يحين وقت انطلاق الثورة أم لا ؟.. وقد رأى عبدالناصر فى الإخوان تنظيماً مسلحاً يسعى إلى السلطة.. وتربطه علاقات مريبة بكثير من دوائر صنع القرار والمخابرات سواء الأجنبية أو المصرية.

سادسا: أعتقد أن شخصية حسن البنا هى أكثر ما لفت نظر عبدالناصر فى جماعة الإخوان.. حيث اتسم الرجل بالعديد من الصفات اللافتة للنظر.. مثل مقدرته على الخطابة.. والتأثير على مستمعيه وإقناعهم بما يريد وقدرته على تجنيد الأتباع وحشدهم.. وإلزامهم بالسمع والطاعة.. ومثل هذه الصفات لابد وأن تلفت نظر أى ثائر وأى سياسى.

سابعا: يؤكد البعض عضوية عبدالناصر بالإخوان.. استناداً إلى أنه لم يحل الجماعة عندما حل الأحزاب.. بل وعرض عليها ثلاث وزارات.. وهذه نظرة سطحية غير متعمقة.. فعبدالناصر كان على يقين بفساد الحياة السياسية منذ حادث فبراير ١٩٤٢ بعد أن تأكد أن الأحزاب المصرية نصفها ينتمى إلى سراى عابدين (الملك فاروق) .. ونصفها ينتمى إلى السفارة البريطانية (السفير البريطانى) .. فكان لابد من حل هذه الأحزاب.. وقد استفاد عبدالناصر بمعرفته بدهاليز وأروقة جماعة الإخوان.. فأجل حل الجماعة لأنها فصيل مسلح إذا ما تم الاصطدام معه فى بداية الثورة ستكون الخسائر كبيرة ومحققة.. كما كان عبدالناصر على يقين بأن هذه الجماعة الباحثة عن السلطة.. لن تصبر كثيرا وسوف تسعى هى إلى الصدام.. لتلف الحبل حول كيانها .. وقد حدث هذا بالفعل .

ثامنا: سعى الإخوان إلى اغتيال جمال عبدالناصر فى عام ١٩٥٤ عندما كان رئيساً للوزراء.. وذلك بعد نجاحهم فى تجنيد محمد نجيب.. والاتفاق معه على أن يتركوا له كرسى الرئاسة مقابل تحكمهم فى كل مناحى السلطة فى مصر.. ولو كان عبدالناصر إخوانياً حقيقياً كما يزعم البعض .. فلماذا اصطدم بهم بعد أشهر قليلة من ثورة يوليو .. رغم أنهم لم يظهروا أى اعتراض على وجوده على رأس السلطة بعد قيام الثورة؟ .. المهم أن محاولة اغتيال عبدالناصر فى ١٩٥٤ .. كانت بداية النهاية لشرعية وجود الجماعة.. ولشرعية وجود محمد نجيب .

تاسعا: لو كان الأمر بين عبدالناصر والإخوان.. مجرد صراع على السلطة بين وجهتى نظر من داخل الجماعة .. فلماذا انتهج عبدالناصر نهجاً يخالف تماما كل توجهات الإخوان.. حيث قرر القضاء عليهم ليس بالأمن كما يزعم بعض السطحيين.. ولكن من خلال قوة قتل متعددة الزوايا.. أهمها شرعية الإنجاز من خلال الإنجازات المنحازة للغالبية العظمى من المصريين.. ثم العدالة الاجتماعية ليقضى تماما على (كيس الإخوان) الذى يحوى بعض السكر والأرز والزيت.. ثم باستراتيجية واضحة المعالم للثقافة والتعليم.. والإخوان تحديدا على عداء تام مع كل ما يمت للثقافة.. لأنها تعمل على تنمية العقول واتساع المدارك بما يتنافى مع مبدأ السمع والطاعة .. وأخيرا انحياز عبدالناصر إلى استنارة الدين الإسلامى .. وتقديمه للعديد من الإنجازات لخدمة الدين.. لعل أهمها التوسع فى إنشاء المساجد - وإنشاء إذاعة القرآن الكريم.. وإصدار موسوعة الفقه الإسلامى .. الخ.

عاشرا: تكمن أهم أخطاء الكاتب وحيد حامد فى مسلسله الجماعة .. فى تقديمه لذلك الدور البارز وغير الحقيقى للإخوانى سيد قطب فى التأثير على مسار ثورة يوليو.. وعلى جمال عبدالناصر شخصيا .. والأهم تقديم عبدالناصر بصورة مخالفة لما هو موجود فى مئات الكتب التى صدرت عن الزعيم بكل لغات العالم.. والتى أكدت على قدراته الكبيرة فى القيادة والحسم واتخاذ القرار.. إضافة إلى (الكاريزما) الخاصة التى كان يتمتع بها .. بينما يقدمه وحيد حامد فى كثير من المواقف متردداً ومنتظراً لتوجيهات الآخرين سواء سيد قطب أو زملاءه فى التنظيم.

أحد عشر: فى نهاية هذه الإطلالة السريعة على هذه القضية الشائكة .. نؤكد على مجموعة من الحقائق المهمة أولها أن عبدالناصر قد أصر على أن يكون تنظيم الضباط الأحرار منتمياً إلى الوطن بمعناه المطلق.. ورافضاً وجود أى اتجاهات سياسية داخل التنظيم.. مما دعا الإخوانى عبدالمنعم عبدالروؤف إلى ترك التنظيم قبل قيام الثورة .. والأهم أن كلا من عبدالناصر والسادات قد تعاملا عن قرب مع الإخوان .. فاستفاد عبدالناصر من هذا التعامل.. واستطاع كسر شوكتهم.. بينما تعاون معهم السادات وتركهم يخرجون كل الأفاعى والثعابين حتى قتلوه فى النهاية.. ليصبح النموذج الذى قدمه عبدالناصر فى التعامل مع الإسلام السياسى.. وخاصة جماعة الإخوان هو النموذج الأمثل.. والذى يؤكد على حتمية وجود الإنجاز المنحاز للشعب.. مع حتمية وجود العدالة الاجتماعية.. ووضع استراتيجية واضحة المعالم للثقافة .. والانحياز لاستنارة الإسلام.

والأهم أن ذلك الارتباك فى الرؤية التى قدمها الكاتب وحيد حامد يعود إلى اعتماده على مرجعية إخوانية للدكتور حمادة حسنى أستاذ التاريخ بجامعة قناة السويس.. وكان عليه النظر فى المرجعيات الأخرى وهى كثيرة وأهمها د. عاصم الدسوقى .ود. جمال شقرة والراحل د. رؤوف عباس وغيرهم.