السبت 1 يونيو 2024

«إيجيبشن هاند ميد كليم».. حكاية شاب أصبح من أشهر صناع «كليم يدوي» (صور)

معرض ديارنا بمنتدى شباب العالم

تحقيقات13-1-2022 | 00:47

دار الهلال

نشأ عصام في عائلة تعمل في صناعة الكليم، مع أن والده عاش طوال حياته في الدرب الأحمر، بمهنة تصليح الساعات حتى أصبح لديه ورشة متخصصة، لكن عم عصام علمه أساسيات مهنة غزل الكليم على النول اليدوي، حتى أصبح الآن مسوقا لإنتاج أنواله الخاصة المتعددة.

تخرج عصام في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ثم درس إدارة المشروعات، والتحق بالعمل في أحد برامج تنمية المشروعات، وهو ما أكسبه خبرة كبيرة، فقرر الاتجاه للعمل في مشروع خاص في المجال الذي يحبه، وترك الوظيفة ذات الراتب الثابت، وشجعته زوجته، في الوقت الذي حذره فيه الأقارب من المغامرة، خاصة بعد أن رزق بأول أطفاله.

بفخر يتحدث عصام صاحب الـ34 عامًا، عن حرفة أجداده التي فضّلها على الوظيفة، وأصبح صاحب ورشة كليم يدوي بمدينة "فوة" المشهورة منذ القدم بصناعة الكليم المصري.

"منذ سنوات بعيدة كان يعمل في فوة وحدها 2500 نول يدوي، ثم حدث ركود في صناعة النول اليدوي، وتوقف العمل في بعض الأنوال، وقل أصحاب الحرفة بعد أن قل عدد المتعلمين الجدد لها؛ بعد اكتساح المصانع الآلية للكليم والسجاد، لأنها الأسرع والأرخص والمتعددة الأشكال.

لكن في السنوات الأخيرة بدأ سكان المدينة يعودون للإقبال على تعلم حرفة الغزل على النول، بعد زياد طلب الأسواق على الكليم اليدوي، المتميز برسوماته وأشكاله، الأمر الذي دفع العديد من أبناء فوة لفتح مشروعاتهم ومصانعهم الخاصة".

نول الكليم أفقيا، بخلاف نول السجاد الرأسي، ويبدأ العمل على نول الكليم بتثبت الخيوط "السداة" أفقيا وكأنها أوتار العزف، وللتحكم في الخيوط تُشَد إلى النير وهو العصاة الأفقية ذات الأسنان المتصلة بالدواسة، وتتحكم فيها لترفع وتهبط، في أثناء ارتفاع النير تنفرج ويتمكن الحرفي من إدخال الخيوط بينها وفق الشكل الذي يرغبه، وتظهر الحرفية في تدرج الأشكال، خاصة الدوائر، ويرتفع سعر الكليم كلما كان أرق وأنحف وكثير التفاصيل.

كما يحكي عصام: "في موسم عيد الأضحى تقص "تجز" الأصواف من الخراف، ثم يذهب الصوف إلى المغازل لتخرج الخيوط بألوانها الطبيعية، لأصواف الخراف ستة ألوان طبيعية دون صبغات وهي: الأبيض الناصع، والأبيض الكدر، والبني الفاتح، والبني الغامق المائل للسواد، والأصفر الفاتح، والأصفر الغامق".

والكليم المغزول من صوف غير مصبوغ هو الأكثر طلبًا في الخارج، لأنه صديق للبيئة، بالإضافة لكونه يدويًا وعالي الجودة، لذا ينافس كليم فوة نظيره من الكليم المغربي والهندي والإيراني والتركي.

وبشكل عام، الصبغات أنواع: منها الطبيعي وغير الطبيعي، وما يستخدم في المغازل هو الأخير لأن الطبيعي أغلى، ويوجد نوعان من إنتاج الكليم: "الشعبي، واللوكس"، الشعبي يستخدم صبغة رخيصة، أما اللوكس فيستخدم فيه الصبغة الطبيعية وبالطبع أعلى سعرًا.

"تختلف أسعار الخامات المستخدمة في صناعة الكليم حسب الموسم، ويحدد تلك الأسعار التجار الكبار، "بسبب اختلاف أسعار الخامات من الصيف للشتاء لا تكون محددة، لكنها لا تخرج عن نطاق معين بكل أنواعها: الصوف العادي، والصوف السميك، والمصبوغ العادي، والمصبوغ اللوكس، ويتراوح سعر الكيلو من 35-100 جنيه، الأصواف ليست المادة الخام الوحيدة المستخدمة في الكليم، يمكن أن تستخدم القطيفة، لكن لأننا نستخدم ما يتبقى من المصانع لا تكون مستخدمة بشكل مستمر، ويتراوح سعره بين 35-40 جنيهًا للبكرة".

القطن والكتان أيضًا يستخدمان في صناعة الكليم في فوة، "يصل سعر الكتان لخمسة وسبعين جنيهاً، أما القطن فنوعان، مصري وصيني، وسعره من ثمانين لمائة جنيه، والقطن المصري هو الأفضل. الصوف المحلي ليس سيئًا، لكن الصوف المستورد، خاصة النيوزلندي، أنعم وأفضل، لكن أسعاره ارتفعت من 50-56 جنيهًا، لتصل إلى 170-190 جنيهًا، وأحيانًا يكون غير متاح".

يشتري عصام احتياجات أنواله من خامات القطن والقطيفة والكتان وغيرها من مصانع في القاهرة، مثلًا القطيفة من مصنع في التجمع، والأقطان من مصانع في مدينة العاشر من رمضان، "طبعا نشتري الخامات بالجملة، بالطن، وتكون عبارة عن خيوط أو غزول".

يشرح عصام الطريقة التى يتبعها في صباغة خيوط الصوف يدويا، "نصبغ لون لون، نشتري الخيوط من المصانع فتلة 3000، ويكون لونها أبيض، نغطسها في وعاء باستخدام صبغات طبيعية، مثل لون مغلي الكركدية أو مغلي النعناع، لكن هذه الصبغات درجة ثباتها أقل من 50% ولهذا لا ننصح بغسلها، فقط دراي كلين أو فرشاة".

وهناك صبغة حرارية تصل نسبة ثباتها من 95% إلى 99%، صبغة بودرة موجودة في القاهرة وفوة، "نذيبها في اللون وننزل القطعة فيها في درجة غليان من 80 - 90 درجة، أقسم الخيوط حسب الرسمة، كيلو ونصف لرسم النخل مثلا، الأرضية يمكن أن تكون بيج بلون الصوف الطبيعي، أو بني بلون الصوف الطبيعي أيضا حسب ألوان الخراف".

تعلم عصام الرسم خلال تطوعه منذ الطفولة في أنشطة حديقة الأزهر "مؤسسة أغاخان مصر للتنمية" وتفوق فيه، والآن يرسم الكثير من التصميمات التى يعطيها للحرفيين ليغزلوها على أنوال الكليم، بالإضافة إلى تصميمات الرسامين المحترفين.

وأخيرًا تأتي مرحلة التجهيز، قص الزيادات وتعقيد خواتيم الخيوط، لتكون جاهزة للمستهلك.

في النهاية يكون سعر المنتج الأخير من 100-750 جنيهًا للمتر، بحسب نوع الخامة والوقت المستغرق للعمل ومهارة الصنايعي.

قبل عام، لم يكن يتجاوز إنتاج أنوال عصام عتبة 100 ألف جنيه في العام، يمكنه تسويقها كلها تقريبًا في شهر، إذا شارك في معرض مثل ديارنا بالقاهرة، فلم تكن تعمل سوى نصف أنواله، لكن مع زيادة مشاركته في معارض ديارنا، وتسويقه للكثير من إنتاجه، يتوقع مع عمل كل أنواله أن يصل إنتاجه إلى 200 ألف أو حتى ربع مليون جنيه في العام".

يؤكد عصام أن جميع منتجات كليم فوة تلقى إقبالًا واسعًا، وإن كانت الموضة تحكم أحيانًا برواج ألوان وتصميمات معينة "العام الماضي كان اللونان الكشمير والبستاج هما الأشهر، والعام الحالي الطلب على التصميمات الأبيض والأسود واللون الرمادي المخلوط بالبني، والطلب الأحدث على البيج والطوبي"، يجب أن نطور الألوان والتصميمات كل عام حتى لا تموت منتجاتنا في السوق".

بدأ عصام مشروعه بنول ثم اشترى الثاني فالثالث ليعمل عليها محترفون في غزل الكليم اليدوي حتى أصبح لديه ستة أنوال خلال عامين، وبعد 6 سنوات وصل المشروع إلى 120 نولًا، تفتح بيوت 120 أسرة، وأصبح لأنوال عصام "براند" مصري باسم "إيجيبشن هاند ميد كليم"، ويتفرغ الآن لإدارة المشروع بجانب انشغاله بإعداد دراسته لنيل درجة الدكتوراه حول "إدارة الأزمات في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر".

مساحة ورشة عصام التي يعمل فيها 120 عاملًا منتظمًا، بعدما كانوا 60 عاملًا موسميًا، 120 مترًا مقسمة على طابقين، كل طابق مساحته 60 مترًا، إلى جانب قاعة مؤجرة على مساحة 80 مترًا، لتستوعب 30 نولًا، وقاعة أخرى فوق السطوح للمصممين، الذين يفضلون العمل في الهواء الطلق.

"مش كل فناني الورشة بيشتغلوا على النول، واحد بيبكر الشغل يعني بيحول خيوط الصوف التى نشتريها إلى بكر، يمكن استخدامه بطريقة لا تهدر الخيط، وكل 4 أنوال تحتاج إلى مختص واحد يجهز لهم هذه الخيوط، ولكل 8 أنوال هناك متخصص في صباغة الصوف وتقفيل الكليم، يعني ربط الشراشيب وقص الزوائد وتنظيف المكان، هذا غير مسئول المخزن الذى يلبي حاجة كل نول من خيوط الصوف ويسجل الاستهلاك والمتبقى والناقص وهكذا، منظومة عمل".

ليصل عصام لهذه النتيجة يبذل مجهودًا كبيرًا، خاصة خلال أول عامين كما يحكي "تركت الوظيفة وفضلت العمل في الكليم وبدأت بتسويق منتجات الحرفيين، المشروع الخاص يدر ربحًا أكبر، ومريح أكثر من الوظائف، لكن ضغط العمل بالمشروع خلال أول عامين كان مرهقًا للغاية، للدرجة التي لم أكن أنام في بعض الأيام أكثر من ثلاث ساعات، أتابع صفحة فيسبوك لورشتي وأوصل الطلبيات بنفسي، كما أنني كنت مسئولًا عن أجرة العاملين معي".

ومن تجربته ينصح عصام من يريد البدء في مشروع خاص، بالتخطيط الجيد للمشروع، والتأكد من حاجة السوق إليه، واختيار فريق جيد للعمل معه، ومواصلة التعلم، والتطوير من نفسه لنجاح مشروعه، ومعرفة معلومات كثيرة عن المجال، وأن يكون مستعدًا لأن يعطي أغلب وقته ومجهوده للمشروع.

"أحرص على التواجد يوميا خلال أيام معرض ديارنا، رغم أنه يمكننى البقاء في الورشة وإرسال بعض زملائي للقيام بالمهمة، لكني أهتم بأن أراقب تعليقات العملاء وماذا يختارون، وماذا يفضلون، لألبي طلباتهم، فالتسويق هو أهم خطوات نجاح أي مشروع".

فريد ومتميز وعالي الجودة

يلاحظ عصام أن الزبون المصري أصبح يقدر الشغل اليدوي، لكنه "يشتري القطع الصغيرة التي لا تتجاوز 800 جنيه، وليس القطع الكبيرة التي يصل سعرها لآلاف، في السابق كانت الصناعات مثل الكليم تعتمد على البازارات التي تبيع للسياح كمنفذ تسويق، لكن المستهلك المصري أصبح يقبل على المنتج اليدوي ويعي أنه منتج فريد ومتميز وعالي الجودة في أثناء أزمة كورونا كان اعتمادنا الأساسي على الطلبات المحلية، كنا نعمل وننتج ونوصل المنتج للعميل".

يستخدم عصام صفحات الفيسبوك لتلقي الطلبات وعرض المنتجات، كما يشارك في المعارض ويزود محال تجارية، "بالنسبة للسوق الخارجي، فالكليم المصري مطلوب رغم وجود منافسين عدة مثل المغرب وإيران والهند وتركيا وجميعهم لديهم طاقة تصديرية كبيرة، لكن الكليم المصري يتفوق بنعومة صوفه، وسعره الأرخص".

لدى عصام رخصة تصدير ويحاول مواكبة طلبات كل دولة وفقًا للمعايير التي ترغبها، قبل كورونا، كنا نصدر كونتينر كل ستة أشهر، وهو كم كبير بالنسبة لعمل يدوي، كما تطلب منا مكاتب التصدير كميات من حين لآخر، وأشهر الدول المستوردة منا هي أمريكا، روسيا، كندا، ودول شرق أوروبا، وأستراليا في فترات.

يرى عصام أن أصحاب الحرف اليدوية التراثية يجدون دعمًا كبيرًا من الرئيس السيسي لإنتاجهم ولتسويقه، "ظهر واضحًا في جهود الدولة لتسويق إنتاجنا، وتشجيع جميع الصناعات اليدوية، ونتمنى أن يصل الدعم للتصدير والدعاية للمنتجات في الخارج".