الإثنين 13 مايو 2024

أنقذوا اليتيمات من ذئاب هتك الأعراض

مقالات14-1-2022 | 13:50

شهد المجتمع المصرى خلال الأيام الفائتة صدمة اجتماعية عنيفة، عندما تم الكشف عن جريمة قذرة شكلاً وموضوعاً، تتمثل فى الاعتداء الجنسى على القاصرات اليتيمات، فى دار من دور الأيتام بسلطة رجل أعمال تكفل ببناء تلك الدار والإنفاق عليها.

وقامت النيابة العامة بالقبض على المتهم وتوجيه الاتهامات له بعد تداول صور وفيديوهات على السوشيال ميديا تثبت تورط المذكور فى هذه الجريمة بصورة يشيب لها الولدان !

وبالطبع المتهم برئ حتى تثبت إدانته، ولكن فى مقالى هذا أتكلم عن الموضوع بشكل عام من منظور دينى ونفسى.

واليتيم هو من فقد أباه وهو صغير، ومن فقد أمه وهو صغير يسمى باللطيم، وكان العرب يقولون: هذه دُرّة يتيمة (يعنى مميزة ومنفردة).

ولقد شهد المجتمع المصرى فى الحِقب الأخيرة ظاهرة وجود اللقطاء مجهولى النسب، وظاهرة أطفال الشوارع، فضلاً عن عجز بعض الأسر الفقيرة عن رعاية أبنائهم نتيجة الفقر أو نتيجة الشقاقات الزوجية.

فكان هناك دوراً للرعاية وملاجئ للأيتام تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعى وفق لوائح وقوانين من المفترض تضمن حماية الطفل أو الطفلة على كل المستويات.

وقد أوصى القرآن الكريم بالأيتام فى 21 موضعاً تقريباً تدعونا هذه الآيات إلى "إصلاح اليتيم "، وعدم قهره والحفاظ على ماله وعرضه ومعاملته  كأخ أو ابن.. إلخ.

 

قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : 220]

 

ولاحظ هذا التوجيه الإلهى فى الآية الكريمة.. "إصلاح لهم خَيْرٌ "، "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، يعنى إصلاح اليتيم نفساً وعقلاً وروحاً وتعليماً وصحةً.. إلخ. 

وكأن الله تعالى يعلم طبيعة بعض فئات الناس الذين يظنون بامتلاكهم المال! قد امتلكوا الرقاب والأعراض فيستبيحون لأنفسهم إذلال الرقاب وهتك الأعراض!

فقال عز وجل: "وإن تخالطوهم فإخوانكم" يعنى هو أخوك أو هى أختك، وحاجتك إليه أكثر من حاجته إليك، فحاجته إليك مقصورة على المال والدعم، ولكن حاجتك إليه تعنى حاجتك إلى مغفرة الله رب العالمين، ومرافقة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة وفق الحديث الشريف: أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى.

 

ثم جاءت أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعلمنا الكثير والكثير بشأن إكرام اليتيم ودعمه على كل المستويات وخاصة المستوى النفسى !

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك.. ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك" (رواه الطبراني).

 

وفي الصحيحين البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ".

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، قال: "إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم"، (رواه أحمد والبيهقي).

 

وفى بداية سورة النساء، بدأت أحكام سورة النساء بالإحسان إلى اليتيمات، وإبطال ما كان شائعاً فى الجاهلية، حيث كان الرجل يكفل اليتيمة ومعها مالها، وعندما تكبر يتزوجها بسطوة ولايته عليها، وينهب مالها.

وهذا أشبه بظاهرة الاعتداء على اليتيمات فى دور الأيتام والملاجئ بسطوة الوظيفة أو رعاية الدار من قبل رجال الأعمال ! فكان النهى الإلهى عن ذلك وتجريمه، وقال للرجل الذى يريد الزواج باليتيمة.. لابد أن يكون الزواج كامل الأركان إيجاباً وقبولاً وصداقاً، وهى مثل بقية النساء فى الزواج.

قال تعالى : وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) سورة النساء.

وعلى جانب آخر يتحدث القرآن الكريم عن "مرض القلوب"، وعلاقته بالسلوك العدوانى فى انتهاك أعراض النساء خاصة، ومصطلح مرض القلب فى القرآن مقصوده المرض الأخلاقى وليس المرض العضوى.  

يقول تعالى فى شأن المنافقين: "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" (10) سورة البقرة.

ثم يأتى علم النفس ليكشف لنا عن طبيعة الشخصية السيكوباتية.

والشخصية السيكوباتية وفق علم النفس هى شخص أُصيب باعتلال نفسى و"اضطراب فى الشخصية يجعلها معادية للمجتمع، وتظهر أنماطاً من انتهاك حرمات الأخرين".

وكثيراً ما تبدى عداوتها فى صورة، تلذذ جنسى أليم وعنيف بضحاياها من النساء..  وكأنه فى داخل تلك الشخصية ذئب بشرى يفترس النساء وخاصة القاصرات الضعيفات مستغلاً سطوته أو قوته ونفوذه .. ولا مقاومة لهذه الذئاب البشرية التى تنتهك حرمة أعراض بناتنا إلا بالضمير اليقظ، وإدراك المشكلة والعلاج النفسى المناسب، وتطبيق العدالة عليهم بحسم.

 

وفى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمد بعض المنافقين إلى تتبع عورات النساء وهن يقضين حاجتهن فى الصحراء، فنزل القرآن الكريم مشنعاً على هذا النمط المجرم إلى أن تقوم الساعة: "لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلًا(61)، سورة الأحزاب.

ومن الحلول المقترحة فى هذا الجانب بجانب إجراءات الدولة المصرية الحاسمة على المستوى القانونى والإدارى:

1- إصلاح الخطاب الدينى وترميمه ليكون خطاب إصلاح  شامل يوقظ الضمائر ويدعم الأخلاق ويعالج الثغرات فى المجتمع بعمق ، وليس خطاباً شعائرياً باهتاً ، هذه هى الحكمة التى قال ربنا جل جلاله عنها :ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125). سورة النحل

2- نشر ودعم الوعى والمشتغلين به، وخاصة فيما يخص مقاومة الإباحية  ورذائل الأخلاق، ومبررى الجرائم باسم الدين.

3- إطلاق حملات للعلاج النفسى ضمن مشروع 100 مليون صحة، فالمرض النفسى أخطر من المرض الجسدى، لأنه يدفع إلى أزمات غير متوقعة تهز المجتمع والأسرة كما القنبلة فى انفجارها.

4- إصلاح الدراما والسينما وعدم السماح بأى مشهد تحرش على الشاشة.

فقد شهدت الفترة الأخيرة على الشاشة مشاهد فجة فى التحرش بالنساء والأطفال، وكلمات خادشة للحياء، دون مراعاة لأى اعتبار مجتمعى.

5- الولاية للأطفال الأيتام واليتيمات هى للدولة المصرية وليس لرجال الأعمال أو المتبرعين لهم، فالتبرع صدقة من الغنى إلى الفقير، لا ينتج عنها أى سلطة أو ولاية خاصة أو عامة على اليتيم .

وبالتالى لابد من إصلاح المنظومة الكاملة فى هذا الشأن والاهتمام بأطفالنا فى دور الرعاية كما اهتمام الأسر بأطفالهم، وتشديد العقوبة على كل من ينتهك أعراض أطفالنا .

6-  تشجيع ودعم مبادرات استضافة وتربية الأطفال الأيتام داخل الأسر الراغبة فى ذلك، بعد تطبيق المبادئ الخاصة بهذا، وضمان سلامة وإكرام اليتيم أو اليتيمة فى المنزل.

فالبيت والأسرة أفضل حاضن للطفل من الدور الرعاية مهما كانت إمكانياتها.

وسبق ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَيْرٌ بيت من بيوت المسلمين، بيت يُكرم فيه اليتيم، وشر بيت من بيوت المسلمين بيت يهان فيه اليتيم.

 

والله الموفق والمستعان.

 

Dr.Radwa
Egypt Air