فى منتصف عام 1993 بدأت رحلتى الصحفية الطويلة فى جمع أكبر عدد من شهادات القادة العسكريين والوزراء المختصين حول سيرة ومسيرة المشير أحمد إسماعيل نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة المصرية والسورية فى حرب 6 أكتوبر 1973 التى كانت أول نصر عربى على العدو الإسرائيلى فى جولات الصراع الأربع (1948 و1956 و1967 و1973).. وفى منتصف عام 1994 كنت قد انتهيت من إجراء حوارات طويلة مع 17 قائداً عسكرياً وعدد من كبار الوزراء والمسئولين الذين كانوا قبل الحرب وبعدها موجودين فى مناصب سياسية عليا مرموقة أتاحت لهم مرات ومرات الإلتقاء وجها لوجه مع الرجل الذى صنع النصر العربى الوحيد على العدو الإسرائيلي.
كان المشير محمد عبد الغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، قبل نشوب الحرب ورئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء دوران عجلة القتال قد حدد لى موعداً فى نادى هليوبوليس ليروى فيه شهادته الكاملة حول المشير أحمد إسماعيل. وبعدها بأسبوعين أجريت حواراً شاملأ مع المشير فخرى محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوى أثناء حرب أكتوبر ثم رئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال الفترة من 1974 وحتى 1978..
فى فيلته بمصر الجديدة أتذكر أنني - بعد أن روى لى قصته الكاملة مع آخر وزير حربية مصري- سألته خلال الحوار عن أغرب ما واجهه فى مشواره العسكرى خاصة فى سنوات توليه رئاسة الأركان.. ابتسم المشير فخرى محمد على فهمى قبل أن يجيب ببساطة: "لن أنسى أبدأ تلك الواقعة التى جرت فى الأيام القليلة التى سبقت الاحتفال الرسمى بعيد نصر أكتوبر.. خبر نزل فى جريدة الأخبار فى الطبعة الأولى وبعدها اتشال!..الخبر كان بيقول إن ثمة تغييرات واسعة متوقع حدوثها بين القيادات العليا بالقوات المسلحة وأنه من المحتمل أن تشمل تلك التغييرات المرتقبة وزير الدفاع ورئيس الأركان"!..
ويكمل المشير فخرى تفاصيل تلك القصة الغريبة.. يقول: "يومها استدعانى المشير محمد عبد الغنى الجمسى وزير الدفاع إلى مكتبه وسألنى وكنا وحدنا.. انت طبعا قريت خبر الأخبار.. إيه تفسيرك؟!.. وليه اتشال الخبر ولم ينشر فى الطبعات التالية التانية والتالتة؟!".
وقتها قلت للمشير الجمسي: "تقديرى أنه خبر غريب ومثير وغامض.. لا يمكن نشره إلا إذا كان وراءه حد كبير فى البلد..حد فى مقام الرئيس أنور السادات نفسه"..
ويضيف مكملا: "وعندما سألنى المشير الجمسى تفتكر إيه المقصود من وراء نشر هذا الخبر فى الطبعة الأولى ثم شيله فورأ من باقى الطبعات؟.. كانت إجابتى صريحة: المعنى الوحيد الذى فهمته من هذا الخبر الغريب أن الكرسى من تحتك اتهز.. أنك ماشى يا سيادة المشير.. وأننى مش جاى وزيراً للدفاع"!.. وقد كان..
خرج المشير الجمسى من منصبه قبل أقل من 48 ساعة من الاحتفال بالعيد الخامس لانتصارات السادس من أكتوبر..وخرج الفريق أول محمد على فهمى من رئاسة الأركان.. وعين الرئيس السادات كل منهما مستشارأ عسكريأ لرئيس الجمهورية.