الجمعة 19 ابريل 2024

معالجة الفضائيات الدولية لقضايا التنظيمات الإرهابية (3)

مقالات1-2-2022 | 12:37

توصلت رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث محمد مختار محمد عمر الطلخاوي، الباحث بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنصورة وعنوانها: "معالجة الفضائيات الدولية الموجهة لقضايا التنظيمات الإرهابية واتجاهات الجمهور نحوها" إلى نتائج مهمة نواصل تقديمها في هذا المقال.

أوضحت الدراسة أن القنوات عينة الدراسة (بي بي سي عربي - فرنسا 24- الحُرة الأمريكية- روسيا اليوم) ناقشت كثيرًا من القضايا المتعلقة بأخبار التنظيمات الإرهابية في النشرات خلال فترة الدراسة، وكان أكثرها ظهورًا "هجوم مسلح وقتل عشوائي" بنسبة 16.7% بتكرار 49 خبرًا، وفي الترتيب الثاني جاء "جهود حكومية لمكافحة الإرهاب" بنسبة 15.4% من الإجمالي في 45 تكرارًا.

 ثم "جهود دولية لمكافحة الإرهاب" بنسبة 14% في 41 تكرارًا، ثم "اتفاق سلام أو هدنة" وظهر في 30 تكرارًا بنسبة 10.2%، ثم "اغتيالات" بنسبة 9.2%، ثم فئة "أخرى تُذكر" بنسبة 8.5% وجمعت فيه القنوات بين أكثر من قضية أو ناقشت تداعيات إنسانية واقتصادية للتنظيمات الإرهابية، ثم فئة "تفجير أو تخريب أو اعتداء على المنشآت" بنسبة 6.8%، ثم "إفراج عن معتقلين" في 11 تكرارًا بنسبة 3.8%.

 ثم "عمليات إرهابية" بنسبة 3.4%، ثم قضايا "كورونا وتنظيمات الإرهاب" بنسبة 2.7%، ثم "تصفية أحد قادة التنظيمات الإرهابية" بنسبة 2.4%، وفي الترتيب الأخير تساوت فئات [هجوم انتحاري- حوادث الطعن- اعتقال أحد قادة التنظيمات- خطف واحتجاز رهائن] بنسبة 1.7% في 5 تكرارات لكل فئة.

ويرى الباحث أن هذه النتيجة تتوافق مع خطورة التنظيمات الإرهابية على أمن واستقرار العالم، حيث لم تقدم القنوات القضايا مرتبطة بعمليات إرهابية فقط، بل قدمت الأحداث متسقة مع ما يحدث في الواقع؛ فالهجمات التي يقوم بها مسلحو التنظيمات الإرهابية تحدث كثيرًا وخاصة في المناطق التي تنشط فيها هذه التنظيمات.

 لكنها في الوقت نفسه أكدت دور الدول والحكومات في مكافحة هذا الخطر، وهذا نابع من أيديولوجية هذه القنوات التي تتبع دولًا تلعب دورًا أساسيًا ومحوريًا في مكافحة الإرهاب وتنظيماته حول العالم وبخاصة في المنطقة العربية؛ فتنظيم "داعش" مثلًا يمثل تهديدًا لكثيرٍ من الدول خاصةً سوريا والعراق حيث كان يسيطر على جزءٍ كبير من مساحة هاتيْن الدولتيْن، وكذلك تنظيم مثل "حركة طالبان" التي تمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة في أفغانستان وللحكومة الأفغانية وبعض دول الجوار، وهذا يدل على أن تلك القنوات تقوم بنشر الأخبار بسياسة تحريرية تتبع الدول التابعة لها وترعى مصالحها وأمنها القومي. 

وذكرت النتائج التفصيلية للدراسة أنه:

-     اتفقت قناتا  BBC عربي وفرنسا 24 بقضايا "الهجوم والقتل العشوائي" وذلك بنسبة 20% و25% على الترتيب، وفي المرتبة الثانية جاءت "الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب" بنسبة 15% و 13% لكل منهما على التوالي، لكن يؤخذ على قناة BBC عربي إهمالها لبعض الأحداث مثل حادثة اليمين المتطرف في 11 يونيو2020 على "مركز النور الإسلامي" في مدينة "بيروم" الواقعة غرب العاصمة النرويجية أوسلو، كما أهملت القناة تصفية زعيم تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي رغم اهتمام وسائل الإعلام العالمية بهذا الخبر، واهتمت قناة فرنسا 24 بالتأكيد على الدور الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي.

-     ركزت قناة الحُرة الأمريكية معالجتها على "جهود الدول والحكومات في مكافحة الإرهاب" والتأكيد على دور الولايات المتحدة في قيادة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، كما اهتمت بالدور الفاعل للمبعوث الأمريكي للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد في التهدئة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، والدور الذي يلعبه للتوصل لاتفاق سلام دائم بينهما برعاية أمريكية، فجاءت "الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب" في الصدارة بنسبة 18%، ثم "الجهود الحكومية" بنسبة 17%، ثم "اتفاقات السلام" بنسبة 13%، وتنوعت في كثيرٍ من القضايا التي جاءت بنسبٍ متفاوتة، وكان أقلها "العمليات الإرهابية" بنسبة 1%.

-     اهتمت قناة روسيا اليوم بالجهود الحكومية ضد تنظيمات الإرهاب، وكان أبرزها "الجهود العراقية" بعد تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية في مواجهة خلايا وفلول تنظيم "داعش"، وجاءت تلك الجهود في الصدارة بنسبة 20% في 15 تكرارًا، ثم "الهجوم والقتل العشوائي" بنسبة 19%، ثم اتفاق "السلام والتهدئة" بنسبة 13%، ثم "الاغتيالات" بنسبة 8%، و"الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب" بنسبة 7%، ولم تبرز القناة تصفية زعيم تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي لكنها لم تهملها.

وتنوعت القنوات عينة الدراسة في أوصاف التنظيمات الإرهابية خلال فترة الدراسة وكان أكثرها استخدامًا "بدون وصف"؛ فتسميها بما هو معروف به كـ "حركة طالبان" أو "تنظيم القاعدة" أو "داعش".. إلخ؛ وجاء ذلك في 78 خبرًا بنسبة بلغت 26.6%، ثم "مسلحون" بنسبة 22% في 65 تكرارًا، ثم "جماعات" بنسبة 13% في 38 تكرارًا، و"مقاتلون" في 30 مرة بنسبة 10.2%، ثم "عناصر" في 21 تكرارًا بنسبة 7.3%، وتساوت معها فئة "أخرى تُذكر" بالنسبة نفسها، وتنوعت بين [جهاديين- تكفيريين- فلول-معتقلين-مرتزقة- إرهابيين- أعضاء- انتحاريين]، وتساوى أيضًا وصف "ميليشيات ومتمردون" بنسبة 4.1% في 12 تكرارًا، وفي الترتيب الأخير تساوى وصف "متشددين" و"معارضة مسلحة" بنسبة 2.7% في 8 تكرارات.

ويرى الباحث أن وصف التنظيمات الإرهابية يعود إلى أيديولوجية القنوات النابع من سياستها التحريرية في التعامل مع تلك القضايا؛ فمثلًا تُطلق  BBC عربي على التنظيمات في سوريا "المعارضة المسلحة" رغم أن تلك التنظيمات معروفة ولها نشاط كبير هناك مثل "هيئة تحرير الشام" و"داعش" و"الفتح الإسلامي" التابع لتنظيم "القاعدة"، وفي إطار التوازن والبحث عن الموضوعية عملت القنوات على إطلاق وصف "التنظيم" بالاسم المعروف به أي "بدون وصف"، وتلاه كلمة "مسلحون"، وهذا يتوافق مع ما توصلت إلية الدراسة من أن الهجمات المسلحة كانت الأكثر ظهورًا في قضايا تلك التنظيمات خلال الدراسة.

وأوضحت النتائج التفصيلية للدراسة أنه:

-     كانت قناة BBC عربي الأكثر استخدامًا لوصف "المعارضة المسلحة" في قضايا التنظيمات في وذلك بنسبة 8% في 5 تكرارات، ما يعطي انطباعًا بالحيادية في تناول تلك القضايا ووضعها في قالب "المعارضة" وبخاصة في الشأن السوري واليمني، لكن وصف "مسلحون" كان الأكثر ظهورًا خلال فترة الدراسة في 16 خبرًا بنسبة 29.7%، واتفقت في ذلك مع قناة روسيا اليوم والتي تصدر وصف "مسلحون" بنسبة 29%، وفي الترتيب الثاني جاء "بدون وصف" في القناتيْن بنسبة 26% و27% لكل منهما.

-     كانت قناة الحرة الأمريكية الأكثر ذكرًا للتنظيمات الإرهابية بمسمياتها بدون وصف في 30 خبرًا بنسبة 30%، واتفقت في ذلك مع قناة فرنسا 24، والذي جاء فيها "بدون وصف" بنسبة 23.4%، ثم "مسلحون" في الترتيب الثاني بنسبة 18% و41.1% لكلٍ منهما على التوالي.

وتبين من الدراسة أن أخبار "تنظيم داعش" الإرهابي استحوذت على العدد الأكبر خلال فترة الدراسة بنسبة بلغت 33.4% في 98 خبرًا خلال فترة الدراسة، ثم أخبار "حركة طالبان" في 73 تكرارًا بنسبة 24.9%، وهذا يتوافق مع تقرير مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2020، والذي أشار إلى أن "طالبان" و"بوكوحرام" و"داعش" و"حركة الشباب" كانت التنظيمات الأكثر دموية في العالم خلال العام 2019، وتسببت في مصرع 7578 قتيلًا، بما يعادل 55% من الحالات في العام ذاته.

 وجاءت أخبار "الحوثيين" في الترتيب الثالث بنسبة بلغت 16.7% في 49 خبرًا، ثم فئة "أخرى تُذكر" وجمعت القنوات في هذه الفئة بين أكثر من تنظيم في الأخبار أو لم تنسب الخبر لجماعة معينة وذلك في 21 خبرًا بنسبة 7.2%، ثم "حزب العمال الكردستاني" بنسبة 4.4%، و"تنظيم القاعدة" بنسبة 4.1% في 12 خبرًا، ثم الميليشيات المسلحة في ليبيا بنسبة 3.1% في 9 أخبار، وتساوى اليمين المتطرف مع جماعة "الإخوان" في الظهور 5 مرات بنسبة 1.7% من الأخبار، ثم "هيئة تحرير الشام" بنسبة 1.4%، وأخيرًا "بوكوحرام" و"حركة شباب المجاهدين" في الترتيب الأخير بنسبة 0.7% في خبريْن فقط خلال الدراسة .

ويرى الباحث أن هذه النتيجة تتسق مع ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من نزاعات وصراعات، وأن القنوات الدولية غالبًا ما تركز أخبارها على تلك المناطق، كما أنها موجهة  للمشاهد العربي فهى تنقل ما يدور في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، فتنظيم  مثل "داعش" مازال يمثل  تهديدًا على السِلم والأمن العالمي، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط في سوريا والعراق، حيث يتمتع التنظيم بنفوذٍ كبير رغم هزيمته هناك، وهذا يتوافق مع الحملات الأمنية الكثيرة التي تقوم بها القوات العراقية مدعومة بقوات التحالف الدولي للقضاء على فلول وخلايا التنظيم المنتشرة في الصحاري والمناطق النائية في العراق وعلى الحدود السورية، هذا بالإضافة لنشاط التنظيم في منطقة الساحل الأفريقي، أما "حركة طالبان" فشهدت فترة الدراسة الكثير من القضايا الخاصة بالتنظيم والحديث عن مصالحة أو اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية بعد اتفاق الحركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن ظهور "الحوثيين" في الترتيب الثالث يأتي نتيجة الصراع الدائر في اليمن بين قوات التحالف العربي وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

ونستكمل الأسبوع القادم سرد سائر نتائج الدراسة.

د. شريف درويش اللبان