التنوير الحقيقى تجديد مع الحفاظ على الهوية، وهو مشروع وطنى فى إطار وطنى، وواقع وطنى، التنوير المزيف مطالبة بالتجديد بأساليب وسائل تكسير الهوية، ومنها المزايدات والتهييج والدعاية الصفراء، فى إطار غربى وواقع غربى، وهو الجيل الجديد للتطبيع مع كل رذائل البشرية و"فيلم نتفليكس" نموذجاً.
أما مسالة ضرب المرأة:
1- فلم يرد فى السنة العملية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه فعل ذلك ،لحديث السيدة عائشة -رضى الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى.. رواه مسلم
ومعنى ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم كلمة "واضربوهن " بالآية الكريمة (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) -34 النساء- أن معناها ليس على سبيل حقيقة ضرب الرجل لزوجته، لأنه محال على رسول الله تجاهل تطبيق آية فى كتاب الله، ولم يأمر الصحابة بضرب نسائهن حتى عند النشوز .
وعندما جاءه رجل وقال له: امرأتى لا ترد يد لامس، قال: طلقها، ولم يقل اضربها .
2- عقد الزواج فى الإسلام ليس عقد تربية وتأديب، إنما عقد شراكة لبناء أسرة على أساس الرحمة والمعروف والمودة، قال تعالى: [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187)، [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ] (النساء:19)، [ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً] (21 الروم).
فليست مهمة الزوج تأديب الزوجة، وليست من مهام الزوجة تأديب زوجها. فضلًا عن أن مرحلة التأديب هى فى سن الطفولة فقط ، وهى حتى فى سن الطفولة قاصرة على الأب أو الوصى .
أما إذا أساء أحد الزوجين وتعدى حدود الله، فمرجعية الزجر -وليس التأديب- إلى القاضى وليس إلى الزوج، والمسئول عنها اليوم القضاء ودولة القانون.
ولأجل هذا كانت أحكام الإيلاء، والطلاق للضرر، والخلع، والزام الزوج بالنفقة على عياله إن امتنع عن ذلك، إلى غيرها من أحكام جاء بها الإسلام للحفاظ على استقرار الأسرة وعدم الانحراف بها إلى الهاوية.
وأذكر فى 10 أغسطس 2018 حين استمعت إلى بعض خطباء الجمعة وهم يفسرون نصاً فى خطبة الوداع على غير معناه الحقيقى وهو: "ولا يأتِينَ بفاحشةٍ، فإذا فعلنَ ذلك، فإنَّ الله أذِنَ لكم أن تَهجروهُنَّ في المضاجع، وتَضربوهُنَّ ضربًا غير مُبَرِّحٍ، فإن انتهينَ وأطعنكم، فعليكم رزقهُنَّ وكِسوتهُنَّ بالمعروف، فسره خطيب الجمعة بأن ذلك إذن بضرب الزوجات من قبل الأزواج .
فقلت: لقد تجاهل هذا الشيخ ما تعلمه فى الأزهر، إن هذا النص الوارد فى خطبة الوداع مخاطب به الأمة وليس الأزواج، بدليل أن الضرب المتعلق بإتيان الفاحشة الوارد فى خطبة الوداع لا يمكن تحقيقه إلا إذا ثبتت الفاحشة .
وثبوت الفاحشة شرعاً محله القضاء وليس بمعرفة الزوج، ويكون بالشروط المعروفة - أربعة شهود عدول يشهدون على واقعة الفاحشة أو الاعتراف الصريح من الزوجة، وبالتالى إذا كان ثبوت الفاحشة لا يتم إلا عند القضاء؟ كيف يكون الأمر هنا للأزواج؟
إذاً، ما ورد عن موضوع الضرب فى القرآن والسنة هو فى إطار ما يسمى التعزير، وهو أمر مخاطب به الدولة أو الأمة.. وعقوبة التعزير لا يقوم بها الزوج أو أى أحد آخر، إنما تقوم بها الدولة وفقاً لما تقدم .
ومع تطور الدولة فى المفهوم الإنسانى والواقع عامة، وأيضاً فى مفهوم وواقع المسلمين، تطورت أساليب التعزير كعقوبة ردع وهذا لا يخالف شريعة الإسلام، لأن الخلفاء الراشدين طبقوا وسائل تعزير وردع غير منصوص عليها فى القرآن والسنة، ولأنه وفقاً لشريعة الإسلام يجوز للقاضي في التعزير أن يختار ما يناسب الجاني وظروف الجريمة التي ارتكبها وملائمة العقوبة لها، وللقاضي أن يوقع أكثر من عقوبة على الجاني، وله أن يُشدّد العقوبة على الجاني، وله أن يوقف تنفيذ العقوبة إذا رأى أنّ مجرد توجيه العقوبة للجاني يكفي لردعه.
فإذا كانت وسيلة التعزير من قبل القاضى قديماً كانت الضرب ليس فقط للزوجات، إنما لكل منحرف سواء كل رجلاً أم امراة، فإن القانون الآن بات هو الأداة الوحيدة للتعزير .
وقد تحول التعزير وفقاً لقانون الدولة الحديثة إلى الحبس أو الغرامات المالية إلى غيرها.
وعلى هذا لا يوجد فى الإسلام إقرار بضرب الزوج زوجته، ولا بضرب الزوجة زوجها، ولا بضرب أى كائن، لحديث السيدة عائشة، رضى الله عنها: ما ضربَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خادمًا لَه ولا امرأةً ولا ضربَ بيدِهِ شيئًا .
وما ورد من نصوص فى الضرب فهى وفق ما ذكرت من مناط وتأويل !
والله أعلم.