الجمعة 27 سبتمبر 2024

جابر عصفور: الأزهر غير متطور ولا يوجد مبدع في الإخوان

الدكتور جابر عصفور وخالد ناجح

تحقيقات11-2-2022 | 18:50

حوار: خالد ناجح

*أطلق السادات سراح من في السجون وأعاد لهم المجلات والصحف التي كانت موجودة من قبل أن يعصف بهم عام 1954، من هنا بدأ ما يسمى بالإسلام السياسي.
*مع إحياء الجماعات الإسلامية عام 1972، بدأت أحداث الفتنة الطائفية، والتمييز بين المسلمين والمسيحيين.
*لا أذكر مبدعا حقيقيا في الإخوان المسلمين، والرواية التي تنسب إلى سيد قطب شيء رديء جداً، فشخص يرى أن الموسيقى حرام كيف يكون مبدعاً.
*أنا أشك، بأمانة، مع أنني محسوب على جيل الستينيات، أن هناك بعد الستينيات أجيالا  ؛ تستطيع أن تتحدث عن السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات.
*الرواية المعاصرة التي تنشرونها الآن فى دار الهلال، جميع كتابها من غير جيل الستينيات.
*المثقف هو من له موقف مما يحدث حوله فى الحياة، وذلك هو الفرق بينه وبين المتعلم.
*شيخ الأزهر سيد طنطاوي لم يعترض على فيلم آلام المسيح  لأنه كان رجلا في غاية التسامح ومتفتح إلى أبعد حد. 
*مصر لم يكن فيها إطلاقا حتى اليوم عنف طائفي، وإنما ابتدع في زمن الإخوان المسلمين.

حوار: خالد ناجح

أعد الحوار للنشر: سامح فايز

الأسئلة الصعبة فى الثقافة المصرية يجب أن تكون شاغل أى مهتم بالثقافة ورفع مستوى الوعي واستثمار رأس المال الثقافي من أجل نهضة حقيقية، تلك الأسئلة كانت محور حديثنا مع وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، الناقد والأكاديمي، والذي قضى أعواما طويلة بين أروقة وزارة الثقافة بداية من المركز القومي للترجمة مرورا بالمجلس الأعلى للثقافة ثم وزيرا للثقافة المصرية، حوار فتح مجال الحديث عن الثقافة ومواجهة التطرف، وتصديها للعنف الطائفي، ووقوفها حائط صد أمام جماعات الإسلام السياسي، ووضع الأجيال الشابة أمام الأجيال السابقة، وهل من الضروري أن يكون المثقف على يسار السلطة، وضرورة أن يكون المثقف المعارض وطنيا فى المقام الأول والأخير، فالوطن فوق كل شيء فى النهاية بعد أن انتهينا من الحوار مع الدكتور جابر عصفور سألته لماذا يكرهك الإسلاميون؟ فقال لى تعالى وانت تعرف لماذا يكرهوننى؟ نزلنا إلى مكتبة عامرة بها الكثير من أمهات الكتب التى يقتنيها المتطرفون، والكثير من الكتب التى تفند مزاعم هذه الكتب وتبطلها، وهنا أشار الدكتور عصفور إلى هذه الكتب، وقال إنهم يكرهوننى لأننى أعرف كيف يفكرون، وأعرف كيف أفند مزاعمهم، وكيف أرد عليهم بالحجة. 
فإلى نص الحوار:

*لماذا لا يستطيع المثقف مواجهة جماعات الإسلام السياسي والتغلب عليها؟

في الحقيقة المسألة غير مرتبطة لا بالثقافة ولا بالمثقفين، الحكاية أصلها قضية انفلات سياسي حدث أيام السادات، عندما وقع فى مشكلة مع الناصريين والقوميين واليساريين وهم من كانوا مشغولون دائما بمشاكل الحرية والديمقراطية منذ قيام ثورة يوليو 1952، كان هناك دائما خلاف فى قضية الحريات، وذلك ما أدى سنة 1959 إلى صدام اليسار مع الناصرية، لكن بعد أن انصلح الأمر، ومع سياسات عبد الناصر مع الاشتراكية، تصالحوا مع النظام، وأعلنوا فك الأحزاب اليسارية سنة 1965 تقريبا، فالمسألة لا علاقة لها بعجز الثقافة عن المواجهة من عدمه، وحدث أن سرنا على هذا الأساس إلى أن توفى عبد الناصر سنة 1970، ثم وفي عام 1972 قرر السادات بناءً على نصائح خارجية، أن يضرب أعداءه بنقيضهم، وقد تصور أن أعداءه هم الناصريون، والقوميون العرب، واليسار، فأتى بالعدو التقليدي لهم، وهم جماعات الإخوان ، فأجرى معهم مصالحة، بعد لقاء مع التلمساني سنة 1972، وقدم لهم الحريات مرة أخرى؛ فأطلق سراح من كانو في السجون وأعاد لهم مرة أخرى المجلات والصحف التي كانت موجودة قبل عام 1954، من هنا بدأ ما يسمى بالإسلام السياسي.

والغريب أنهم اخترعوا فى هذه اللحظة مصطلح الصحوة الإسلامية، كأن ما كنا فيه لا علاقة له بالإسلام، فالصحوة معناها أنك أيقظت الإسلام مرة أخرى بعد نوم أو موت، كأن الدولة قبل ذلك التاريخ لم تكن دولة إسلامية، وكأنه ليس هناك أزهر ولا مسلمين، فأنشأوا هذا المصطلح السخيف، وهو الصحوة الإسلامية، والحقيقة أن مصر لم تتوقف عن كونها بلد إسلامي في أى لحظة من اللحظات، حتى فى أحلك اللحظات التي كنا فيها على علاقة بالدول الشيوعية، لم تتوقف مصر عن كونها دولة إسلامية، بدليل أن عبد الناصر نفسه أسس إذاعة القرأن الكريم، وأيضا جعلنا أعضاء فى منظمة التعاون الإسلامي.

وماذا حدث بعد ذلك؟

 مع إحياء تلك الجماعات عام 1972 تحديدا، بدأت أول أحداث الفتنة الطائفية، والتمييز بين المسلمين والمسيحيين، ولأول مرة بدأنا نستمع فى مصر لكلمات مثل، أنت مسلم وأنا مسيحي، أو بدأ البعض يتجرأ أن يقول لا تلقوا السلام على مسيحي.

وأين كنت وقتها؟

في تلك الفترة كنت قد أنهيت دراستي للماجستير، وبدأت فى الدكتوراه، فشاهدت ذلك بعيني، كانت المجموعات الإسلامية في كلية الطب، وكان يتزعمها فى ذلك الوقت عبد المنعم أبو الفتوح، كان رئيس اتحاد الطلبة فى كلية الطب، فكانوا يأتون إلى كلية الآداب ويهدمون كل نشاط فني نقدمه، خاضت الجماعات الإسلامية وسط الطلاب نشاطها المزدهر، ومعها فتحت كل الأبواب لهم، وعندما كانت الجماعات اليسارية والقومية تبغي أن ترفع رأسها، كانت تضرب، لكن السلاح الذي كان في يد السادات سرعان ما انقلب ضده؛ فتلك الجماعات أفرخت إفراخاً هائلاً، واتسعت قواعدها، وباتت تسيطر على المجتمع المصري، خصوصاً أنهم أسسوا تنظيمات تعاونية كانت تعمل على حل المشاكل للجماهير، عندما تعجز الحكومة، رويدا رويدا، بدأ عندنا ما يسمى بالصحوة الإسلامية، ورافق هذه الصحوة ما أسموه بالتشدد الديني والتزمت، وألا يكون الأساس فى الدولة هى المواطنة، التي لا تميز بين مواطن ومواطن على أساس من الدين أو الجنس. 

*هل هناك مبدعون داخل جماعات الإسلام السياسي، أو هل اهتمت تلك الجماعات بعملية الإبداع؟

لا أذكر مبدعا حقيقيا في الإخوان ، إلا شخصا كان موجودا فى الخمسينيات، ومطلع الستينيات، وقد سافر إلى الإمارات، وعاش ومات هناك أيضا، كان كاتباً للرواية، حتى أن هناك قصة من قصصه قدمت للسينما، للأسف هو غائب عن ذاكرتي؛ لأنه عاش فى الإمارات، وكان طبيباً، ومنتمي إلى الإخوان ، غير ذلك لا أذكر أننى قرأت رواية لأحد من الإخوان ، أما الرواية التي تنسب إلى سيد قطب، فهى شيء رديء جداً، لا يمكن أن يمت إلى الرواية كما نعرفها بصلة، فلو تذكرت أردأ روائي أو روائية، سوف نجد أن سيد قطب كان أقل منهم، فلا علاقة لهم بالإبداع، ولا جمالياته، ولا الموسيقى، ولا الغناء، ناهيك عن أن الغناء من الأصل حرام عندهم. فشخص يرى أن الموسيقى حرام كيف يكون مبدعاً.

*هل لذلك علاقة بقضية السمع والطاعة أو حرية الفكر والإبداع لدى تلك الجماعات؟

هم لا يعرفون شيئا اسمه حرية الفكر أو الإبداع، غير أن مسألة الحرية ذاتها غير معترف بها لديهم، لكن لديهم فقط، وأطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولى الأمر منكم، والأخيرة تلك ليس شرطاً أن يكون أولى الأمر فيها رئيساً للجمهورية، من الممكن أن يكون إماماً، أو مرشداً للجماعة، فلا علاقة لهم بالحرية التي نعرفها. 

*رغم أن جماعات الإسلام السياسي ليس لديهم إبداع لكنهم مهتمون رغم ذلك بنشر تصور أن هناك أدبا إسلاميا؟

فكرة علم النفس الإسلامي، والأدب الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، هذه أفكار ابتدعت فى السعودية، ساعدهم عليها مجموعة من الأساتذة، مصريون وغير مصريين ، أول مرة في حياتي أسمع عن علم نفس إسلامي كان فى السعودية، والتي زرتها مرة وحيدة، وللأسف اشترك في هذه البدعة أستاذنا محمد عثمان نجاتي، وكان من أفضل أساتذة علم النفس في مصر وكان وكيل كلية الآداب لفترة من الفترات فى جامعة القاهرة. 

*أحد الأسئلة الصعبة فى الثقافة المصرية هى سيطرة جيل الستينيات حتى هذه اللحظة على حركة الإبداع والنقد في مصر 

أنا أشك، بأمانة، مع أنني محسوب على جيل الستينيات، وذلك لسبب بسيط، أن هناك بعد الستينيات أجيالا أخرى؛ تستطيع أن تتحدث عن السبعينيات، والثمانينيات، والتسعينيات، وأيضا ما بعد ذلك.

*أتحدث هنا عن فكرة سيطرة النقد؟

بالعكس، الرواية التي أقرأها حاليا رواية إبراهيم عيسى الأخيرة، من ثلاثيته القتلة الأوائل، هنا إبراهيم ينسب لأى جيل؟ قبل رواية إبراهيم عيسى كنت أقرأ رواية لإبراهيم عبد المجيد وهو محسوب على جيل السبعينيات.

الستينيات فكر، وملامح فنية، هذه الملامح الفنية ظلت مسيطرة منذ الستينيات، لأن ذلك الجيل هو الذي تمرد على جيل الأباء.
 حدث عام 1968 أنهم أقاموا مؤتمراً عن الأدباء الشباب، فخرج من بينهم أحدهم، أعتقد محمد حافظ رجب، وقال:"نحن جيل بلا آباء"، أو "جيل بلا أساتذة"، فكان جزءًا من التمرد على هزيمة 1967، خرج جيل الستينيات، فهذا الجيل أسس "كود" خاص به، نستطيع أن نقول: إن مرحلة الستينيات تجاوزت الفترة التاريخية واستمرت إلى نهاية التسعينيات.

*هل ظهر جيل جديد تمرد على جيل الستينيات؟ 

بالطبع، الرواية المعاصرة التي تنشرونها الآن فى دار الهلال، جميع كتابها من غير جيل الستينيات، مثلا تلك الأعمال التي تنشر فى المصرية اللبنانية، أغلب من يكتب فيها ليسوا جيل الستينيات، وبعضهم حقق أرباحاً عالية جدا. 

*مَنْ مِنْ جيل الشباب الموجود حاليا نستطيع أن نقول: إنه من الأعمدة في هذا الجيل؟

حاليا هناك فتيات نشرت واحدة منهن رواية فى خمسة أجزاء مؤخرا عن دار الهلال، "برديات مدن الياسمين"، لأميرة بهي الدين، هناك شباب أيضاً حصلوا مؤخراً على جوائز البوكر، وحصل بعضهم على جائزة كتارا. 

تحدثت عن فكرة المجايلة، لكن بداية من سنة 2005 حتى اليوم هناك أجيال خرجت من رحم السوشيال ميديا، شباب ليس لهم علاقة بفكرة المجايلة ولا يهتم بهم النقد؟ 

كتبت فى مقالي "الرواية الرائجة" أنه من الممكن أن تكون الروايات الرائجة روايات ممتازة، أحمد مراد كمثال قدم أفلاما جيدة مع المخرج مروان حامد، مراد لن يوضع فى مستوى نجيب محفوظ، لكن من قال إن جميع الروائيين يجب أن يكونوا فى مستوى نجيب محفوظ، مراد قدم أكثر من رواية رائجة جدا، وقد قرأت أربع روايات لمراد، وشاهدت فيلمين من كتابته، لا أستطيع وصفه بالرديء، لكنه روائي جيد، تصادف أن يكون مع مخرج قدم معه أفلاما ممتازة، مثل الفيل الأزرق وتراب الماس.

*لو أردت وضع تعريف للمثقف، من هو من وجهة نظرك؟ 

المثقف هو من له موقف مما يحدث حوله فى الحياة، وذلك هو الفرق بينه وبين المتعلم، فالمتعلم حصل على شهادة في أيِ من فروع العلوم الإنسانية، أو الاجتماعية، أو الطبيعية، وذلك وصف للمتعلم، ولن يخرج عن هذه الدائرة، أما المثقف فهو الشخص الموسوعي النظرة، من له موقف محدد مما يجري حوله ، يعني أنه يقول نعم أو لا، ويكتب ذلك أيضاً، أو يعلنه قولا.

*هل من الضروري أن يكون المثقف على يسار السلطة؟

بالطبع، ومع أى سلطة، المثقف دائماً رجل يبحث عن الأكمل، والأجمل، وبالضرورة ليس فقط على يسار السلطة، لكن أيضاً معارض لها 
السلطة هى الواقع، أو مثل ما نستخدم فى علم النفس، هى مبدأ الواقع، لكن المثقف هو مبدأ الرغبة، ومبدأ الرغبة دائما فى صراع مع مبدأ الواقع، مبدأ الرغبة دائما هو مبدأ الحلم، يبحث عن الأكمل والأجمل والأنبل.

*كنت رجل دولة وفى الوقت نفسه من وجهة نظرك يجب أن يكون المثقف على يسار السلطة كيف قمت بذلك التوازن؟ 

لم أستطع فعل ذلك التوازن، لذلك لم أستمر طويلا فى الوزارة، مثلا عندما كنت وزيرا فلأيهم كان ولائي، المثقف أم الحكومة، عندما كنا نصطدم كنت ألجأ للمثقف، مثال لذلك، رأيي أنه لا يوجد أى مانع لا ديني ولا غير ديني بظهور الأنبياء فى السينما، وهى مسألة نسميها فقه المستحدثات، والنبي قال أنتم أعلم بشئون دنياكم. 
أفلام الأنبياء تقدم عظة وعبرة، وكانت موجودة من قبل، مباحة وتشاهد، وقدمت السينما المصرية فيلم "ظهور الإسلام"، المأخوذ عن رواية طه حسين "الوعد الحق"، وكان من ضمن أبطال الفيلم من قام بدور الصحابة الذين يعذبون من كفار مكة، ومات بعضهم، وكان من بين الأبطال أيضا بلال مؤذن الرسول، وهناك أيضا فيلم "الشيماء" أخت الرسول في الرضاع وهو فيلم من إخراج حسام الدين مصطفى. 
 
*ما هى أبرز الأشياء التي اصطدمت بها كمثقف مع الدولة عندما كنت في السلطة؟ 

مسألة الأفلام تلك ممكن أن تكون مثالاً، فعندما كنت أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة، وبحكم المنصب كنت مشرفاً على الرقابة، وإن كان لها مدير آخر، لكنه تحت مظلة الأمين العام، وأذكر فى تلك الفترة أن حدثت أزمة بخصوص فيلم "عذاب المسيح"، أو "آلام المسيح"، وسألت حينها أعضاء الرقابة فقالوا إنهم يميلون إلى منعه، فطلبت قراءة التقارير، فأحضروا 6 تقارير، كتبها خمسة مسلمين، وآخر مسيحي، وكان بينهم سيدة من تلامذتي، والتي سألتها بدوري وسألت الباحثين قالوا حتى لا يكفروننا، لماذا رفضت الفيلم، قالت:"عشان ما يقولوش عليا كافرة"، سألت المسيحي عن سر رفضه

قال:"عشان ما يقولوش عليا مسلم"، فقمت بتشكيل لجنة، تضم يوسف شاهين، والراحل سمير فريد، والراحل على أبو شادي، وكمال رمزي، وأظن اثنين من المثقفين الكبار، ومنير فخري عبد النور وزير الصناعة فى تلك الفترة، وشاهدنا الفيلم، وكان مزعجا جدا؛ لما يحتويه من كمية آلام، فيلم مؤثر لدرجة أننى سمعت فى القاعة بكاء السيدات، وانتهينا بعد المناقشة إلى أن يعرض لما هم فوق 18 سنة، وعرض الفيلم، وتقبله الجمهور المصري، ولم تحدث أي مشاكل، ولم يعترض شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي،  لأنه بالمناسبة كان رجلا في غاية التسامح ومتفتح إلى أبعد حد. 

في مرة أخرى كان هناك أزمة عرض فيلم "نوح"، واعترض الأزهر على عرض الفيلم، علماً بأنني شاهدت الفيلم في إنجلترا، ولم أجد ما يمنع عرضه، فندمت على أنني لم أكن موجوداً فى موقع مسئولية أثناء عرضه، وبالمصادفة كتبت قبل أن أتولى حقيبة الثقافة بشهر، مقالاً فى الأهرام بعنوان، "اعرضوا فيلم نوح"، وقلت إن الفيلم يندرج تحت ما يسمى بفقه المستحدثات، وأن يعول فيه أنه حيثما تكون مصلحة الأمة فثم شرع الله وهذا ما قاله ابن تيمية أيضا وهو سيد السلفيين.

كل ما سبق تفريع من موقف المثقف، وفي أي صراع بين المثقف ورجل الدولة كان يحسمه في نهاية الأمر المثقف، ذلك لأننى طول عمري مثقف، وسوف أظل حتى وفاتي مثقفا، ومحسوبا على المثقفين، ولا أريد أن يمس أى شيء ذلك التاريخ.

وكانت لدي قناعة أن أى فيلم عن الأنبياء يمكن عرضه طالما لم يسىء إلى مصر ولا إلى أى نبي، هنا بدأ الخلاف مع الأزهر، والذي اتخذ قرارا مطلقا أنه لا سماح بعرض أى فيلم يتعرض للأنبياء، لكن ذلك القرار غير دستوري، لأنك لست مسئولاً عن بقية الديانات، لا اليهودية، ولا المسيحية، أنت تتكلم فقط فى نبي واحد، هو النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ففيلم آلام "المسيح" ممكن أن يتكلم عنه المسيحيون أو الكنيسة، وليس الأزهر. 

*هل الأزهر يحتاج إلى مراجعات؟ 

الأزهر نفسه غير مرتبط بتطور الحياة، مع أن الشيخ محمد عبده يقول: إن الإسلام دين العلم والمدنية، هذا الأزهر الحالي لا ينتسب إلى الشيخ محمد عبده، مع أنني أعتبر الشيخ محمد عبده أستاذي الديني، والذي أقتدي به في أي تفسير ديني، والأزهر الحالي لا علاقة له بأفكار الإمام محمد عبده.

لكن الشيخ أحمد الطيب يقوم بدور كبير الآن؟

الشيخ أحمد الطيب، وهو إنسان فاضل إلى أبعد حد، وأكن له كل الإجلال والاحترام والتقدير، وبيني وبينه صداقة، لكن الإمام الطيب كان في روما منذ أيام، وقابل بابا الفاتيكان، لماذا لا تفعل مثل البابا فى الأفلام التي يسمح بعرضها، التسامح الديني الذي يترك مكاناً للفن، لكن لا يوجد تسامح ديني هنا، ثانيا الإمام محمد عبده علمني أنا شخصياً أنه لا سلطة دينية فى الإسلام، ولا مؤسسات دينية، السلطة الوحيدة التي يملكها أى شخص حتى الإسلام نفسه، أن يهدي إلى ما يراه صالحاً، النبي نفسه فى الإسلام كان مبلغاً ورسولاً، وليس أمراً أو ناهياً، لكن مبلغاً ورسولاً. 

*فكرة التجديد التي دعى لها الرئيس أكثر من مرة، هل تعتقد أنها أحدثت صدى لدى الأزهر؟

لم يستجب لها الأزهر إلى الآن، ورئيس الجمهورية هو أول شخص يعرف ذلك، لكن رئيس الجمهورية لديه أولويات في النظام، أي لديه مسألة رقم واحد، ورقم اثنين، ورقم ثلاثة، تتفق معه، أو لا تتفق، المهم أن تؤمن مثلي بوطنية الرئيس، وأنه يهدف إلى الصالح العام، وهذه مسألة لا نقاش فيها، بعد ذلك من الممكن أن تختلف فى الأولويات، أنا شخصياً كان رأيي أنه لابد من الاهتمام بالثقافة المصرية، والاهتمام بها لا يقل أهمية عن الاهتمام بالوزارات الأخرى، لأنك أنت تحارب بالمدفع من أجل حماية وطنك، وبالقلم في نفس الوقت، فالقلم لا يقل أهمية عن المدفع، بدليل أننا بالكلمة وصلنا إلى تشويه أفكار الناس، وتكوين عقليات إرهابية، من قال شائعة لا تلقي التحية على مسيحي؟ لو تأملته ستجد أنه مجرد كلام نسب للإسلام زوراً، وبهتانا، فشاع، واعتقد البسطاء أن ذلك هو الإسلام، وذلك غير صحيح، إذ كان النبي نفسه عليه الصلاة والسلام تزوج مريم القبطية وأوصى بها خيرا.  

*هل تحتاج مصر إلى طبقة مثقفة أخرى، داعمة لعملية المواجهة والتجديد؟

أبدا، مصر دائما فيها المثقفون أجيال في كل عصر، وتلك ما نسميها جماعة المثقفين، فيها الكبار والوسط والشباب 

*لماذا المثقف دائما في مصر فقير؟ 

في كل الدنيا، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، هل السيد أرثر ميلر كان يملك ما يملكه فورد؟ رئيس الولايات المتحدة الآن شخص من أكبر التجار، وهو من الذين يشكك فى ذممهم، والكتابات الأمريكية تشكك في ذلك، لكنهم فى الولايات المتحدة الأمريكية لديهم قوانين لا تسمح بمصادرة أى كتاب، هذه هى الديمقراطية الأمريكية، ولا أطالب بتطبيقها حرفيا هنا، نحن مجتمع تتزايد فيه الأمية، ولا تقل. 
*أمية المتعلمين أم الأمية فى معناها الاصطلاحي؟
لا، بل الأمية الأمية

*كيف؟

الآن الأسر الفقيرة جدا بدلا من إلحاق أطفالهم بالمدارس تلحقهم بالمهن اليدوية، وفي قطاع الأعمال، وبشكل غير مشروع، ولديك أطفال الآن يعملون في مهن الشوارع، الذين يطلق عليهم أطفال الشوارع.

*هل كان للثقافة دور في يوم من الأيام في مواجهة الأفكار المتطرفة ومواجهة العنف الطائفي؟ 

مصر لم يكن فيها إطلاقا حتى اليوم عنف طائفي، وإنما ابتدع في زمن الإخوان ، وأيام محمد مرسي على وجه التحديد، أول حادثة يقتل فيها رجل شيعي وأسرته كانت في عهد الإخوان.

*وزارة الثقافة هل تقوم بدورها فى محاربة التطرف؟

كنا نحتفل منذ أيام بمرور 60 عاما على إنشاء وزارة الثقافة، التي أنشئت سنة 1958 وأول وزير كان ثروت عكاشة، وقد تولاها بناء على تعليمات من جمال عبد الناصر، وكان عبد الناصر يشاركه في التوجيه، وذلك الكلام موجود في مذكرات ثروت عكاشة، ونشرت منذ زمن وذلك الكلام يشير إلى أن عبد الناصر كان يقول لثروت عكاشة: إن القلم في أهمية المدفع وكان ناصر يقول لعكاشة: إن الثقافة جزء أساسي من عملية التنمية. 

*لكن ما نراه الآن أنه ككل مؤسسات الدولة وزارة الثقافة تضم عاملين إخوان كثر، أيضا تعاني من البيروقراطية الموجودة في كل المؤسسات؟

حلها يجب أن يكون حلا جذريا، أنا شخصيا كان رأيي أن نفعل بالضبط ما قام به عبد الناصر بعد هزيمة 1967، عندما أحضر الخبراء العسكريين على أعلى مستوى، وسأل ماذا نفعل فى الفترة المقبلة حتى نخرج من دائرة الهزيمة، فأحدهم وهو الفريق عبد المنعم رياض قال له يجب أن نحضر عساكر مؤهلات متعلمة حتى يستوعبوا الأسلحة الحديثة، وحتى يحضر الأسلحة الحديثة فكان يجب أن تكون العقليات التي ستستخدمها عقليات مستنيرة ، ذلك العسكري المصري الذي تغيرت نوعيته هو الذي نفذ انتصار أكتوبر 
أنا شخصيا قدمت مشروعا واتفقت عليه مع بعض السفارات أن ننشئ في أكاديمية الفنون معهد الإدارة الثقافية من يتخرج منه يعين مباشرة في وزارة الثقافة، ومع الوقت سوف نجد أن هناك إحلالا بعقليات جديدة
قرأت مؤخرا مذكرات ثروت عكاشة وأهم ما كان يشتكي منه ثروت عكاشة أن العاملين في وزارة الثقافة يجهلون آلية العمل الصحيح فيها ، عكاشة كان يريد أناسا فاهمة 

*الرئيس في آخر خطاباته تكلم عن فكرة الوعي والفهم والإدراك؟ 

ذلك تقوم به مجموعة من الوزارات، وهو مقترح، وسوف أعيده عشرات المرات، أن يكون لدينا ميزانية لمجموعة تسمى المجموعة التثقيفية، وتلك التي يعنيها أو يقع في نطاق أعمالها الوعي المصري، تضم من بينها وزير الشباب، ووزير التربية والتعليم، ووزير الإعلام، وهنا أطالب بعودة وزارة الإعلام، ووزير التعليم، ووزير التعليم العالي ووزير الشئون الاجتماعية، معهم أيضا وزارة الأوقاف، مهمة هذه المجموعة تقديم استراتيجية ثقافية للدولة؛ من أجل تغيير وعي الإنسان المصري، ويكون بها وزير الصحة، لأن العقل السليم فى الجسم السليم.

نشر في مجة الهلال عدد فبراير 2022