الثلاثاء 30 ابريل 2024

د. جابر عصفور رائد التنوير العربي

الدكتور حسين عبد البصير

ثقافة11-2-2022 | 18:28

د. حسين عبد البصير - مدير متحف الآثار- مكتبة الإسكندرية

يعد العالم الجليل والناقد الكبير والكاتب والمفكر والباحث والأكاديمي المصري البارز والمثقف الرائد الدكتور جابر أحمد عصفور رائد التنوير في مصر والعالم العربي، وُلد الدكتور جابر عصفور في المحلة الكبرى في 25 مارس 1944، وكان "زعيم شلة المحلة الكبرى الثقافية" المكونة من عدد كبير من المثقفين مثل الدكتور نصر حامد أبو زيد، والكاتب الكبير سعيد الكفراوي، والكاتب الكبير الدكتور محمد المنسي قنديل، والشاعر المبدع محمد صالح، والكاتب الكبير جار النبي الحلو وغيرهم. 

 

حصل الدكتور جابر عصفور على درجة الليسانس في اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، ثم عُين مدرسًا في إحدى المدارس الحكومية، وكان يستمع لإحدى خطب الرئيس جمال عبد الناصر، والتي كان يتحدث فيها عن العدالة، فكتب آنذاك خطابًا للرئيس يشكو له فيه من الظلم الذي تعرض له، وعدم تعيينه معيدًا في الجامعة، فعُين معيدًا في جامعة القاهرة بقرار من الرئيس، ثم حصل على درجة الماجستير في اللغة العربية في جامعة القاهرة بتقدير ممتاز في عام 1969، ثم حصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية في جامعة القاهرة بتقدير ممتاز بمرتبة الشرف الأولى في عام 1973، ثم عمل أستاذًا مساعدًا زائرًا للأدب العربي بجامعة ويسكونسن - ماديسون الأمريكية لمدة عام، وأستاذًا مساعدًا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة في 1978، وأستاذًا زائرًا للنقد العربي بجامعة استوكهولم بالسويد لأقل من عام. 
وعُين عصفور أستاذًا للنقد الأدبي بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة سنة 1983، وعمل أستاذًا معارًا ثم عميدًا مساعدًا بكلية الآداب بجامعة الكويت لخمس سنوات، وترأس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة لعدة سنوات، وثم أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة في مصر من 1993 إلى 2007، وتعد أطول فترة لأمين عام المجلس الأعلى للثقافة، وأسس المركز القومي للترجمة، ثم صار مديرًا له، وعمل أستاذًا زائرًا للنقد العربي بجامعة هارفارد الأمريكية عام 1995، ثم صار وزيرًا للثقافة 31 يناير 2011، واستقال بعد عشرة أيام من توليه المنصب، ثم صار وزيرًا للثقافة للمرة الثانية من يونيو 2014 إلى نهاية فبراير 2015. 
خليفة طه حسين
منذ أن قرأ الدكتور كتاب "الأيام" سيرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وهو يتخذه قدوة ونبراسًا ومثلاً أعلى، فكان جابر عصفور، كما كان يحب أن يطلق عليه دون أية ألقاب مثله مثل أستاذه طه حسين، تلميذًا نجيبًا لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ولتلميذة العميد الدكتورة سهير القلماوي، ومع الوقت صار الدكتور جابر عصفور القامة والقيمة والرمز الكبير في حياتنا الثقافية، تنير آراؤه ومقالاته سماء الصحف والمجلات المصرية والعربية مثل الأهرام والحياة اللندنية ومجلة العربي الكويتية وغيرها، وأضاء سماوات الجامعات في مصر والعالم العربي والعالم كله. 


وكان عضو الهيئة الاستشارية لمشروع كتاب في جريدة، وعضوًا في لجان جوائز الدولة التشجيعية من مصر، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة سلطان بن علي  العويس الثقافية بالإمارات، وكان رئيس تحرير مجلة فصول النقدية الراسخة، وكان عضو هيئة تحرير مجلة قضايا وشهادات، وكان مستشار تحرير مجلات فصول، والمهد، وألف، وعالم الفكر، ومجلة الحداثة، ومجلات كلية الآداب بجامعات صنعاء واليرموك والكويت وبغداد والرياض والإمارات. 
وكان عصفور عضو المجلس القومي للمرأة بمصر، وكان مقرر لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس، وكان عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة، والمكتب التنفيذي بالمجلس القومي للمرأة، ولجنة الآداب والدراسات اللغوية بمكتبة الإسكندرية، وعضو الجمعية الأدبية المصرية بالقاهرة، واتحاد كتاب مصر، ومجلس إدارة جمعية النقاد بالقاهرة، وسكرتير عام الرابطة المصرية لاتحاد كتاب آسيا وأفريقيا بالقاهرة. 
وشارك في عشرات من المؤتمرات والندوات التخصصية داخل وخارج الوطن العربي مثل مؤتمر الدراسات العربية بالولايات المتحدة الأمريكية، ومؤتمر طه حسين بجامعة القاهرة، ومؤتمر حافظ وشوقي بوزارة الثقافة المصرية، وندوة علم النص بتونس، والندوة الدولية لذكرى طه حسين العاشرة في مدريد، وشعر الشابي في تونس، والعديد من المؤتمرات النقدية والأدبية في العواصم العربية المختلفة وجامعات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
مؤلفات رائد التنوير
ترك الدكتور جابر عصفور إرثًا إبداعيًا وإنجازًا ثقافيًا فريدًا من المؤلفات العديدة "الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي"، و"مفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي" و"المرايا المتجاورة: دراسة في نقد طه حسين"، و"الإحيائية والإحيائيون"، و"قراءة التراث النقدي"، "التنوير يواجه الإظلام"، و"محنة التنوير"، و"دفاعًا عن التنوير" "هوامش على دفاتر التنوير"، و"إضاءات"، و"أنوار العقل"، و"آفاق العصر"، و"زمن الرواية"، "أوراق ثقافية"، و"النقد الأدبي والهوية الثقافية". وتعد من بين بحوثه ومقالاته العلمية المهمة المؤلفة والمترجمة "الصورة الشعرية"، "ستيفن أولمان: الأسلوب والشخصية"، و"نظرية الفن عند الفارابي"، و"موريس بورا: الخيال البدائي"، و"قراءة أولية في أدونيس"، و"لوسيان جولدمان: علم اجتماع الأدب"، و"نقاد نجيب محفوظ"، و"النظريات الأدبية المعاصرة"، و"شعراء السبعينيات في مصر"، و"جاد دريدا: البنية والعلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية"، و"أبو حيان التوحيدي بعد ألف عام". وتعد من بين كتبه المترجمة المهمة "عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو"، و"الماركسية والنقد الأدبي"، و"اتجاهات النقد المعاصر"، و"النظرية الأدبية المعاصرة". 
الجوائز والتكريمات
 حصل على العديد من الجوائز والتكريمات في مصر وخارجها مثل جائزة أفضل كتاب للدراسة النقدية من وزارة الثقافة المصرية، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الأدبية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة أفضل كتاب في الدراسات الإنسانية من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس، وجائزة سلطان بن علي العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد، ودرع رابطة المرأة العربية، وجائزة القذافي العالمية، وجائزة النيل المصرية.
ويعد الدكتور جابر عصفور هو الذي عرف المثقفين العرب بمصر بعمق، وهو الذي عرف مصر بالمثقفين العرب بعمق، ومزج ذلك بتناغم عبقري مدهش، وجمع المثقفين العرب قبل المصريين في المجلس الأعلى للثقافة، وأحدث ثورة ونهضة ثقافية لم تحدث في مصر والعالم العربي من قبل، وأنشأ جائرة الرواية العربية، وأنشأ جائزة التفوق، وضاعف قيمة جوائز الدولة، وكان الأب والأستاذ والمعلم والواجهة الثقافية الكبرى لنا جميعًا.
وينتشر تلاميذه في كل مكان في مصر والعالم العربي والعالم كله، ومعارك التنوير التي خاضها الدكتور جابر عصفور كثيرة للغاية، وكان مدافعًا عن الحق والحرية والإبداع وعاشقًا للجمال، وكان يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وكان يحارب خفافيش الظلام ويقلق مضاجعهم بآرائه ومقالاته وكتبه ولقاءاته ومؤتمراته التي تدافع عن العلم والتنوير والتدين الصحيح، وأذكر أنه قال في إحدى ندواته في معرض القاهرة الدولى للكتاب: "إن أي مشروع نهضة حقيقي لا يخلو من وجود الدين كقيمة ضرورية لإنجاح أي مشروع نهضوي"، فضجت القاعة كلها بالتصفيق الحاد لمدة طويلة تحية له. لقد صار د. جابر عصفور السلطة الثقافية الكبرى في مصر والعالم العربي.  
وكانت آخر مرة أتحدث فيها مع أستاذنا الدكتور جابر عصفور عندما كنت أستاذًا زائرًا للآثار المصرية في جامعة أريزونا، وقصدني أستاذي العظيم في نفس الجامعة الدكتور عادل جمال أن يرسل معي عند سفري إلى القاهرة دواءً معينًا كان الدكتور جابر في أشد الحاجة إليه، فرحبت بكل سرور، وحملت الدواء إلى أستاذي الجليل في بيته في شارع مصدق في الدقي، وكم سعدت بلقاء أستاذي العظيم، وكم شكرني بشدة، وكان متواضعًا ومبتسمًا ومتفائلاً للغاية، وكنت ألتقي مع الدكتور عصفور في حضرة الراحل الكبير الدكتور نصر حامد أبو زيد، ومن بعده، الكاتب الكبير الأستاذ سعيد الكفراوي، أبناء المحلة الكبرى العظام.
رحيل رائد التنوير
لم يرض العام 2021 إلا أن يصدمنا في نهايته برحيل عالمنا الجليل وناقدنا الرائد وشيخنا العظيم الدكتور جابر عصفور في يوم الجمعة 31 ديسمبر عام 2021 وفي آخر يوم من العام الميلادي في القاهرة بعد تعرضه لوعكة صحية دخل على أثرها الرعاية المركزية، في مستشفى قصر العيني، وكان قد تعرض لوعكة صحية مماثلة، خلال شهر أكتوبر من العام نفسه، وأمضى عدة أيام بالمستشفى قبل أن يغادرها بعد استقرار حالته الصحية. 
لقد صلى المصريون على جثمان أستاذنا الدكتور جابر عصفور في مسجد صلاح الدين بالمنيل، وصلوا أيضًا في نفس صلاة الجنازة على امرأة، ومن المعروف أن الدكتور جابر كان يناصر المرأة المصرية والعربية دومًا وأبدًا؛ إذ كان عضوًا بالمجلس القومي للمرأة بمصر؛ وكان أيضًا مقرر لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس، وقال إمام المسجد الأزهري كلمات طيبة في حق أستاذنا العظيم مما ينفي الخلاف الذي زعم وجوده البعض بين أستاذنا القدير ومؤسسة الأزهر الشريف، ثم خرجت جنازة أستاذنا إلى جامعة القاهرة التي تعلم فيها وكان أستاذًا لامعًا بها، ثم تم دفن الجثمان الطاهر. 
لقد أحسنت جامعة القاهرة بإطلاق اسم الدكتور جابر عصفور على أكبر مدرج بكلية الآداب في الجامعة تقديرًا منها لدوره الرائد واسمه الكبير واسهامه العظيم باعتباره واحدًا من القامات العلمية الكبرى في تاريخ الجامعة التي تأتي في الأهمية بعد اسم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأحد أهم النقاد والمفكرين في مصر والعالم العربي على طول امتداده، وهو صاحب المدرسة العلمية والفكرية والأدبية والنقدية الفريدة في العطاء الأدبي والدرس النقدي والعقلانية والعمل التنفيذي في مصر والعالم العربي، والتي لا تكرر كثيرًا. 
لقد كانت معركة الدكتور جابر عصفور هي معركة مصر والعالم العربي والإسلامي وهي معركة الحق في مواجهة الظلم، ومعركة اليقين في مواجهة الجهل، ومعركة النور في مواجهة الظلام، ومعركة العقل في مواجهة التخلف، ومعركة التحرر في مواجهة العبودية، ومعركة العلم في مواجهة الخرافة، وهي معركة مصر والعالم كله في مواجهة الإرهاب وطيور الظلام والتخلف والقهر والفقر دومًا وأبدًا. 
لقد جدد الدكتور جابر عصفور الفكر العربي في الثلاثين عامًا الماضية، خصوصًا عندما تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة، ونجح في ذلك كثيرًا وردم الهوة التي كانت شاسعة بين المثقفين والدولة، ووفق في تجربته في كل المناصب التي تولاها وكانت تنير بشدة مما جعل الكثير من المؤسسات الثقافية في العالم العربي تقلد تجربته وتستعين به، كان يحارب طيور الظلام وشيوخ الفتنة والإرهاب بقلمه وعلمه وثقافته، وأدار الدكتور الثقافة المصرية والعربية بنجاح منقطع النظير في فترة من أكثر الفترات حساسية في تاريخنا المعاصر. 
لقد أثرى الناقد والمفكر الكبير الدكتور جابر عصفور الثقافة المصرية والعربية في كل مراحلها الثقافية وبعث روحها من جديد بما أنجزه من مشروعات ثقافية رائدة في مجالات النقد والترجمة وإدارة الثقافة، لقد آمن بقدرة وعظمة وريادة مصر والعرب، وسار على درب أساتذته العظماء من رواد التنوير، وفتح آفاق المعرفة لمصر والعرب والعالم أجمع. 
رحم الله أستاذنا وعالمنا الجليل وناقدنا الكبير الدكتور جابر عصفور رائد التنوير في مصر والعالم العربي.

مراجعة. حسين محمد .. الاحد 16 – 1 – 2022
أشرف


نشر في مجة الهلال عدد فبراير 2022

Dr.Randa
Dr.Radwa