كشف مسئولون أمريكيون لوكالة بلومبرج للأنباء أن الصين تراقب استجابة الولايات المتحدة للأزمة الأوكرانية كمقياس لرد فعلها على أي إجراء صيني في "توتر" تايوان.
وتعتبر بكين تايوان جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وتتوعد بإعادة ضمها في المستقبل ولو بالقوة إذا لزم الأمر. وفي السنوات الأخيرة، شكّل مصير تايوان التي تدعمها أمريكا، مصدر توتر بين بكين وواشنطن.
وأوضح المسئولون الذين لم تكشف بلومبرج عن هويتهم أن قرار وزير الخارجية أنتوني بلينكن المضي قدماً في خطط زيارة أستراليا لمحادثات مع حلفاء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على الرغم من تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، جاء مدفوعا بمسألتين. وذكرت أن المسألة الأولى هي التأكيد على أن جهود الإدارة الأمريكية لإعادة توجيه سياساتها تجاه آسيا لن تردعها حتى احتمالات نشوب حرب في أوروبا.
والمسألة الثانية هي التأكيد على أن المصالح الأمنية الأمريكية طويلة المدى في المحيطين الهندي والهادئ، حيث سعت واشنطن إلى تعزيز تحالفات جديدة هناك، مرتبطة أيضاً بمدى فاعلية استجابتها للأزمات في أماكن أخرى، بحسب بلومبرج. وقال بلينكن في مؤتمر صحفي في ملبورن بعد لقاء نظرائه من أستراليا والهند واليابان "يراقب آخرون، ويتطلع آخرون إلينا جميعاً، ليروا كيف نستجيب"، دون الإشارة إلى الصين.
وأمرت رئيسة تايوان تساي إنج وين حكومتها بمراقبة الوضع في أوكرانيا وتأثيره المحتمل على أمن الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي والتي تطالب بها بكين، ولكنها عززتها مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة. وبعد إجراءات بكين لتشديد السيطرة على هونج كونج خلال العامين الماضيين، شهدت تايوان زيادة في عدد الطلعات الجوية العسكرية الصينية التي تخترق منطقة الدفاع الجوي الخاصة بها.
وبحسب بلومبرج ينظر الكثيرون في واشنطن الآن إلى الجزيرة على أنها الهدف التالي لبكين في السنوات المقبلة.
وقال المسئولون الأمريكيون لبلومبرج إنهم يعتقدون أن حكومة شي تدرس مدى تماسك حلف شمال الأطلسي /الناتو/ في الوقت الذي يسعى فيه إلى صد حشد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية.
وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال إنه لا ينوي غزو أوكرانيا، إلّا أن المواجهة ظهرت كأكبر أزمة تواجه الحلف منذ صراع البلقان في التسعينيات.
وبرزت بعض التصدّعات في الوحدة الأمريكية الأوروبية حول نطاق العقوبات التي يجب أن تُفرض على روسيا إذا قامت بغزو أوكرانيا، أو شنَّت ما هو أقل من الحرب لزعزعة استقرار أوكرانيا أو تقويضها بأي شكل آخر. لكن الحلف حشد قواه في أوروبا الشرقية ليظهر كجبهة موحدة.
ولهذا الجانب من الأزمة أهمية خاصة في بكين، بالنظر إلى الجهود الأمريكية لتعزيز الكتلة الرباعية للولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا بالإضافة إلى اتفاقاية "أوكوس"، وهي شراكة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
وتريد الولايات المتحدة أيضاً التأكد من أن بكين وغيرها من المنافسين لا يرون الانسحاب الفوضوي العام الماضي من أفغانستان كنموذج أكثر ملاءمة لكيفية استجابة الولايات المتحدة في أي أزمة مستقبلية.
ونقلت بلومبرج عن مسئول أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تراجع عن كثب بياناً مشتركاً يتكون من أكثر من خمسة آلاف كلمة أصدره الرئيسان الصيني والروسي الأسبوع الماضي بعد لقائهما، على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. ولطالما كان لموسكو وبكين مصالح متداخلة، لكنها كانت علاقة مصلحة أكثر من شراكة حقيقية.
ومع ذلك، قال أحد المسئولين إن الوثيقة التي أشادت بالتحالف بين البلدين "دون مناطق محظورة"، تمثل دعوة لكل دولة لإنشاء مناطق نفوذ في مناطقها.
ومع ذلك اعتبرت بلومبرج أن تركيز سياسة الولايات المتحدة على قضايا مختلفة لن يكون مهمة سهلة، فحتى أثناء قيام بلينكن برحلته إلى المحيط الهادئ هذا الأسبوع، تلقى مكالمات من نظرائه الأجانب ومسئولي الأمن القومي في واشنطن حول الوضع في أوكرانيا.
وقال بلينكن للصحفيين على متن رحلة جوية هذا الأسبوع بين ساموا الأمريكية وملبورن "من الواضح أن هناك قدراً هائلاً من التركيز على ما يحدث في أوروبا، ولا سيما التعزيز المستمر للقوات الروسية بالقرب من أوكرانيا ...
هذا لا يزال في الصدارة فيما نقوم به، وفي الواقع هذا ما أواصل القيام به حتى أثناء توجهنا إلى أستراليا". وذكر أحد المسئولين لبلومبرج أن واشنطن تدرك جيداً أن الأحداث في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، غالباً ما تعرقل جهود الولايات المتحدة لتركيز المزيد من الاهتمام على آسيا، وهم مصممون على عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى.