الجمعة 10 مايو 2024

ذكرى وفاته شيخ الصحفيين.. أبرز أعمال فكري أباظة

شيخ الصحفيين مع كوكب الشرق

ثقافة14-2-2022 | 18:41

عبدالله مسعد

تحل اليوم الأحد 14 فبراير، ذكرى وفاة الكاتب الصحفي فكري أباظة، فهو من أهم الصحفيين والكتاب والأدباء في تاريخ مصر، ولقب بشيخ الصحفيين، فهو شخصية عملاقة لن ينساها التاريخ‏،‏ فقد كان يجمع بين العديد من المزايا والمواهب في فرد واحد‏،‏ فهو المحامي الناجح الذي شهدته أروقة المحاكم‏، وهو يصول ويجول دفاعًا عن الحق، وهو الصحفي الرائد صاحب المقالات النارية المثيرة للقضايا المهمة والمعارضة للفساد والاحتلال، وعلامة فارقة فى مؤسسة دار الهلال، والمتحدث الإذاعي اللبق المستحوذ علي آذان المستمع واهتمامه خلال أحاديثه التي كان ينتظرها الناس مثل حفلات أم كلثوم.

ولن ينسي التاريخ أيضًا فكري أباظة، عضو البرلمان الجسور الذي كان صوته داخل البرلمان مثل زئير الأسد يدافع عن قضايا أمته ويستجوب الوزراء لمعرفة الحقائق وكشف التجاوزات وتعميق الديمقراطية.

وفي عام 1896 ولد فكري أباظة في قرية كفر أبو شحاتة التابعة لمركز منيا القمح، وكان والده هو المرحوم حسين بك أباظة الذي تخرج من الأزهر، وكان من المقرر أن يتلقي فكري أباظة فيه تعليمة لولا أن والده فضل أن يرسله مع شقيقيه فؤاد وعثمان أباظة لتلقي العلم في مدراس القاهرة، وينتمي فكري أباظة للعائلة الأباظية التي تعد من أعرق العائلات في تاريخ مصر والتي أنجبت عدة شخصيات في مختلف فروع العلم والأدب والشعر والفن منهم: الشاعر عزيز أباظة وأديب مصر الكبير ثروت أباظة والفنان رشدي أباظة، وهذه العائلة من القبائل العربية التي نزحت إلي مصر مع الفتح الإسلامي واستقرت بجوار مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في منطقة تسمي بقرية العائد.

وفي فبراير عام 1915 كان فكري أباظة ضمن طلبة الحقوق الذين تم فصلهم وذلك بسبب امتناعهم عن استقبال السلطان حسين كامل احتجاجا علي إعلان الحماية البريطانية ومهادنة الخديوي للإحتلال، ومن بين الذين فصلوا من الطلاب مع فكري أباظة حسن الهضيبي، المرشد السابق للإخوان المسلمين وأحمد مرسي بدر وصبري أبوعلم ويوسف الجندي.

وفي 1919 شارك فكري اباظة في الثورة خطيبا وصحفيا وقائدا للثوار، وكان وقت نشوب الثورة متواجدا في مدينة أسيوط وخطب في أكبر كنائسها وألف نشيدا قوميا وقتها تغني به المسلمون والأقباط، وطلبت السلطات البريطانية القبض عليه، ولكنه تنكر وأدعي أنه تاجر حمير، وسافر للقاهرة في قطار يحمل مهمات لقوات الاحتلال.

بدأ حياته الصحفية فى جريدة المؤيد ومنها الى جريدة الأهرام ثم مجلة المصور 1924 التى أصبح رئيسا لتحريرها عام 1926 لمدة تصل لأكثر من ثلاثين عاما، نشر خلالها اكثر من 5500 مقالة صحفية تنوعت ما بين القضايا السياسية والاجتماعية والكتابة الجادة والساخرة والكتابة العادية والكتابة الأدبية.

واتصف فكري أباظة كمحام وصحفي وبرلماني وإذاعي بأسلوب ساخر عميق؛ ولهذا أطلق عليه اسم الضاحك الباكي، حتي أنه أطلق هذا الاسم علي أول مؤلف له عن أدب الثورة، وقد ترجم على صفحاته أدق أحاسيسه الوطنية والعاطفية، وقد طبع الكتاب أكثر من مرة ونفذ من السوق في كل مرة.

ويحكي فكري أباظة بأسلوب الضاحك ـ الباكي عن لحظة مولده فيقول: أنه نزل من بطن أمه ليس ككل الأطفال الطبيعيين فقد كان وزنه ثقيلا ذا حواجب كثيفة ولم يبك مثل الأطفال ولهذا ظن والده أنه ولد ميتا وجاءوا بشوكة نخلة لكي يجبروه علي البكاء ولكن هيهات فقد أصر الطفل وقتها علي عدم البكاء.

كما كان لاعبا فى النادى الاهلى ثم انتخب رئيسا شرفيا له ثم انتخب نقيبا للصحفيين وانعم عليه الملك فاروق برتبة الباشوية عام 1950 ليصبح اول نقيب يحمل لقب باشا.

كتب مقالا فى الستينات 1961 ينتقد الأوضاع الاقتصادية فى المجتمع بعنوان (الحالة ج ) كانت سببا فى إعفائه من الكتابة واعتزاله الصحافة وكان رئيسا لمجلس ادارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور. إلا أنه كتب اعتذارا عما كتب ونشرته الصحف وصدر الإعفاء لكنه لم يعود إلى مؤسسته.

وفي عام 1923 بدأ فكري أباظة مشواره البرلماني الحافل عندما وقف أمام البرلمان المصري كعضو عن دائرة منيا القمح محافظة الشرقية وكان معه عمالقة بحق من الأعضاء في كافة الاتجاهات ومنهم زعيم مصر سعد زغلول باشا وحسين رشدي باشا ومحمد فتح الله بركات باشا وحمد الباسل باشا ومحمد محمود باشا وطلعت حرب بك وعبدالفتاح يحيي باشا.

ويحكي الكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين عن تجربة النائب المحترم والقوي فكري أباظة في البرلمان بقوله: كان فكري أباظة أحد نجوم البرلمان المصري.. كان خطيبا رائعا ومحدثا ممتازا ومقاطعا ذكيا ومعارضا خفيف الدم.. سهامه كانت تجرح الحكام ولا تسيل دماءهم.. والكلمات تصيب كأنها طلقات الرصاص ولكنها لا تقتلهم.. مكثت عضوا في مجلس النواب المصري خمس سنوات معه.. وكان مقعدي وراء مقعده.. وكنت اسمعه يتكلم فيطربني وكأنه يغني.. كان يستطيع أن ينتزع التصفيق من الذين يهاجمهم.. فقد كانوا يعلمون أنه رجل مؤمن بما يقول.. لا يريد لنفسه منصبا أو جاها أو مالا.. وكان هذا سر قوته.

ويضيف مصطفي أمين: لقد كان حزب فكري أباظة -الحزب الوطني- لا يزيد أعضاؤه في البرلمان عن ثلاثة أو أربعة.. ومع ذلك إذا تكلم أحسست أن وراءه أغلبية وشعرت أنه لا يتكلم بلسان النواب الأربعة.. وانما بلسان مصر كلها.. وقد رشح نفسه نائبا في أول انتخابات برلمانية عام4291 علي مبادئ الحزب الوطني واكتسحه مرشح سعد زغلول علي الرغم أن الأسرة الأباظية كلها تكتلت لتأييده.

لقد قضي فكري أباظة أكثر من52 عاما كنائب عن دائرته منيا القمح يسأل الوزراء ويطلب الإحاطة ويستجوب ويقدم الاقتراحات في كافة الشئون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويهاجم تشرشل والمندوب السامي وحاكم السودان العام ومفتش الجيش المصري الإنجليزي ويهاجم الانحراف والفساد ويدافع عن استقلال الجامعة ويطالب بتوفير القوت للشعب ويتبني مشاكل الفلاحين والعمال وعندما يشعر بأن هناك من يحاول الاعتداء علي حرية الصحافة ينبري كالأسد ليدافع عنها بكل قوته وطالب بإغلاق المعتقلات ولم يترك قضية من قضايا الوطن إلا ودافع عنها كفارس لا تلين عريكته.

وفي عام 1939 اندلعت في مصر حملة إعلامية ونقدية ضد الدكتور طه حسين فور صدور كتابه الأدب الجاهلي وكان طه حسين وقتها يعمل عميدا لكلية الآداب جامعة القاهرة واتهم المعارضون عميد الأدب العربي بالكفر والإلحاد والزندقة وطالبوا بطرده من الجامعة حماية له كما زعموا لشباب الجامعة ووقتها وقف فكري أباظة ليدافع عن طه حسين وليحمي الجامعة من دعاة التزمت والإنغلاق ونجح فكري أباظة في هذه الحملة المؤيدة لطه حسين.

ويتواصل تألق فكري أباظة تحت البرلمان ويلفت الأنظار إليه في كل أرجاء مصر مما دفع أمير الشعراء أحمد شوقي لينظم قصيدة يقول فيها:
ابني أباظة إن رافع بيتكم
جعل المكارم فيه والإحسانا
فكري أذقت القوم عفو بلاغة
وأزرفت محضا للنهي ولبابا
من كل فاكهة وكل فكاهة
هيأت نقلا واتخذت شرابا
ما زلت تنثر كل طيبة الشذي
حتي جمعت من الزهور كتابا

كان أباظة صاحب مبدأ في الصحافة يقول: من لا يستطيع أن يساعد نفسه بنفسه لن يستطيع أي إنسان أن يساعده مهما كانت سلطاته وفى كل الأحوال لن يتبقى من الصحفي إلا ما وقع عليه باسمه فإما أن يكون له أو عليه.

كان يقول عن نفسه: لم أكن أبدا عدوا للمرأة كما قالوا عني، وكل ما في الأمر أني حاولت الزواج 12 مرة، وفشلت وفسخ العلاقة لم يكن من طرفي، وكانت النتيجة أن عشت بمفردي وأنا لي رؤية في الحب (قالوا لي أنت بتحب قلت عقبالكم، الحب مش عيب وأنتم يا غجر مالكم). 

وعن الحب كتب يقول: أصبح الحب تاريخًا في خبر كان من عهد أن تبادل المحبون العواطف بالتليفون بعد الرسائل الرائعة التي كنا نصب فيها مشاعرنا الحقيقية وليست الكلام المعسول وكانت القلوب فيما مضى صالحة للحب، كان هناك خير ورزق وروقان بال، أما وقد خلفت الحروب الفقر واللهفة على لقمة العيش والأنانية والسعي على طريقة اخطف وأجري فقد اندحر الحب ولم يعد له مكانًا في القلوب.

Dr.Radwa
Egypt Air