الإثنين 29 ابريل 2024

«رحلاتي مع أوبر» .. قصص تحكي عادات وثقافات الشعوب حول العالم

رحلاتي مع أوبر

ثقافة21-2-2022 | 20:23

دعاء برعي

يغوص أدب الرحلات في التفاصيل، يرصد ملامح وأبعاد المكان، يكشف العمق التاريخي، ويرى انعكاساته على الإنسان، فكتّابه يتتبعون حركة الحياة في هذه المدينة أو تلك؛ بحثًا عن جمالياتها الحضارية والثقافية والاجتماعية الشعبية ومفرداتها الأكثر أصالة، إنهم يبحثون عن الفرادة، لذا تشكل كتاباتهم أدبًا له سرده الفني والجمالي ولغته وأسلوبه الشيق، وهو الأمر الذي جعل كتابات الرحالة القدامى سواء عربيًا أو غربيًا لا تزال تطبع وتقرأ حتى اليوم.

ويرصد الكاتب فادي زويل الذي يعمل في هندسة الحاسب الآلي وإدارة الأعمال عادات وثقافات الشعوب المختلفة من خلال 22 رحلة له مع "أوبر" حول العالم؛ خاضها لإنجاز مهام عمله التي حتمت عليه السفر سواء في رحلات داخلية بالولايات المتحدة الأمريكية، أو دولية بين 2017 و2020. ويأتي ما أثار انتباه الكاتب في لقائاته وحواراته مع سائقي "أوبر" من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة ومركبة خلال هذه السنوات؛ هو أحد أهم دوافعه لكتابة هذا الكتاب، الذي يأتي ضمن أكثر الكتب مبيعًا للدار المصرية اللبنانية هذا العام.

رحلات الكاتب الذي زار ما يقرب من ثلاثين دولة قبل أن يستقر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشرة أعوام تقريبًا، في كتابه "رحلاتي مع أوبر" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب2022  مليئة بالمواقف والقصص الممتعة والمشوقة التي نستعرض بعضًا منها هنا، ويصطحبنا خلالها لاستكشاف أبرز ما تشتهر به الدول من علوم وثقافات وأجواء مناخية تميزها عن الأخرى، أو ترتب مكانتها لدى من يهاجرون إليها وتأقلمهم معها، مقارنة بمثلايتها من الدول حول العالم.

وفي هذا السياق يُلقي زويل الضوء على أنه لا يوجد مكان أو ثقافة مثالية وخالية من المشكلات الاجتماعية التي تؤثر على من يعيش فيها، خاصة بعد رؤيته للكثيرين ممن يبذلون الغالي والرخيص للهجرة إلى الغرب، ظنًا منهم أن ذلك يوفر لهم وسائل الحياة المريحة والسهلة التي عجزوا عن تحقيقها في بلادهم الأم، متناسين أن انتقالهم إلى مجتمع جديد له عاداته وتقاليده المختلفة، وله مساوئه وعيوبه التي قد يستطيعون أو لا يستطيعون التأقلم معها وفق الكاتب الذي يشير في مقدمة كتابه أيضًا إلى المزج الغريب بين الثقافات في سلوكيات الأشخاص الذي تعرّف عليهم سواء من أصول هندية أو صينية أو عربية، وعاشوا في المجتمع الغربي متأثرين بالثقافة الغربية في الشارع، والمدرسة، والعمل، ومتصلين بالحضارة الشرقية داخل المنزل، وكيف أن مقاومة المهاجرين للعادات والثقافات القادمة من المجتمعات المحيطة بهم، وغرس ثقافة الاختلاف عن هذه المجتمعات في أبنائهم، وتقديم صورة أن الثقافة الصحيحة التي يجب اتباعها فقط لبلدهم الأم، قد تخلق مشكلة حقيقية لدى الأبناء عند اصطدامهم بالعادات والتقاليد السيئة في البلد الأم، والتي صورها الأباء كمجتمع مثالي ونموذج يحتذى به.

وتأتي أولى جولات زويل التي يأخذنا فيها بتاريخ مايو 2017 إلى مدينة سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث المناخ الذي يدعو للاكتئاب بسبب ندرة سطوع الشمس، وعادات أهل المدينة المثيرة للدهشة، وحديث سائق "أوبر" الإفريقي ذي البشرة السوداء عن تناول الكثير من أهلها حبوب الاكتئاب للتغلب على غياب الشمس معظم أوقات السنة، وزيادة نسبة معدلات الطلاق والانتحار فيها، وإفصاحه عن الرحيل وأسرته من هذه المدينة بعد أن بدأ مؤخرًا في أخذ الحبوب المضادة للاكتئاب للتأقلم مع الطقس.

في هذا الصدد يقول الكاتب: "بدأنا الرحلة إلى المطار، نظرت من نافذة السيارة كانت الغيوم والسحب تملأ سماء سياتل المشهورة بأمطارها الغزيرة طوال العام وندرة سطوع الشمس فيها، أسماء الشركات التكنولوجية المشهورة معلقة على المباني الضخمة المنتشرة في أنحاء المدينة وعلى واجهتها البحرية، فالمدينة معروفة بأنها منشأ عملاقي التكنولوجيا المشهورين عالميًا؛ مايكروسفت وأمازون، تستطيع أن تلمح رسمة نبات الماريجوانا في أماكن متعددة، فبيع المخدر قانوني في ولاية واشنطن وهناك منافذ لبيعه في كل حي في المدينة طبقًا لقواعد محددة تنظم لعملية البيع والاستهلاك، في إحدى المرات أثناء تجولي عند الواجهة البحرية للمدينة وجدت كمًا هائلًا من عناصر البوليس المنتشرين في كل مكان بشكل مكثف ولافتات مرسوم عليها نبات الماريجوانا معلقة في أماكن متفرقة، اقتربت من أحدهم وسألتها ماذا يجري فأنا غريب عن المدينة. ابتسمت السيدة وقالت: إنه الموعد السنوي لمهرجان الحشيش".

التفرقة العنصرية

ولعل أبرز دوافع تدوين زويل لأحاديثه مع سائقي "أوبر" هو هذا الإفريقي الذي قص عليه سبب حبه للمصريين، ورأى أن المصري القديم هو رمز لسمو الجنس الإفريقي، أقام حضارة عريقة حول النيل ابتكرت العديد من العلوم، وساهمت في تطور البشرية ورقيها، حيث أشار السائق في حديثه عن مرارة التفرقة العنصرية ووجود أحياء لا تسمح بدخول السود إليها، وسكن ذي البشرة السوداء الأحياء الأكثر فقرًا وانتشارًا للجريمة في غالبية المدن الأمريكية.

ويعلق الكاتب قائلًا: "رأيت الكثير من مظاهر التفرقة عندما كنت مسئولًا عن إدارة بعض المشاريع في عدة دول في الشرق الأوسط، رأيت كيف أن راتب المصري يختلف عن راتب الفرنسي والإنجليزي والأمريكي، ودائمًا ما يكون ذوو الجنسية الغربية هم المفضلون لإدارة الأعمال والفوز بالصفقات الكبرى".

ويضيف: "وهنا في أمريكا، إن كان اسمك جون أو مايكل فاحتمال حصولك على وظيفة أكبر بكثير من أن يكون اسمك محمد أو أسامة أو أي اسم عربي آخر، وإن كان هناك قوانين تجرم التفرقة العنصرية والعرقية والدينية والجنسية ولكن في حقيقة الأمر إثبات حالات وقضايا التفرقة أمر صعب للغاية".

 

سائقة "أوبر" في القاهرة

ويسرد الكاتب من خلال رحلاته إلى القاهرة بتاريخ يوليو 2017 انطباعه عن سائقة "أوبر" قائلًا: "أعجبني منطق سائقة أوبر، فهي سيدة مكافحة تبذل كل إمكانياتها لتعليم ومساندة أولادها كمعظم سيدات مصر، لم تيأس وفضلت أن تشتغل وظيفة إضافية عن طلب المعونة من الآخرين، بل قررت أن تعمل في مهنة غير تقليدية لسيدة في المجتمع الشرقي، قررت أن تخاطر ولكنها مخاطرة مدروسة، يمكنها أن ترفض طلب التوصيل إذا أحست بالخطر، كما أن "أوبر" بالنسبة لها هي عمل إضافي وليس مصدر الدخل الأساسي لها ولأسرتها، لكنها لا بد وأن تتعايش مع أن هذه المهنة لا بد وأن تظل سرية لا يعلم عنها أحد ممن حولها والصدمة التي قد تحدث إن اكتشف أحدهم ذلك في يوم من الأيام. قامت بتربية أبنائها على الحرية في اختيار مستقبلهم المهني وساندت قراراتهم عاطفيًا وماديًا، لقد شرحت لي كيف أن الدراسة في مصر مكلفة للغاية للأسرة البسيطة وإن كان الشائع أنها مجانية ولكنها ليست كذلك، فبين الدروس والأدوات وأجهزة الكمبيوتر كلها أشياء مكلفة قد تقصم ظهر أسرة تعولها أم فقط، رفضت سائقة أوبر الاستسلام وقررت العمل أيام الأسبوع كاملة لتحقيق حلم أولادها، أملًا أن يكون لديهم مستقبل أفضل منها".

 

وعن سائق "أوبر" السوري الذي ترك سوريا هربًا من الحرب واختار المجيء إلى مصر يقول الكاتب: "كان باسل موفقًا في اختياره لمصر، فلم يكن هناك الكثير من الدول الأخرى التي قد تعطيه مثل تلك الفرصة للانخراط في المجتمع وأن يصبح عضوًا منتجًا بمثل هذه السرعة، لقد قمتُ بالتطوع عندما قامت الحرب السورية للمساعدة في توطين القليل من المهاجرين السوريين الذين سمحت إدارة أوباما باستقبالهم قبل أن يغلق ترامب هذا الباب تمامًا، وأتذكر جيدًا الإحساس بالضياع الذي ينتاب هذه الأسر عندما تصطدم بمجتمع لا تعرف لغته أو عاداته وتقاليده".

 

الانتماء

يسافر بنا "زويل" في كتابه إلى طوكيو باليابان بتاريخ مارس 2018 وتحت عنوان "الانتماء" يقول: "الثقافة اليابانية ثقافة مغلقة (وقد يكون هذا أحد العيوب التي لاحظتها) فلا تجد التحدث بالإنجليزية منتشرًا بين العامة في اليابان فهم شعب يعتز بلغته وثقافته؛ تبادل معي سائق التاكسي بعض كلمات الترحيب البسيطة وأعطيته العنوان الذي أرغب في الذهاب إليه، أدركت من كلامه البسيط أنه لا يجيد التحدث بالإنجليزية ولكنه يعرف القليل من العبارات، احترمت ذلك وآثرت السكوت".

ويضيف: "انتهت رحلتي وأخرجت بطاقتي الائتمانية ومررتها بالجهاز القارئ للبطاقات الائتمانية الموجود في المقعد الخلفي؛ ولكن لم تنجح عملية الدفع، استأذنني السائق أن يجرب في الجهاز الأمامي؛ نفس الشيء لم تمر العملية بنجاح. نظر إليّ السائق ثم أعطاني بطاقة الائتمان ثم قال: أنا آسف جدًا يبدو أن إشارة الاستقبال في جهاز الدفع ضعيفة ولا يمكن إتمام العملية، يمكنك الذهاب فأنا لا أريد أن أعطلك عن عملك أكثر من ذلك. لم أستوعب ما قاله الرجل وقلت: هل توجد ماكينة صرف نقود قريبة، سأقوم بسحب النقود منها وإعطائك الأجرة. أجابني بنبرة جادة: شكرًا لعرضك ولكن هذا خطأ منا هنا في دولة اليابان أنك لم تستطع إجراء عملية الدفع بنجاح من أول مرة، وأنا أتحمل نتيجة هذه التجربة المؤسفة ولا يمكن أن أقبل أن أعطلك عن عملك للبحث عن النقود؛ آسف مجددًا وأتمنى لك يومًا سعيدًا".

 

ويتابع: "ترجلت من السيارة وأنا في حالة ذهول، لقد قرر السائق ألا يأخذ أجرته كاعتذار عن عدم إتمام عملية الدفع التي تعتبر بالنسبة له فشلًا من جهته ومن دولته، وتجربة سيئة بالنسبة لسائح كان لا بد أن يمر بتجربة نموذجية أثناء تواجده في البلد. لقد مررت بتجارب مماثلة في ألمانيا وإسبانيا وعادة ما كانت تنتهي بالبحث عن ماكينة صراف آلي ودفع الحساب، لم يعتذر لي أحد عن إخفاق ألمانيا كدولة في إتمام عملية الدفع وأن هذا خطأ لا يغتفر تسبب عنه ضياع وقتي الثمين".

 

ميونخ

ويحكي لنا الكاتب عن رحلته في ميونخ بألمانيا بتاريخ مايو 2019، مع رشيد "سائق أوبر" من المغرب، حيث تحدث السائق عن بداية هجرته إلى فرنسا، وقلة فرصه فيها وعدم تأقلمه مع الشعب الفرنسي، ونسب البطالة العالية والبيروقراطية في القوانين التي كانت سببًا في انتقاله إلى ألمانيا، لتصدمه عادات وتقاليد الشعب الألماني وتحفظ مشاعره الذي وجد معه صعوبة في بناء صداقات أو علاقات طويلة الأمد، إضافة إلى حديثه عن التزام الألمان الشديد بالقواعد الذي جعل الاختيارات أمامه محدودة للغاية، وجعله يجد في الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية نمط حياة سريع ومجتمع متعدد الأعراق وفرص أكثر يبحث عنها، ويرى أن الكل متساوٍ في فرصته للنجاح وتحقيق هدفه فيها.

 يقول الكاتب: "أخذت أفكر في ما قاله لي رشيد عن رغبته في الهجرة إلى أمريكا بحثًا عن الحياة السريعة والحلم الأمريكي، وقارنته بما قاله لي أحد زملاء العمل الأمريكان أنه يتمنى الاستقرار في إحدى الدول الأوروبية، حيث جودة التأمين الصحي ومجانية التعليم وعدم الحاجة إلى العمل حتى سن متأخرة. في اعتقادي أن الاثنين مغفلان، يبحثان عن عذر لتفسير فشلهما في التأقلم مع التحديات التي قابلاها في المجتمع الذي يعيشان فيه، لا يدركان أن لكل مجتمع مميزاته وعيوبه وأنه لا يوجد جنة على الأرض، مثلهما مثل الإنسان في مجتمعنا الشرقي الذي عندما تقابله العوائق في وطنه يكون الحل هو الهجرة، حتى وإن اضطر أن يلقي بنفسه في مركب متهالك معرض للغرق في أي لحظة في مياه البحر العميقة".

ويواصل: "هذا الشخص نفسه لديه القدرة على الصمود لشهور عديدة في معسكرات اللاجئين غير الشرعيين تحت ظروف قاسية حتى يتم السماح له بدخول أوروبا، ثم يتنقل بين أشغال ما كان ليرضى أن يمتهنها في وطنه الأم مقابل القليل من الأموال أملًا في أنه في يوم من الأيام تتغير الأحوال ويصل إلى هذه الحياة المرفهة التي يحلم بها، يضيع عمره في محاولة التأقلم مع هذا المجتمع الجديد وعندها يدرك أنه ضحى بالكثير في مقابل وهم الهروب إلى المجتمع المثالي، أنا لا أقول أن كل الهجرات فاشلة لكن الاقتناع بأن الحل الوحيد لكل مشاكلك هو الهروب منها عن طريق السفر هو اقتناع زائف سرعان ما يتهاوى عندما يصطدم الإنسان بمشاكل المجتمعات الأخرى. الذكي هو من يستطيع التأقلم مع ما يحيط به من تحديات ويستخدمها لصالحه بدلًا من البحث عن مكان آخر للهروب إليه، فالحياة سلسلة من التحديات نخوضها الواحد تلو الآخر، فنفشل، ثم نتعلم من التجربة، ثم تزداد التحديات صعوبة، وهكذا تدور الحياة بنا بين الكثير من الفشل والقليل من النجاح".

 

الأذان في مالطا

ثم يحلق بنا الكاتب في رحلته إلى جزيرة مالطا بتاريخ يناير2020 تحت عنوان "الأذان في مالطا"؛ حيث تأثُرها بالفن المعماري الإسلامي والإيطالي، وتضمين لغتها على 40 بالمائة لمفردات وكلمات عربية بحروف لاتينية، و40 بالمائة من اللغة الإيطالية، و20 بالمائة من اللغة الإنجليزية، وتعد هذه الرحلة أحد أهم الرحلات ال22 التي جالها زويل حول العالم في كتابه، حيث غيّرت معلوماته المرتبطة لديه عنها فقط بالمثل ذي الكناية السلبية التي ترمز لصعوبة أو استحالة حدوث فعل معين، والقائل "كمن يؤذن في مالطا"؛ لينفي الكاتب في سطوره عن مالطا ما رسخ في الأذهان عن هذه المقولة المأثورة.

 

يقول زويل في كتابه: "خلال فترة إقامتي في مالطا تمكنت من الذهاب مع مجموعة من الأصدقاء إلى مركز المدينة في العاصمة فاليتا، حيث يوجد مجلس الحاكم وأهم المعالم السياحية، تجولنا في الشوارع وكان من الواضح التأثر بفن العمارة الإسلامي والإيطالي، رأينا شوارع بأكملها تصطف المنازل ذات الأدوار الثلاثة على جانبيها تزينها المشربيات والشبابيك الخشبية التي تحتوي على الأشكال الهندسية المشهور بها فن العمارة الإسلامية، كانت هذه المباني شبيهة إلى حد كبير بالبيوت في شوارع القاهرة القديمة، وشوارع أخرى تصطف المباني التي تزينها التماثيل لأوجه الملائكة والشياطين والتي تجد مثيلاتها في منطقة محطة الرمل والمنشية في الإسكندرية".

 

ويضيف: "كنت أنظر إلى اللافتات الإرشادية في شوارع المدينة وأقرأ كلمات عربية مكتوبة بحروف لاتينية، عرفت أن كلمة "مدينة" في اللغة المالطية هي كمثيلتها في العربية وكذلك كلمة "طريق"، وأيضًا علمت أنه بجانب كنائس مالطا التي تزيد على الثلاثمائة يوجد مسجد قامت ببنائه الدولة الليبية لخدمة الجالية الإسلامية في مالطا، مما يعني أنه يوجد أذان في مالطا وأنه ليس من المستحيلات. تفكرت قليلًا في المقولة المأثورة "كمن يؤذن في مالطا"، لا بد وأن ينظر لهذا المثل الشائع بصورة مختلفة عما اعتاد الناس على فهمه منه، فلا بد للنظر إليه من الناحية الإيجابية والتحفيزية أنه لا يأس مع الحياة، فبعد كل هذه القرون من منع الأذان في مالطا إلا أن أهل مالطا ما زالوا متأثرين بالثقافة والتراث وفن العمارة العربي، وسترى آثار الحضارة العربية في كل مكان حولك، يمكنك التحدث بلغتك العربية وسيفهم أهل البلد غالبية ما تقول، كما أنك ستجد الكثير من العرب استقروا في مالطا وتمكنوا في النهاية من رفع الأذان".

 

قوات المارينز

وتنتهي رحلات الكاتب في أوستن التابعة لولاية تكساس الأمريكية بتاريخ فبراير2020، حيث يحمل عنوان الرحلة "قوات المارينز" للقائه بسائق أوبر، الذي كان مجندًا في قوات المارينز المخصصة لتأمين السفارات الأمريكية في الخارج. وفي حديث مطول بين السائق وزويل أفصح الأول عن عظمة مصر المليئة بالتاريخ والحضارة، وعبوره قناة السويس أثناء تمركزه في الشرق الأوسط مع الجيش الأمريكي حيث قضى بعض الوقت في الكويت وأفغانستان، وتطرق الحديث بينهما إلى حركة طالبان، والعراق، والصراع بين أمريكا وإيران.

يقول الكاتب في سطوره: "تحدثت مع السائق عن الصراع بين أمريكا وإيران وكيف يحاول ترامب إثارة العالم على إيران من خلال إيقاعهم في نفس الفخ الذي وقع فيه صدام حسين وهو فخ الأسلحة النووية، وكان رده أن الإيرانيين يبتلعون الطعم ويصرون على إظهار عدائهم لإسرائيل والتهديد بإبادتها من على وجه الأرض، أخبرني أنه قضى بعض الوقت في إسرائيل لتدريب قواتهم الخاصة على استخدام الأسلحة الأمريكية الحديثة وكيف أنه اندهش عندما وجد عندهم أجهزة وأساليب أكثر تطورًا مما لدى الأمريكان لمكافحة الإرهاب والتصنت".

ويتابع الكاتب: "على عكس ما توقعت لم يكن الرجل متعصبًا للسياسات الأمريكية، بالطبع ينتمي لبلده وفخور بخدمته بالجيش الأمريكي ولكنه يعترف بأخطاء أمريكا السياسية والعسكرية وظلت جملته عالقة في ذهني "من قال لك أن مصدر الدخل الأساسي لفرنسا هو العطور، وسويسرا الشكولاته، وأمريكا التكنولوجيا، وألمانيا السيارات قد كذب، الدخل الأساسي لهذه الدول يأتي من بيع الأسلحة ونشر الخوف من العدو".

 

ولا يزال الكاتب في خاتمة كتابه يؤكد على فكرة تشتت المهاجر بين بلده الأم وبلد المهجر قائلًا: "في مرات عديدة كنت أتخذ قرار الرجوع إلى مصر لعدم قدرتي على تحمل حياة الغرب المادية الجافة وعند نزولي مصر وبعد مرور ثلاثة أسابيع أجدني متوترًا وأعد الساعات حتى يحين موعد رجوعي مرة أخرى إلى أوستن، هذه هي حياة التشتت التي يعيشها المهاجر محاولًا تحقيق التوازن بين عادات وتقاليد نشأ عليها وترسخت في وجدانه وأفكاره وعادات مختلفة ينتهجها أطفاله وجيرانه وزملاؤه في العمل يحاول التأقلم عليها ومسايرتها".

 

 

 

 

 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa