كتبت: فاطمة مرزوق

تجلس داخل غرفتها فى حارة "الجداوى" بمنطقة تحت الربع بالدرب الأحمر، تتأمل تفاصيلها وجدرانها المتشققة، فيأخذها الحنين وتقودها ذاكرتها الهشة إلى الماضى، تتذكر الأيام التى كانت لا تخلو فيها الغرفة من ضجيج أبنائها وأحفادها، تشتاق إلى شجارها معهم فتتخيل أن أحدهم يطرق باب غرفتها فيسرع إليها كى يلوذ إلى أحضانها، ويرافقها إلى الأبد.

تزوجت "رئيسة حامد" وعمرها 15 سنة، لكن المرض نال من زوجها مبكرا، وتركها فى الـ30 من عمرها، بعدما أنجبت منه 10 أبناء، وتقول: "عندى 5 بنات و5 صبيان، وجوزى مات وأنا صغيرة، وسابهم لحمة حمرا، شقيت وتعبت عليهم، وكنت بمسح فى البيوت عشان أربيهم وأكبرهم، وعشان محتاجش لراجل ولا أمد أيدى لحد، والحمد لله جوزتهم كلهم وسترتهم".

تعيش المرأة الثمانينية فى غرفة تتبع وزارة الأوقاف، تدفع جنيهين إيجارا لها كل شهر، وتسد حاجاتها بـ260 جنيها من معاش السادات، وعلى الرغم من كثرة أبنائها وأحفادها، إلا أنها تعيش بمفردها منذ سنوات، وتوضح: "عيالى وأحفادى كتير، لكنى وحيدة محدش بيسأل عنى، ممكن واحدة من البنات تبعت لى ابنها يبص عليا وخلاص كل فين وفين، لكن أنا اللى بعمل الأكل لنفسى وبخدم نفسى".

تعانى رئيسة من مرض السكرى ومن المياه الزرقاء على عينيها، بينما تقضى اليوم بمفردها، تتناول كوب لبن وبيض فى الصباح ثم تغسل أوانى الطهى وتنام، وتستيقظ لإعداد طعام الغداء الذى دائما ما يخلو من اللحوم والدجاج لارتفاع أسعارها، وتضيف: "بقالى فى الأوضة 50 سنة، هى قديمة وملهاش سقف، بس أحسن من التربة، مش هعيش أكتر ما عشت".