الأربعاء 22 يناير 2025

مقالات

دلالات خطاب الرئيس السيسى حول قضية السد الأثيوبى (2)

  • 27-2-2022 | 13:30
طباعة

جاءت الدراسة المهمة التى أجراها الباحث المجتهد د. محمد عبد العزيز عصيدة مدرس الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة بنى سويف والمعنونة "سيميائية خطاب الرئيس السيسى حول قضية السد الأثيوبى خلال اطلاق مشروع تنمية الريف المصري"، والتى استهدفت الكشف عن الدلالات السيميائية الكامنة وراء إنتاج خطاب الرئيس السيسى (اللغوى والبصري) باستاد القاهرة الدولى خلال اطلاق المشروع القومى لتنمية الريف المصرى "حياة كريمة"، وفى هذا المقال نبدأ فى استعراض نتائج هذه الدراسة المهمة التى تؤشر للموقف المصرى من قضية السد الأثيوبي.

 

أوضحت نتائج الدراسة ما اتبعه الباحث بتفتيت نص الخطاب الرئاسى خلال مؤتمر إطلاق مبادرة "حياة كريمة" لتنمية الريف المصرى بتاريخ 15 يوليو 2021 لرصد علاماته السيميائية وتحليل البنى الكبرى والصغرى فى ضوء مقاربات كلٍ من "رولان بارت"، "كريس وليوين"، "فرانسيس فانوي" لتحليل الصورة للوقوف على الدلالات والإشارات والمعانى الضمنية حول القضايا الواردة بالخطاب الرئاسى من حيث ظروف إنتاج النص، المستوى التعييني، المستوى التضميني، سيميائية الزمان، سيميائية المكان، وسيميائية الملابس.

 

وفيما يتعلق بظروف إنتاج الخطاب (البنى العميقة للنص)، فقد جاء خطاب الرئيس السيسى فى ظل محاولات الإعلام المعادى التشكيك فى قدرة القيادة السياسية على تحقيق التنمية الاقتصادية وفق استراتيجية مصر 2030، ببث الشائعات حول كلٍ من: جدوى برنامج الإصلاح الاقتصادي، شبكة الطرق القومية، مشروعات الإسكان الاجتماعي، الاستصلاح الزراعى والدلتا الجديدة، وأخيرًا مبادرة "حياة كريمة".. وغيرها، من ناحية أخرى سعى الإعلام المعادى إلى التشكيك فى قدرة القيادة السياسية على حماية حقوق مصر المائية، حيث استمرار التعنت الإثيوبى لفرض الأمر الواقع باتخاذ إجراءات أحادية بالبدء فى تنفيذ الملء الثانى للسد دون التوصل لاتفاق ملزم بين حكومات الدول الثلاث، مما يؤثر سلبًا على الأمن القومى المائى لدولتى المصب (مصر- السودان)، رغم تحذيرات الدولة المصرية بأن عدم التوصل لحل جذرى واتفاق ملزم وشامل حول ملء وتشغيل السد، سيكون له تأثير سلبى على أمن واستقرار المنطقة بأكملها، فقد استمرت المفاوضات مع الجانب الإثيوبى لمدة تجاوزت الــ 10 سنوات، حيث قبلت مصر الدعوة للمشاركة فى مفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، انخرطت فيها اثيوبيا، بشكل كامل وبحرية مطلقة – وبعد اثنتى عشرة جولة– بلورة اتفاق شامل حول ملء وتشغيل السد، وهو الاتفاق الذى وقعته مصر ورفضته أثيوبيا. أيضًا المفاوضات التى أجرتها قيادات الاتحاد الأفريقى لأكثر من عام عقب الجلسة الأولى المنعقدة للتشاور حول السد الأثيوبى بمجلس الأمن الدولى فى 29 يونيو 2020، والتى بائت بالفشل بسبب رغبة الجانب الأثيوبى للسيطرة وإخضاع المجرى المائي.

 

وفى النهاية طالبت الخارجية المصرية بعقد جلسة ثانية لمجلس الأمن للوصول إلى حل جذرى حول السد والتى عقدت يوم 8 يوليو 2021، مع إصرار الحكومة الإثيوبية على مخالفة كافة الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالأنهار المشتركة، حيث أعلنت يوم 5 يوليو 2021 – أى قبل ثلاثة أيام فقط من انعقاد جلسة مجلس الأمن- البدء فى تنفيذ الملء الثانى للسد بشكل أحادي. أما عن حيثيات جلسة مجلس الأمن فقد أشار ممثل إثيوبيا إلى عدم اختصاص المجلس لمناقشة الأمر، كما أكدت غالبية الدول الأعضاء على ضرورة استئناف المفاوضات على نحو عاجل تحت مظلة الاتحاد الأفريقى لتسوية الأزمة، بينما شدد مندوب روسيا لدى مجلس الأمن الدولى على أهمية الحل السياسى بين الدول الثلاثة فى إطار إعلان الخرطوم، مشيرا إلى إحراز الكثير بين الدول الثلاث حول بعض الخلافات، مؤكدا ضرورة التفاهم، مؤكدا ان موسكو قلقة من تنامى الخطاب التهديدي، وتؤكد ضرورة ألا يتم تهديد السلم والأمن.

لذا جاء الخطاب الرئاسى مؤكدًا للشعب المصرى قدرة الدولة على حماية مقدراته وأمنها المائي، فى عبارة واضحة "إن المساس بأمن مصر القومى خطٌ أحمر ولا يمكن اجتيازه شاء من شاء.. وأبى من أبى".

 

وبالنسبة للمستوى التعيينى للخطاب الرئاسي، استمرت الاحتفالية الخاصة بإطلاق مشروع تنمية الريف المصرى باستاد القاهرة الدولى منذ وصول الرئيس وحتى مغادرته على مدار ثلاث ساعات ونصف، تعددت الفقرات وفق برنامج الحفل لأكثر من ساعتيْن ونصف، وصولًا لخطاب الرئيس فى التوقيت 2:47:280 إلى 3:23:490 وفق (Time Code) الفيديو. أى استمرت كلمة الرئيس لأكثر من نصف ساعة، بدأها الرئيس بالخطاب الرسمى النصى المكتوب، ثم انتقل للخطاب الارتجالى حتى نهاية الكلمة. وهنا نتطرق إلى تحديد سمات كلٍ من الخطاب النصى والخطاب الارتجالي:

الخطاب النصي: هو خطابٌ مكتوب بلغةٍ رسمية بعيدة عن الألفاظ الغامضة تمتاز بالسلاسة لخدمة مساعى الخطاب، اشتمل الخطاب نقاطًا محددة لم يخرج عنها الرئيس إلا فى حالات التفاعل الإيجابى مع الجمهور، امتاز الخطاب النصى بالقدرة على قراءة توقعات الجمهور، ورصد ما يشغل الرأى العام المصرى والإجابة عنها بشكلٍ حاسم، اتسمت شخصية المتحدث بالتفاعلية وترابط الأفكار المعروضة، حيث بدأ الكلمة بامتنانه بتواجد ممثلين عن كافة فئات الشعب للاحتفال بما تم تحقيقه من نجاحات بسواعد أبناء مصر ودماء الشهداء الأبرار، مذكرًا بانحياز القوات المسلحة تحت قيادته للإدارة الشعبية الوطنية ضد من أرادوا سلب الهوية المصرية استنادًا لأيديولوجياتهم المتطرفة التى تقوم بالمتاجرة بالوطن والدين، منوهًا إلى التحديات الكبيرة التى واجهها شعب مصر (الأزمات الاقتصادية المتراكمة- تشكيل المجالس التشريعية- المشروعات القومية الكبرى- زيادة للرقعة الزراعية) للعبور بالوطن نحو آفاق المستقبل، وصولاً لمشروع تنمية الريف المصرى حياة كريمة، الهادف إلى تحسين جودة الحياة لما يقارب ٥٨ مليون مواطن بموازنة تقدر بـ ٧٠٠ مليار جنيه. ثم تتطرق الرئيس إلى أكثر القضايا التى يتوقع الرأى العام المصرى الإجابة عنها بهذا الخطاب (السد الأثيوبي)، فقد أراد المتحدث التمهيد للجمهور المستمع بأنه كما استطاعت القيادة السياسية بمساندة كافة فئات الشعب التصدى لكل التحديات على مدار عقدٍ كامل، فإن مصر قد أصبحت تمتلك خيارات متعددة تعزز قدرتها على حماية حقوقها المائية، أيًا ما كانت الأطراف الساعية للعبث بها.

 

الخطاب الارتجالي: على الرغم من اعتماد الخطابات الارتجالية على مخيلة المتحدث، والتفاعل مع توقعات الجمهور دون الارتكاز على نقاط محددة، فقد ارتبطت كلمة الرئيس الارتجالية كليةً بنقاط الخطاب النصى المكتوب معتمدًا على لغة التواصل اللفظية (لغة عامية) بذكر حلمه القديم بتغيير الظروف الصعبة للمناطق العشوائية والفقراء، وغير اللفظية (لغة الجسم، لغة العيون، إيماءات الوجه، حركات الأيدي)، محاولًا بث مشاعر الطمأنينة لتسكين القلق المشروع لدى الجمهور حول مصير مياه النيل، بالتأكيد على إدارة ملفات مصر من خلال الدراسة والتخطيط العميق بعيدًا عن الوهم وإثارة العواطف، مجددًا عهده بحفظ الأمانة التى حملها له شعب مصر، مؤكدًا دعوة مصر للإثيوبيين إلى جعل النيل شراكة للتنمية والبناء دون المساس بحقوقنا المائية وفق اتفاق قانونى ملزم لتشغيل وملء السد، موجهًا نصيحة للإثيوبيين "بنقول للآخرين إنتوا تعيشوا واحنا هنعيش، ومصر دولة كبيرة... مصر دولة كبيرة، وبأوجه رسالتى للإثيوبيين والسودانيين تعالوا نعمل اتفاق بينا للتنمية عشان استمرار الاستقرار والسلام، بعيدًا عن أى تهديد"، مستخدمًا إيماءات تؤكد قدرة الدولة على حفظ حقوقها وإنفاذ إدارتها.

 

أيضًا أكد للجمهور مشروعية القلق دون مبالغة "لا يليق بينا أن نقلق، وقبل ما تحصل حاجة لمصر يبقى لازم أنا والجيش أروح عشان يحصل حاجة، ومن فضلك عيشوا حياتكم، وكل الأمور ماشية بخير وسلام وأمان وبشكل جيد وعظيم، ودائمًا انا معكم على العهد شريف وأمين ومتصدقوش أى حاجة بتتقال"، مستخدمًا حركات أيدى ولغة جسد تؤكد صدق كلامه وكذب الشائعات التى تنشرها المنصات الإعلامية المُعَادية.

ونستكمل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة الأسبوع المقبل.

الاكثر قراءة