خمسة من نقاد الأدب التفوا حول ظل الشاعر محمد الشحات في ندوة نقدية بالمركز الدولي للكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة دكتور هيثم الحاج لمناقشة ديوان «ملامح ظلي» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرًا، والنقاد الخمسة هم دكتور أحمد فرحات الناقد الأدبي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الفارابي بجدة، ودكتور مصطفى عطية جمعة أستاذ محاضر بكلية التربية الأساسية قسم اللغة العربية، بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، بدولة الكويت، ودكتور صبري أبو حسين أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالزقازيق، ودكتور عصام محمود أستاذ الأدب والنقد كلية الآداب جامعة حلوان وقام بإدارة المناقشة وشارك فيها الناقد الأدبي دكتور رضا عطية.
قدم الندوة الناقد الأدبي رضا عطية فقال: في ديوان ملامح ظلي للشاعر محمد الشحات تتبدى حضورات الظل باعتباره تمثيلًا للذات تمثلًا متنوعًا للشخصية، ويتبدى في خطاب محمد الشحات الشعري هذ الانشطار الذاتي أو هذه الحضورات المتعددة والمتمايزة للذات ومراوحة الشخصية بين تماصرات الذات المتعددة الممثلة في حضورات الظل وتجليات الظل وهو إحدى التجارب في شعر التفعيلة التي تحاول أن تعمل توازنًا ما بين آليات النوع الشعري من حيث استثمار متاحات النوع التفعيلي وما بين التعبير عن هموم الذات عبر الخطاب الشعري
البنية السردية فى ملامح ظلي
كان أحمد فرحات هو أول من بدأ الحديث بدراسته عن الديوان فقال تتشكل نواة البنية السردية في ديوان ملامح ظلي لمحمد الشحات من خلال تبني خاصية التجريب الذي ينفي الحدود الفاصلة بين الأنواع، التجريب في اللغة والتركيز على مستوى الدلالات اللغوية والتجريب المعتمد على العمل الواحد بوصفه سياقًا متحدًا، وإن تعددت تقسيماته الموضوعية وغيرها. والمتأمل في شعر محمد الشحات من خلال ديوانه عبر متوالية قصائد «ملامح ظلي» يمكن أن يلمح الموقف السردي في النص الشعرى وتأثيره بصفة لافتة بموقف الشاعر من لغته وتراثه ومحيطه الحضارى وإرثه الثقافي العام والخاص، وأدواته الفنية واستيعابه تقنيات الفنون المعاصرة والقديمة فى آن واحد من مسرح وسينما وفنون قولية وأخرى غير قولية، تعين الشاعر ليستوعب السرد الشعرى. فيقول: أعلن ظلي رغبته / في أن يخرج منفردًا / كنت أحاول أن أثنيه / وحين تمسك / غادرت / تركت له خارطة طريق / وبقايا ضوء/ وجلست على مقربة كي أرقبه / أوقفه الشرطي / وأجلسه / كي يتفحص أوراق هويته.
ففي المقطع الشعري السابق نلحظ ترديد المكون السردي في الأسطر الشعرية عبر جديلة الراوي الداخلي والراوي الأصلي، فالراوي الأصلي/ الذات الشاعرة ينسلخ منها راو داخلي آخر يتجاذب معه أطراف الحديث ويعلن عبر محاورة الظل أو الذات لنكتشف عالم الشاعر الرحب. وأن الظل يخالف الأصل ولا يشبهه، فهما على النقيض، يرى الأصل ما لا يراه الظل، ودائمًا يختفي الظل مع السحب، وضوء الشمس، وفوق الموج.. فالأصل قانع راض مستقر أما الظل فمنطلق حر يهوى الحركة والانطلاق فى الفضاء.
الشاعر يبتعد عن السكونية المعتادة
يتسم ديوان «ملامح ظلي» بوجود الراوي الداخلي دائمًا فى النص الشعرى وهذه حالة تبدو ذات حركة فاعلة فى دلالة النص، والتراكيب السردية التى تسهم بقدر كبير فى صوغ هذه الحركة. الشاعر يبتعد من خلال التباسه بالراوى عن السكونية المعتادة في النص التقليدي ويحرك النص بصورة جادة تبدو من خلال حركة الراوي المتجهة إلى الانطلاق والحرية والتعبير عن الحال.
رؤية غاية فى الفرادة
وقال مصطفى عطية جمعة من عنوان الديوان ومن خلال القصيدة الأولى فيه، نجد رؤية غاية فى الفرادة، وتمثل إضافة إبداعية نوعية، حيث سعى الشاعر إلى أنسنة الظل، ومن ثم فصله عن ذاته، وبدلًا من أن يكون الظل تابعًا للذات الشاعرة فى تنقلاتها، ويبدو فى عينيها عندما يكون الجسد تحت ضوء الشمس، أو فى معية أضواء المصابيح، فإن الظل صار ذاتا مستقلة، يحاورها الشاعر، ويجاورها، ويصارعها، ويتلقى الصفعات منها، بل إن الظل بات رقيبًا على الذات الشاعرة، يحاسبها على تصرفاتها، بل ويسابقها أينما ذهبت، لندرك أنها حوارية الذات مع نفسها، فما الظل إلا صورة أخرى للذات، ولكنها باهتة نوعًا ما، إلا أنها فى القصيدة ساطعة بقوة.
وتستمر هذه الثنائية، فالذات فى قصيدة «مصالحة» منشطرة، لتكون ذاتين، كاملتى الجسم، والروح والإرادة، فى دلالة على رغبة الذات الشاعرة فى حوار نفسها، وهى الثنائية التى نراها فى قصيدة «هل مررت من هنا»، حيث تنفصل الذات، وتعيد محاورة نفسها، وربما هذا ما دفع الذات الشاعرة إلى التماس الحقيقة، من خلال رحلة صوفية، تتردد صداها فى قصيدة «لن تفروا منه»، وقصيدة «ملجأ يحتوينا»، التى تلجأ فيها الذات إلى المسجد، تناجى الرب، بدعاء وصفاء.
واختتم حديثه بقوله إن شعرية محمد الشحات على قدر انغماسها فى الذات، ولكنه انغماس متوحد مع آلام الوطن والأمة، وأحوال النهر والعباد، وهو شاعر راسخ القدم، يجيد توظيف عشرات التقنيات الشعرية، ما بين دراما وسرد، وصورة ورمز، ومفردة وتركيب، فى خطاب شعرى، واضح غير ملغز، جمالى غير مباشر، شفاف غير غامض.
تفكيك العنوان الرئيس فى الديوان
فيما تناول صبرى فوزي أبوحسين أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، بجامعة الأزهر حول تفكيك العنوان الرئيس فى ديوان (ملامح ظلي)، حيث أشار إلى أنه بات معروفًا نقديًّا أن العنوان الرئيس عتبة رئيسة فى قراءة أى عمل أدبى حداثى، وأن المبدع المعاصر يَقصِد إلى إبداعه قصدًا، وأنه يتأنَّق فى إخراجه، ويجعله ذا حُمولات عاطفية ومعرفية وفنية مكثفة، وأنه يكاد يكون العبارة المفتاح إلى الديوان، وأحيانًا لا نستطيع قراءة تجارب من الديوان وتأويلها إلا عبر المرور من محطة العنوان الرئيس!، وهذا ما أحسست به عند مطالعتى ديوان (ملامح ظلي) للشاعر المخضرم محمد الشحات ومفاتشتى إياه.