الثلاثاء 14 مايو 2024

الكردوسى.. رحيل أمهر من أمسك بالقلم!

مقالات2-3-2022 | 23:10

مساء الجمعة الماضية أعلن د. محمود مسلم أول خبر عن وفاة صديقى القديم محمود الكردوسى، الذي وصفه رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ بأنه "مِن أمهر من مسكوا القلم".

لم يكن غريبًا أن يقول صديقنا "مسلم" ذلك.. فـ"الكردوسى" كان بالفعل كذلك.. يكتب باستمتاع لنقرأ نحن باستمتاع !

ربما كان من حسن حظى أننى عرفت محمود الكردوسى منذ عامي الأول فى مشوارى الصحفى بدار الهلال 1981.. من أول مرة تعارفنا فيها وتكلمنا صارت بيننا كيمياء من نوع خاص.. خاص جدًا.. وأحمد الله أن حبانى بموهبة ربانية جعلتنى وأنا "بلية" في عالم الصحافة أشتم رائحة الصحفى الموهوب من على بعد 100 كيلومتر .. وأثبتت لي الأيام والسنين اللى فاتت أن حدسى كان صحيحًا، وأن توقعى كان سليمًا.. فها هو محمود الكردوسى قد أصبح منذ 7 سنوات مديرًا لتحرير (الوطن) أكبر جريدة خاصة في البلد..  ثم أصبح رئيسًا لمجلس إدارتها بعد أن تفرغ محمود الآخر "مسلم" لمهامه البرلمانية الكبيرة كرئيس للجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشيوخ .

عرفت الكردوسى منذ 40 عامًا عندما كنا نتدرب فى مجلات دار الهلال التى أسماها هو فيما بعد "دار الهلاك" و ثبت لى فعلا أنها الهلاك الجميل.. عرفنى عليه صديقى وصديقه المرحوم سلامة مجاهد.. منذ تلك اللحظة اقتربت منه أكثر فاقترب منى أكثر وأكثر.. "المصور" فى الدور الأول من الدار كانت وجهتى و"الكواكب" في الدور الثانى والأخير كانت اختياره.. لكننا كنا نتجمع تقريبًا كل يوم لنأكل كشرى ولحمة رأس وفول وطعمية جماعة.. سلامة مجاهد وغالى محمد والكردوسى وعلاء العطار، ابن مجلة حواء الأصيل الذى تركنا وفتح الله عليه  وصار منذ سنوات قليلة رئيسًا لتحرير مجلة الأهرام العربى.. ليست تلك هى كل الشلة التى وجدت نفسى بينها رغم أننى الأكبر سنًا.. لا أنس طبعًا عاطف عليوة مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط "اللى قعد يتدرب كام شهر فى الكواكب أيام العملاق حسن إمام عمر وبعدها طفش" أو عصام الشيخ أصبح مدير تحرير الجمهورية أو ....... أو......أو......

 

لما عرفت خبر وفاتك يا كردوسى نزلت دموعى مش هقول أنهارا حتى لا أنهار.. وبعد الدموع افتكرت على طول ذكريات قديمة منسية وحواديت مجهولة وقصص وحكايات وحلويات على رأى أخونا عمرو أديب اللى بقى ملك شاشات التوك شو.. اشمعنى فريد شوقى وحش الشاشة !

 

افتكرت لما كنت ماشى في عام 1982 في شارع المنيل بالعربية 131 الأخضر الزرعى بتاعتى وفجأة نادانى المرحوم سلامة وهو واقف على محطة الأتوبيس - أمانة عليك يا شيخ لما تشوفه فى الجنة سلم لى عليه - ساعتها حودت شمال قولت أجرب فيكم سواقتى.. لما حودت كان لازم أجيب مرشيدير.. معرفتش.. اتعطلت السكة.. سواق الأتوبيس قاللى يا أستاذ هات مرشيدير وخلصنا بقى.. معرفتش برضه.. واحد ابن حلال ركب مكانى وجاب فى ثانية المرشيدير وعدل بوز العربية.

 

سلامة مكانش لوحده.. كنت أنت معاه يا كردوسى وقعدت تضحك وتكركر .. وكان معاكم كمان خيرى رمضان وعلاء العطار.. لسه فاكر يا كردوسى ضحكتك الحلوة اللى كلها جنان لما قلت لكم وأنا بوصلكم وسط البلد أنا اتعلمت إزاى أمشى.. بس لسه ما اتعلمتش المرشيدير (الرجوع للخلف) !!

 

سلامة وأنت يا كردوسى ومعكم عاطف عليوة وخيرى رمضان كنتم شلة شقة الجيزة.. و آه يا آه من المغامرات والذكريات والسهرات (غير الحمراء طبعًا طبعًا) اللي حصلت فى شقة الجيزة.. أيام يا كردوسي أيام !

 

لسه فاكر يا كردوسى لما قلت لى فجأة إنك هتسيب الكواكب وتروح تجرب حظك فى الأهرام.. يومها كان ردى لما كانت دار الهلال لسه عفية معقول تضيع الكام سنة دول اللى قضيتها معانا.. فكر كويس يا كردوسى واحسبها كويس !

 

واضح جدًا إنك كنت حاسبها كويس.. وكويس قوى يا كردوسى.. وكان حظك كبير قوى.. وقرارك صح.. سبتنا في دار الهلال في شارع المبتديان وقلت أنا رايح أسبح وأعوم فى نعيم الأهرام.. في الأول لقطك أستاذنا صلاح الدين حافظ واتعينت بموهبتك الفذة في مجلة نصف الدنيا اللي كتبت فيها علي حلقات رائعتك (مرة واحد صعيدى) اللي طلعت بيها السما المحترمة جدا أستاذتنا سناء البيسى.. مش بس هى.. لا وكتب أيضًا مشيدًا بها المحترمان القدير أستاذنا سلامة أحمد سلامة والقدير أستاذنا عبد الوهاب مطاوع.

 ثم بعد كده تركت نصف الدنيا بعد خلاف كبير مع رئيس التحرير ورحت ديسك مع الدكتور عمرو عبد السميع فى الأهرام الدولى وطبعًا نالك من حب الأهراميين لعمرو عبد السميع جانب.. جانب كبير قوى !

 

صحيح يا كردوسى إن لعبة الأيام فرقت بيننا ولعبت بينا.. لكن لسه في ذكرياتى مواقف لم ولن أنساها.. لسه فاكر لما قابلتك صدفة عام 1992 في شارع شهاب وصممت إنك تطلع معايا مكتب مجلة اقرأ السعودية.. يومها طلبت منك حوارًا مع أحد الفنانين ورؤية نقدية لفيلم بطله محمود حميدة ظل يعرض شهورًا طويلة.. وافقت.. وبناءًا عليه قررت إعطائك (ضعف) قيمة مكافأة الحوار والمقال النقدى مقدمًا.. رفضت وبعد إلحاح طويل منى وافقت.. وبعد 4 أيام جيت المكتب وسلمتنى الـ400 جنيه وقلت لى وقتها معتذرًا: لما أجيبلك الشغل أبقى أخد المكافأة.

 

رفضت بشدة وحلفت وأنت نزلت ورجعت بعد أسبوع ومعاك أحلى شغل، أحلى كتابة، أحلى نقد فنى ..الله عليك يا كردوسى الله عليك!

 

و دارت الأيام.. ومرت الأيام و صدر قرار أحمد السيد النجار بفصلك من الأهرام بعد أن وضعت اسمك كمدير تحرير في ترويسة الوطن دون موافقة كتابية من النجار رئيس مجلس الإدارة.

في الوطن كانت أقوى مقالاتك.. دفاعًا عن مصر و جيش مصر.. وأفنيت حياتك فى خدمة الوطن واضعًا مصالح البلد فوق كل اعتبار زى ما نعاك المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس مجلس الشيوخ.

 

وداعًا صاحب القلم الوطنى النبيل الذى كان سوطًا وكرباجًا يخافه كل المتربصين بأمن و أمان الوطن.

 

أخر مرة اتصلت فيها بالكردوسى كانت لتهنئته منذ عام تقريبًا بثقة الرئيس السيسى واختياره عضوًا بمجلس الشيوخ.. يومها قال لى: نفسى أعمل حاجة للبلد قبل ما أموت !

Dr.Radwa
Egypt Air