الأربعاء 29 مايو 2024

منظمة السياحة العالمية وسقوط وشيك..!

6-7-2017 | 23:51

بقلم – أشرف الجداوى

رب ضارة نافعة.. حكمة بسيطة قالها الأجداد ولكنها دالة ومفسرة تماما لما حدث من مهزلة على رؤوس الاشهاد فى الانتخابات الأخيرة لمنصب سكرتير عام منظمة السياحة العالمية فى مايو الماضى بمدريد بإسبانيا.

 

فقد جاءت نتائجها مخيبة للآمال، ولكنها فى نفس الوقت كاشفة لحجم الخرف أو العته الذى أصاب أجهزة المنظمة الاولى على مستوى العالم المعنية بصناعة السياحة بقطاعاتها المختلفة والمتنوعة، والتى تضم كوكبة من الخبراء على درجة مهنية وحرفية عالية، كنت أحسبهم منتبهين لحجم الركود والروتين والبيروقراطية التى بدأت فى تسلق جدران المنظمة تماما مثل «نبات الجهنمية»، وكانت النتيجة الحتمية اختيار الشخص غير المناسب على الاطلاق ليتولى المنصب الجليل وهو السكرتارية العامة للمنظمة فى نهاية سبتمبر القادم..!

ولكن ما هى الحكاية من البداية.. يعرف الشارع السياحى الدولى والمحلى أن منظمة السياحة مؤسسة عالمية رفيعة المستوى شديدة الاحترافية، لما تضم من كفاءات دولية ونادرة فى صناعة السياحة وعلومها التطبيقية المختلفة.

ومن ثم فقد نجحت المنظمة باقتدار فى التعاطى مع كل القضايا التى توصى بها الامم المتحدة المعنية بالتنمية سواء المتكاملة، أو المستدامة لدول العالم النامية والفقيرة، وتبذل الجهود المضنية عبر خبرائها لتأهيل البلدان سياحيا، وتقدم التوصيات والحلول التى تتلاءم مع ظروف الدول المختلفة، وتمكينها من خلق مجتمعات جاذبة للحركة السياحية.. عبر إبداع منتجات فريدة لتحقيق جملة من الأهداف التنموية، التى تنادى بها الامم المتحدة.

وحتى لا يحدث التباس عند القارئ أردت بهذا التعريف المبسط أن أوضح أننا لسنا فى خلاف مع منظمة السياحة العالمية، ولا يستطيع كائنا من كان أن ينكر أهمية المنظمة أو ينتقص من دورها، أو يختلف عليه فى عالم صناعة السياحة والسفر الدولية.

فهى باختصار المطور الرائد العالمى لتلك الصناعة «السياحة» فى مختلف دول العالم، حولها بين عشية وضحاها من صناعة هامشية إلى إحدى الصناعات التصديرية الكبرى، تقف جنبا إلى جنب مع صناعة السيارات، والسلاح، والطائرات، والدواء.

ولكن كما أوضحت سلفا الخرف طال أجهزتها وخيبة الأمل والبيروقراطية تحاصر المؤسسة وتبدى هذا فى الانتخابات الأخيرة لمنصب «الأمين العام»، وفى تقدير الخبراء والمراقبين الدوليين أنها «كارثة كبيرة» وقعت على أم رأس المنظمة، فى ظل غياب المعايير المؤسسية المنضبطة، والاشتراطات المهنية رفيعة المستوى المطلوبة لمن يتولى هذا المنصب العالمى الأهم والأبرز لشئون صناعة السياحة الكونية..!

ولا لوم أو تثريب على الأمين العام للمنظمة الحالى «الدكتور طالب رفاعى» الذى حقق فى دورته الأولى والثانية والتى شارفت على الانتهاء خلال أسابيع قليلة.. العديد من الإنجازات الرائعة وقطع شوطا كبيرا فى ترسيخ السياحة كصناعة فى الكثير من الدول الاعضاء، ومكانة عالية للسياحة عالميا لا مجال للخوض فيها الآن، ونحن باعتبارنا مراقبين محايدين نرصد حجم الانجازات تلك على أرض الواقع، فضلا عن التفاعل الكبير للمنظمة مع وسائل الإعلام الدولية والصحف العالمية، عبر الاهتمام المتزايد بشأن قضايا وفعاليات وأحداث السياحة العالمية.

ولكن اللوم الحقيقى يقع على الدول الاعضاء بالمنظمة وممثليها، لأن الضوابط الموجودة والمعايير التى يتم على أساسها اختيار الأمين العام من بين المرشحين للمنصب «شاخت وبليت» بحكم التطور الطبيعى، وما استتبعه من تطور علمى وتقنى فى شتى مناحى الحياة الحديثة.. وبالتالى بات من غير المقبول أن تظل تلك الضوابط حاكمة للمنصب منذ إنشاء المنظمة عام ١٩٧٥، معايير وشروط عفى عليها الزمن ولا تصلح بطبيعة الحال للوقت الحالى..؟!

وبالتالى من غير المقبول ولا الانصاف أن يتقدم للترشح ويفوز فى مرحلة لاحقة سفير دولة ليست له علاقة من قريب أو بعيد بصناعة السياحة الدولية للمنافسة على المنصب رفيع المستوى فى الانتخابات الاخيرة كما تابعنا، وكما أشار والمح بعض كتاب السياحة والمحللين الدوليين فى الاعلام السياحى والصحف، والمواقع الاخبارية الغربية «أن هذا الشخص يمتلك شبكة علاقات مشبوهة مع بعض الوزراء الافارقة ومسؤولى السياحة من الدول الأعضاء، تمكن من خلالها من تشكيل لوبى دفع به إلى صدارة المشهد واجتياز الانتخابات والفوز بالمنصب..؟!».

فاز هذا السفير على أربعة وزراء للسياحة ومسؤول رفيع المستوى من المنظمة نفسها يعد الرجل الثانى بعد الأمين العام.. مهزلة لا أجد لها وصفا محددا، ، وفقدان للقدرة على الفهم داخل منظمة السياحة الاممية يصل لحد اعراض «الزهايمر»..!

والمثير لحد الغرابة وعدم الاستعياب المنطقى للاشياء أن الدول الاعضاء منذ إعلان نتيجة الانتخابات الأخيرة لم تحرك ساكنا أمام طوفان الانتقاد الإعلامى والصحفى العالمى لتلك النتيجة المخيبة للآمال، التى جعلت شخصا غير متخصص على الاطلاق، علاقته الوحيدة بالسياحة هى «ركوب الطائرات» ليصبح سكرتيرا عاما لمنظمة السياحة العالمية..؟!

وأظن فى ظل الحداثة الكونية والتطور المذهل الذى يشهده العالم على مدار الساعة فى شتى المجالات، والحياة الرقمية التى نحياها الآن، يجب أن يكون الأمين العام لأرقى منظمة سياحية عرفتها البشرية شخصا مهنيا محترفا من أهل الصناعة، ومن بلد سياحى رفيع المستوى فى تلك الصناعة الحساسة، لقد ولت الأيام التى كان يمكن فيها لأى شخص أن يشغل هذا المنصب الرفيع.

وأعتقد أن على المجلس التنفيذى لمنظمة السياحة العالمية والذى يضم أكثر من ٣٣عضوا تنتخبهم الجمعية العامة بنسبة عضو واحد عن كلّ خمسة أعضاء فاعلين لنحو ١٥٦ دولة أعضاء بالمنظمة.. أن يبادر باتخاذ قرار بسرعة اعداد معايير جديدة مهنية وفنية حاكمة لمنصب السكرتير العام، والغاء الانتخابات الاخيرة فى «مايو» الماضى، وفتح الباب مرة اخرى للتقدم لمن يرغب من المتخصصين والخبراء لهذا المنصب المهم والخطير لصناعة السياحة العالمية فى مستقبل الايام.. حتى لايصبح الفشل سيد الموقف، وتتآكل المنظمة من الداخل بسبب العفن الفكرى الذى يعشش داخل أروقتها بمدريد، ويكون سقوطها بعد كل هذا النجاح وشيكا.