السبت 23 نوفمبر 2024

غنّى فيها عبدالوهاب وأم كلثوم .. وخطة عاجلة لاستعادتها حديقة الأزبكية فُسحة أهل مصر

  • 7-7-2017 | 17:01

طباعة

تقرير يكتبه: أمانى عبدالحميد - أحمد جمعة

 

أغلب إن لم يكن كل أبناء القاهرة لا يعرفون عن حديقة الازبكية سوى اسمها الذي انتشر فى أفلام الأربعينيات فهذه الحديقة التي كانت نُزهة المصرين لسنوات طويلة، تعرضت للإهمال وشوهت معالمها الجمالية،حتى كادت تتحول إلى بقايا حديقة تبكي ماضيها العريق ، لجنة القاهرة التراثية برئاسة المهندس محلب قررت أن يكون أحد أولوياتها إنقاذ هذه الحديقة التاريخية وعودتها للحياة مرة أخرى كما كانت نُزهة ثقافية وفنية وترفيهية، للمصريين تُقدم الموسيقى والعروض المسرحية والأمسيات الثقافية، ليعود مسرحها المتنوع الذى غنى عليه أساطير الطرب المصرى مثل عبد الوهاب وأم كلثوم ويعود معها سور الكتب القديمة للحياة وتكون ملاذ المصريين صباحا ومساء تحمل معها الوجه الجميل .

الجهود المبذولة لتحقيق هذا الحلم كبيرة ، مابين المحافظة التى تعتبره مشروع قومى . وحهاز التنسيق الحضارى الذى يراه فرصة لإعادة الجمال الغائب في وسط البلد ، فما أحلى أن تكون البداية بعودة حديقة الأزبيكية .

قصة حديقة الأزبكية تمتد لأكثر من ١٤٠ عاماً عندما أمر الخديو إسماعيل المهندس الفرنسى باريل ديشان بك بتصميم حديقة الأزبكية فى عام ١٨٧٢, وكلف مسيو «باريليه» الفرنسى ليكون ناظرا لها ولجميع المتنزهات الأخرى.. وظلت حديقة الأزبكية مقصد أهل القاهرة, فالكل يذهب إليها ليقضى نهار يومه بين أشجارها ويستمتع بالموسيقى أو يشاهد رقصات مياه النافورة السحرية داخلها أو حتى يستمتع بليالى السهر لحضور إحدى حفلاتها.. وشهدت المدينة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين.. ففى يونيو ١٨٨٧ تم الاحتفال بعيد الملكة فكتوريا من قبل الجالية الإنجليزية فى مصر، واحتفال الجالية الفرنسية بعيد ١٤ يوليو، والاحتفال بعيد الجلوس السلطاني، واحتفال الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية.. وكانت تُعزف خلال هذه الاحتفالات الموسيقى العسكرية، إلى جانب إقامة السرادقات فى احتفالات الجمعيات وحفلات المطربين، وأشهرهم الشيخ يوسف المنيلاوى وعبده الحامولي، ومحمد عثمان.. كما شدت بها سيدة الغناء العربى أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكان يطل عليها عدد من الفنادق منها «شبرد» و»الكونتيننتال» بالإضافة إلى «وندسور وإيدن بالاس», لكن بعد حريق القاهرة ١٩٥٢، طرأت على ميدان الأزبكية تغيرات كثيرة حيث خضعت حديقة الأزبكية إلى التقسيم، وتم بناء سنترال الأوبرا على جزء منها، علاوة على شق شارع ٢٦ يوليو فى منتصفها.

وتعود تسمية الأزبكية إلى نهاية القرن الرابع عشر خلال حكم دولة المماليك عندما أهدى السلطان قايتباى مكافأة عبارة عن قطعة أرض لقائد جيوشه سيف الدين بن أزبك ناحية بركة «بطن البقرة» وكانت وقتها قطعة أرض جرداء لا تحوى سوى ضريحى سيدى عنتر وسيدى وزير، فأوصل لها المياه من القناة الناصرية وشيد لها رصيفا من الحجارة ليكون ممشى, وأقام متنزها حول البركة, وهناك أنشأ الجامع الكبير وحدد لها احتفالا يقام كل عام أطلق عليه اسم «احتفال فتح البركة» وقت ارتفاع مياه النيل.. وبحلول ١٥٩٥ كانت الأزبكية قد تحولت إلى حى كامل كبير يتوسط القاهرة، حتى جاء الخديو إسماعيل وأمر بإنشاء حدائق حول القاهرة ومنها حديقة الأزبكية.

لم يكن الأمر صعبًا أو مكلفًا، كان من المُمكن بأربعة قروش فقط أن يدخل المواطن حديقة الأزبكية لمشاهدة عروض سينمائية فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، مع مشروب، وبسبعة قروش فقط كان من الممكن أن يستمع إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.. كما شدت فيها كوكب الشرق أم كلثوم منذ بداياتها الأولى أجمل أغانيها, هكذا كانت القاهرة وحديقتها الأزبكية خلال القرنين الـ١٩ والـ٢٠ موطن الجمال والسهر, وهو الأمر الذى تسعى اللجنة القومية لحماية وتطوير القاهرة التراثية برئاسة المهندس محلب لنقوم به ومن المتوقع أن تجمتمع خلال أيام لإطلاق إشارة البدء فى إعادة الروح إلى حديقة الأزبكية التى طالها الإهمال وبدت عليها مظاهر الشيخوخة, وسيقدم كل أعضاء اللجنة المعنية بإحياء الحدائق التراثية تصورهم الشامل لما ستكون عليه الحديقة التى تتوسط القاهرة الخديوية, وهو المشروع الذى قد يستغرق تنفيذه أكثر من خمس سنوات من العمل المتواصل، نظرًا لوجود أعمال حفر الخط الثالث لمترو الأنفاق داخل جزء كبير من الحديقة التراثية.

المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى وعضو اللجنة أكد أن إحياء حديقة الأزبكية التراثية يأتى بالتزامن مع إحياء حدائق القناطر الخيرية, مشيرًا إلى أن الأمر تتطلب تسجيل كل المعلومات المطلوبة حول تاريخ الحديقة وبداية زراعتها وعدد ونوع النباتات والأشجار داخلها, والقيام بدراسات بيئية لإعادة استزراعها مرة أخرى والوقوف على كل المبانى داخلها ومنها النافورة الأثرية الموجودة بقلبها, وكشك الموسيقى المشهورة به, ورصد كل التغيرات التى طرأت عليها مع الزمن.

أبو سعدة كشف أن جهاز التنسيق الحضارى سيقدم رؤية هندسية جمالية لتطوير الحديقة والمنطقة المحيطة بها بالكامل بحيث يتم ربطها بشكل حضارى بالقاهرة الخديوية التى تحيط بها.. والمشروع يشمل إقامة ساحة ثقافية متكاملة تقوم على إحياء سور الأزبكية الثقافى لما له من دور فى تقديم الكتب الإصدارات القديمة كما كان فى الماضى ولكن بشكل حضارى عصري, مع استرجاع المسرح المكشوف داخلها, وترميم العناصر الأثرية مثل النافورة الرخامية, على أن تتحول المنطقة بأكملها إلى ممشى ثقافى لا تعبره السيارات, مدخله الرئيسى من حديقة الأزبكية حتى الوصول إلى منطقة المسارح «المسرح القومى ومسرح الطليعة ومسرح العرائس» ينتهى عند حدود شارع الجمهورية.

الأزبكية كما يقول أبو سعدة كانت فى الأصل بركة مرت عليها مراحل تطوير متعددة عبر السنين.. وكانت المياه تأتيها من مياه الخليج المصرى والنيل، لكن حديقة الأزبكية بشكلها الحالى تختلف تماما عن الأزبكية القديمة, لذا «نسعى إلى إحياء روح الجمال داخلها»، علما بأن الجزء المُتبقى من الحديقة يبلغ حوالى ٢٥ألف متر فقط تقريبا بعدما اقتطع مترو الأنفاق حوالى ٢٧ألف متر منها.

وأوضح «أبو سعدة» أن مشروع إحياء الحدائق التراثية يمتد إلى جميع أقاليم مصر لكى تلعب دورا ثقافيا فنيا إلى جانب دورها كمتنزه, منها حدائق النباتات بأسوان، وحديقة الأسماك والأورمان وحديقة الحيوان وحديقة الأندلس والأزبكية وحدائق القناطر الخيرية, لافتًا إلى أن جهاز التنسيق الحضارى التابع لوزارة الثقافة وضع خطة لتطوير الحدائق التراثية وإحيائها، بحيث يُمكن تقديم خدمات ثقافية وفنية وتوعوية وتعليمية داخلها، إلى جانب إقامة متاحف مفتوحة للأطفال داخل كل حديقة.

أكدت المهندسة ريهام عرام، مدير إدارة الأماكن الأثرية داخل محافظة القاهرة، بدأ منذ عامين تقريبًا بهدف إعادة الوجه الحضارى للعاصمة وإحياء منطقة القاهرة الخديوية, بناءً على ما حدده الجهاز القومى للتنسيق الحضارى من اشتراطات هندسية لعمليات الإحياء والتجديد لكى لا تخل بمواصفات المبانى التاريخية, واعتمدها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية, موضحة أن محافظة القاهرة بصفتها العاصمة كانت مسئولة عن مشروع إعادة الروح والرونق إلى مناطق وسط البلد مرة أخرى, وبما أن مؤسسها الخديو إسماعيل كان يحلم بأن تكون منطقة وسط البلد نسخة أجمل من باريس آنذاك وحرص على إحاطتها بالأماكن الخضراء، وأهمها حديقة الأزبكية التى كانت تمثل تحفة جمالية لا مثيل لها, حيث تحوى نافورة رخامية غير مسبوقة فى جمالها, وتضم أشجارا نادرة مجلوبة من خارج القطر المصري, وأصبحت الحديقة تتبع أحد مشروعات محافظة القاهرة وهو مشروع الحدائق المتخصصة, وتخضع لإشراف هيئة النظافة والتجميل.

«عرام» قالت إن سعر تذاكر دخول الحديقة كان رمزيا، ومع ذلك بدأ الإقبال عليها يقل بشكل كبير، خاصة مع البدء فى تنفيذ المشروع القومى لمترو الأنفاق, كما أن الحديقة تعرضت لعملية تجريف كبيرة وتقلصت مساحتها بشكل أضر بها، لذا قامت وزارة الآثار بإحاطة النافورة الأثرية بسياج من الصاج لحمايتها دون مراعاة الشكل الجمالى للحديقة، ما أدى إلى تشوهها وحجب جزء من جمالياتها.. وكل ذلك ساهم فى عزوف الناس عن زيارتها، نظرا لأعمال حفر مترو الأنفاق والضوضاء.. وللأسف تعرضت للإهمال.

وأكدت «عرام» أن اللجنة القومية قامت باستقدام خبراء دوليين من بريطانيا متخصصين فى مشروعات إحياء الحدائق التراثية, سبق التعامل معهم من قبل خلال مشروع تطوير جزيرة النباتات فى أسوان، ومشروع تطوير حديقة متحف الطفل بمصر الجديدة, وطالبتهم بوضع رؤية شاملة لحديقة الأزبكية وكيفية استعادة أشجار الحديقة ونباتاتها النادرة مرة أخرى كما كانت فى الماضي، مع تقديم تصور شامل لكيفية إحياء كل العناصر القديمة بشكل جمالي.

المكتب البريطانى الاستشارى بالفعل قدم رؤية شاملة لكيفية استعادة الوجه الجمالى لعاصمة أم الدنيا ووضع تصورا كاملا لإحياء الوجه الأخضر مرة أخرى.. والأهم أنه وضع تصورا لربط حدائق القاهرة بعضها ببعض. وضربت «عرام» مثالًا بربط حديقة الأزبكية بحديقة الحيوان بالجيزة ومعها حديقة الأورمان وفى الطريق حدائق الأسماك أيضا. وترى أن المشروع الطموح سوف يستغرق وقتا لتنفيذه ويحتاج إلى تنسيق كبير بين مختلف الجهات.

فى ذات السياق، أكد المهندس ياسر عبدالجواد، ممثل وزارة الآثار، والمتخصص فى الحدائق والتجميل، يؤكد أن الحديقة تحوى عددا من المبانى التى تعتبرها وزارة الآثار ضمن الآثار الإسلامية حيث تضم النافورة, وقبة أثرية, ومبنى نادى السلاح المصرى «الشيش» وهو من أوائل النوادى التى تم إقامتها فى مصر, ويرى أن النافورة يجب أن تكون زيارتها منفردة, من المفترض أن تكون لها تذاكر إضافية على تذكرة الحديقة لما تتميز به من جمال وحتى يستشعر الزائر قيمتها الحقيقية. لكنه أوضح أنه تم الاتفاق مع هيئة مترو الأنفاق على إعادة الأجزاء التى اقتطعتها من الحديقة بعد الانتهاء من أعمال حفر الخط الثالث, مشيرا إلى أن أعمال حفر المترو ستستغرق حوالى خمس سنوات.

من جانبها أكدت الهيئة القومية للأنفاق أنه صدر قرار بتقليص المساحة التى اقتطعتها وزارة النقل من حديقة الأزبكية بناء على طلب اللجنة القومية لحماية وتطوير القاهرة التراثية, حيث إنها تشغل نحو ٢٧ ألف متر من الحديقة لتنفيذ المرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق (العتبة – بولاق أبو العلا)، وأوضح اللواء طارق جمال الدين، رئيس الهيئة أنه تم طباعة الخرائط الخاصة بالمنطقة، وبحث ذلك مع المقاول المكلف بتنفيذ الأعمال الإنشائية للمحطة, حيث تم تجهيز الحفار العملاق فى محطة العتبة ليبدأ أعمال حفر مشروع المترو الجديد. مضيفًا: المكان الذى تشغله الهيئة بحديقة الأزبكية هو مكان تجميع الحفار العملاق، والهيئة تحتاج إلى تلك المساحة من أجل التشوينات وكافة المستلزمات المتعلقة بالمرحلة الثالثة.

وأشار «جمال الدين» إلى أن المهندس إبراهيم محلب، طالب الدكتور هشام عرفات وزير النقل بضرورة التزام الهيئة القومية للأنفاق بقرار اللجنة القومية، خاصة وأن المساحة الإجمالية للحديقة ٤٣ ألف متر تشغل هيئة المترو منها ٢٧ ألف متر، مما يؤثر على أى أعمال لإحياء وتطوير حديقة الأزبكية.. ولهذا قررت الوزارة إخلاء أكبر قدر من الحديقة تمهيدًا لتطويرها ضمن مبادرة تطوير الحدائق التاريخية بالقاهرة، و«المقاول المنفذ للمشروع سيحصل على ما يحتاجه فقط وما يزيد سنقوم بإرجاعه إلى الحديقة.. ولم نحدد المساحة المطلوبة حتى الآن.. وننتظر الاجتماع المقبل مع المقاول والشركة المنفذة»، نافيًا أن يكون ذلك تعنتا أو امتناعا عن إخلاء الحديقة.

    الاكثر قراءة