تقترب في هذه الأيام ذكرى مرور 600 عام على الاحتلال العثماني لمصر
في مثل هذه الأيام كانت بين دولة المماليك في مصر والعثمانيين في تركيا ،علاقة مودة وتحالف، وظهر ذلك في اشتراك الإسطولين العثماني والمملوكي في حرب البرتغاليين .
لكن أصدقاء الأمس انقلبوا أعداء،وبدلا من الفتوحات ومحاربة الأجانب ،أغارت جيوش الدولة العثمانية على بلاد المسلمين والدولة الصفوية في فارس ودولة المماليك فى مصر، حتى اضطر السلطان قنصوة الغوري لملاقاة جحافلهم بالشام عند مرج دابق للخروج
اصطف الجيشان وبدأت المناوشات،وما لبث أن قام فرسان المماليك بهجوم خاطف على الجنود العثمانية فزلزلوهم واضطربت صفوفهم،حتى فكر سليم الأول في الاستسلام بعد الخسائر الفادحة التي نزلت بجيشه، وكان قنصوة الغوري الفارس الشجاع يحارب على فرسه ويقود الجيش حينما انحاز خاير بك والي دمشق وقائد الميسرة للعثمانيين، ولم يكتف بذلك بل ادعى بأن السلطان قنصوة الغوري قد قتل، فاهتز المماليك وانهارت معنوياتهم بعد إشاعة مقتل السلطان، وكثف العثمانيون من قصفهم للمماليك بالمدافع، فانقلب النصر لهزيمة، وسقط قنصوة الغوري تحت سنابك الخيل ولم يعثر للسلطان على جثة.
بعدها دخلت مصر في ظلام الدولة العثمانية لأكثر من 300 سنة حتى تولى حكم مصر محمد على باشا في 1805 وقاد جيوشها ابنه الفاتح العظيم إبراهيم .
جاء السلطان العثمانى سليم الأول غازيا باسم الخلافة والإسلام ، وانتصر بفضل الخيانة على قنصوة الغورى، عند مرج دابق ، وسقطت رمانة ميزان العرب مصر، وخّيمت على الأمة العربية سحابة مظلمة ، لعدة قرون ، كانت أسود سنوات تاريخنا، وأفقنا على مدافع جنود نابليون بونابرت عند بولاق، وأولاد البلد بالنبابيت والخناجر احتشدوا لمقاومته ، فأمر القائد الفرنسى بإطلاق دفعة من مدافعه على المتجمهرين على سبيل الدعابة، واعتقد سكان القاهرة أنها علامات يوم القيامة.
كانوا بفضل علوم خليفة المسلمين التركى فى استانبول ورحمته بهم قد عاشوا تحت ظلاله فى عزلة عن العالم لدرجة أنهم يشاهدون لأول مرة فى حياتهم القنابل والمدافع، والجيوش المدربة على القتال،وصحت المنطقة العربية بأسرها على أن هناك ثلاثة قرون على الأقل تفصل بيننا وبين التقدم بسبب الخلافة الإسلامية ، وهو ما نعجز عن تعويضه حتى اليوم.
سرق سليم الأول كل مخطوطات القاهرة وآثارها الإسلامية ، ومعظم مقتنيات المتحف الإسلامى بإستانبول من مراسلات الرسول صلى الله عليه وسلم وآثاره الشريفة مسروقة من مصر، وخلع حتى عتبات المساجد ورخامها وحمله على سفن لبناء جوامع بلاده، وأجبر العمال المهرة والحرفيين على السفر معه لبناء المدن والقصور، ولم يترك حرفة ولا صنعة لدرجة أنه أجبر "على" لاعب الشطرنج القاهرى على نقل خبراته للعثمانيين، وأسس الموسيقيون المصريون الذين أجبرهم على السفر معه قواعد الموسيقى التركية التى تتباهى بها تركيا الآن على البلدان الإسلامية ، وقبلها كانوا لا يعرفون غير أبواق الرعاة.
عاشت مصر فى ظلال حكم إسلامى دامس يعاقب من يعارض خليفة المسلمين بالقعود على الخازوق، وكان هناك متخصص بإدخال حديد الخازوق من مؤخرة الضحية حتى يخرج من حلقه وهو مازال حيا، ليتعذب عدة أيام ويعتصره الموت ويشاهده الناس قبل أن يموت، هذا بخلاف الشي بالنار والتوسيط (حش الوسط) وقصف الرقبة.
وفى الخارج ارتكب الأتراك فى تلك السنوات أسوأ ما يراد بالعروبة والإسلام ، فقد جرى فى ظل غيبوبة العرب وهيمنة الترك اكتشاف الأمريكتين ، ولبيان خطورة ذلك لنا أن نتخيل أن مكتشف أمريكا من العرب المسلمين، وأن كل هذه القوة الجديدة كانت لنا وليست ضدنا ، والمحزن أكثر أن البحارة العرب كانوا الأقرب للوصول بخرائطهم الدقيقة التى استعان بها ماجلان وكولمبس، لولا ذلك الكابوس العثمانى الأسود، وفى عام 1492 سقطت آخر معاقل المسلمين بالأندلس، وكان الموريسكيون المسلمون يصرخون استنجادا، بينما سفن إمبراطورية الأتراك تمخر عباب البحر المتوسط ، وتتركهم لمصائر الذبح والسحل ومحاكم التفتيش.
ليس هذا فقط بل وأصبح نعت العرب والمسلمين فى أوربا مرادفاً للأجلاف والهمج، وبعد أن كان ملوك أوربا يتهافتون على إرسال أولادهم الأمراء لقصر الحمراء بغرناطة وقصور إشبيلية لتعلم فنون الحكم وآداب الرئاسة ، وحب الموسيقى والشعر وعلوم الحساب والكيمياء ،نشر جنود الأتراك صورة أخرى حقيرة للإسلام ، وامتدت المشانق والخوازيق العثمانلية فى البلاد التى احتلوها ونهبوها،واختطفوا الغلمان المرد، للتسرى بهم فى القصوركالحريم ، ليكتب نيقوس كازانتازاكس روايته الشهيرة " المسيح يصلب من جديد " واصفا غراميات الحاكم التركى المسلم مع الطفل اليونانى "يوسفاكى " وتهافته على ممارسة الشذوذ، ويكتب الحبر في يوغوسلافيا بشاعات الأتراك فى رواية " جسر نهر درينا " لإيفو آندرتش عن مذابحهم للأطفال والنساء تحت راية الإسلام.
هذا الميراث الكريه نحن ندفع ثمنه الآن ، لدرجة أن الأوربيين يحتفلون فى كل عيد للميلاد بذبح الديك ( التركى ) المسلم وأكل الكرواسان ( الهلال المسلم ،وربما لا يعرف الكثيرون أن مذابح البوسنة والهرسك الدامية كانت مجرد رد فعل لهذا الميراث الدموى العنيف والسلوكيات الشاذة والانطباع الكريه الذى تركه جنود الأتراك أتباع خليفة المسلمين.
أما ما جرى بعد ذلك فهو معروف للجميع ، فقد تركنا الأتراك على موائد الضباع باتفاقية سايكس بيكو، لتمزقنا كما تريد ، لنصبح لأول مرة فى تاريخنا، تحت رحمة أوربا ، بفضل تركيا التى تقدم الآن كل فروض الولاءات والطاعة للانضمام إليها، لدرجة أن بداخلها أكثر من ثلاثين قاعدة عسكرية أمريكية ، وكانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل
كل هذا ومازال أحباء مرسى وأردوغان ، يدافعون عن الإسلام ، ولا نعرف أى إسلام ؟
كتب : عادل سعد