الأربعاء 15 مايو 2024

يوم الشهيد


أ.د إكرام بدرالدين

مقالات21-3-2022 | 17:54

أ.د إكرام بدرالدين

تحتفل الدول والأوطان بالأعياد الوطنية والقومية والتي يكون لها أهميتها من الناحية الرمزية والقيمية وتنعكس إيجابا على أبناء الوطن الواحد فتضفي عليهم التجانس والاتساق والترابط وتجعلهم يشعرون بالولاء والانتماء للوطن ويرتبطون بالهُوية المشتركة والموحدة والتي تضفي عليهم شخصية متميزة، وتحقق ما يطلق عليه بالمصطلحات السياسية "التكامل القومي" National integration، أي الترابط والانسجام بين أبناء الوطن الواحد وتميزهم واختلافهم عن الآخرين.

وتختلف وتتعدد هذه الأعياد والاحتفالات، فقد تكون الأعياد مرتبطة بالاستقلال أو الجلاء أو النصر أو ذكرى تأسيس الدولة، وترتبط بإنجازات كبيرة استطاعت الدولة أن تحققها، أو الاحتفال بتكريم العلماء المتميزين، أو الاحتفال بذكرى شهداء الوطن، وتعكس هذه الاحتفالات والأعياد القومية المقدرة الرمزية للنظام بمعنى أنها تتحول إلى رموز تتوارثها الأجيال، وقيم إيجابية تعبر عن الشجاعة والتضحية والفداء من أجل الوطن، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية، أو المصالح الضيقة من أجل الإبقاء على وحدة وسلامة وعزة الوطن.

وتحتفل مصر في التاسع من مارس من كل عام بيوم الشهيد، وهو أحد الأعياد الوطنية المهمة والتي تعكس الإنجازات التي يقدمها الشهداء للوطن، وتاريخ يوم الشهيد ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض وسط جنوده في الخطوط الأمامية لقناة السويس في عام 1969 خلال حرب الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية في تلك الفترة، حيث كان في جولة تفقدية للجبهة وأصيب إصابة مباشرة خلال تواجده مع جنوده وهو القائد العام للقوات المسلحة، وكان لاستشهاده وقع كبير وأثر مهم سواء على القوات المسلحة أو الشعب والذين عبروا عن مشاعر الاحترام والتقدير لهذا القائد العسكري الذي تواجد وسط جنوده وفي الخطوط الأمامية لنيل الشهادة ويقدم حياته فداء للوطن، ولذلك تم اختيار تاريخ استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض في 9 مارس ليكون يوم الشهيد أو عيد الشهيد تحتفل به مصر رسميًا وشعبيًا كل عام، وهو ما تقرر عقب حرب أكتوبر 1973.

ويمكن أن نستخلص عدة دلالات مهمة من استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض والذي أصبح يوم استشهاده ذكرى يحتفل بها الوطن بشهدائه، أولها أن هناك أثرًا مهمًا لتواجد القائد مع جنوده ينعكس عليهم إيجابا من الناحية المعنوية والقتالية واستعدادهم للتضحية والفداء، وثانيها أن الشهيد سواء كان في أعلى الرتب العسكرية أو في رتبة صغيرة أو جنديًا يقدم أغلى ما يملك فداء للوطن وهو روحه وحياته والتي يقدمها عن طيب خاطر لكي يفدي بها الوطن، ولكي يبقى الوطن عزيزًا كريمًا، وثالثها أن الشهيد الذي يقدم حياته فداء للوطن يظل دوما ذكرى خالدة تتناقلها الأجيال عبر التاريخ ويعطي المثل والقدوة لأجيال لاحقة تتمسك بالحفاظ على أمن الوطن وعزته والتضحية من أجله.

وكان لشهداء مصر عبر العصور والعهود السياسية دورهم المهم في التضحية من أجل الوطن وحمايته، ويمكن تفسير ذلك بطبيعة الموقع الجغرافي لمصر وأهميته، إضافة إلى كونها ذات حضارة مستقرة من أقدم العصور، ما جعلها تتعرض لاعتداءات الغزاة والطامعين من القِدَم  وحتى الآونة الحديثة والتي تتعرض فيها مصر للعديد من التحديات من المناطق الاستراتيجية المختلفة سواء من الشمال، أو الشمال الشرقي، أو الجنوب، أو الغرب، وسواء كان ذلك في شكل حروب نظامية أو حروب غير تقليدية، ففي سبعة عقود سابقة خاضت مصر خمس حروب وهي حروب 1948، و1956، والاستنزاف ، و1973، وإضافة لهذه الحروب التقليدية تخوض مصر في الآونة الراهنة نمطًا مستحدثًا من الحروب يختلف عن الحروب التقليدية وهو حروب الجيل الرابع والخامس، إضافة إلى ما يشكله الإرهاب من تحديات وتهديدات للأمن القومي المصري تطلبت المواجهة الحاسمة للعناصر والجماعات الإرهابية سواء من جانب القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية والشرطة المدنية، وقد ترتب على هذه المواجهة الشرسة سقوط الشهداء الأبرار الذين تصدوا للهجمات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة لحماية الشعب وحماية الوطن ومقدراته وضربوا أروع الأمثلة للتضحية والفداء، وأهمية هذا الأمر لا تقتصرعلى النواحي العسكرية، بل لها آثارها الاقتصادية والاجتماعية، فتوفير مناخ الأمن والاستقرار يعني في نفس الوقت توفير البيئة المناسبة للتنمية الاقتصادية ولجذب الاستثمارات وإنجاز المشروعات العملاقة التي تهدف إلى الانتقال بالوطن إلى مرحلة الجمهورية الجديدة، ولم يكن من المتصور تحقيق ذلك لولا تضحيات ودماء الشهداء.

وأعطى الوطن درجة كبيرة من الاهتمام لتكريم الشهداء وأسرهم جزاء لما قدموه من تضحية وفداء للوطن، واتخذ التكريم أشكالًا مختلفة ومتعددة، ومن ذلك على سبيل المثال، إطلاق أسماء الشهداء على الميادين المهمة أو المدارس أو المشروعات الأخرى، مثل ميدان الفريق عبدالمنعم رياض بالقاهرة، ونفق الشهيد أحمد حلمي وعقد دورات تثقيفية للقوات المسلحة احتفالا بيوم الشهيد، وحضرها السيد الرئيس السيسي أو إقامة نصب تذكارية أو تماثيل لتكريم الشهداء، إضافة إلى الاهتمام بأسر الشهداء، وكذلك منح الأوسمة والأنواط العسكرية لأسماء الشهداء.

ونظرًا لما يحظى به الشهداء من مكانة متميزة لما قدموه للوطن من تضحيات، يكون من المرغوب فيه أن يحصل الشهداء على ما يستحقونه من اهتمام من جميع الأجهزة والمؤسسات، ومن ذلك على سبيل المثال، أن تتضمن المناهج الدراسية، وخصوصًا للمراحل الأولى التعليمية، التعريف بهؤلاء الشهداء وأدوارهم البطولية من أجل الوطن، وهذا دور وزارة التربية والتعليم، وكذلك تقوم مراكز الشباب بالتعريف بالشهداء على مستوى المنطقة، أو المدينة، أو المحافظة وأدوارهم البطولية باعتبارهم قدوة ومثالًا للشباب وهذا دور وزارة الشباب والرياضة، وكذلك الاهتمام بعقد الندوات والحلقات النقاشية والتي تدور حول شهداء الوطن وتضحياتهم إضافة إلى الأعمال الأدبية والشعرية والمسرح والفنون والسينما والدراما، وهو دور مهم لوزارة الثقافة، وإصدار كتيبات للتعريف ببطولات الشهداء، وهذا دور للهيئة العامة للاستعلامات، إضافة إلى ما يمكن أن تقوم به الجامعات والقوات المسلحة من ندوات تثقيفية تتعلق بالشهداء وتضحياتهم وهو ما يعكس اهتمام كل أجهزة الدولة بالشهداء وتكريمهم.

ويلاحظ أن هذا الاهتمام المكثف بالشهداء والتعريف بهم يؤدي وظائف مهمة من الناحية السياسية، حيث يتم نقل قيم المواطنة والتضحية والفداء ومشاعر العزة والفخر والانتماء والولاء للوطن من جيل إلى جيل، ومن جماعة إلى أخرى داخل الوطن، وهو ما يطلق عليه بالمصطلحات السياسية عملية التنشئة السياسية والتي تتم من خلال أدوات متعددة مثل الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام الجماهيري والتي تلعب دورها المهم في هذا المجال، وبحيث يصبح أبناء الوطن أكثر تجانسًا واتساقًا وأكثر قدرة على مواجهة التحديات التي يتعرض لها الوطن، ويصبحون أقل عرضة للتأثر بالشائعات المغرضة، وبالحروب النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الوطن من أطراف متعددة، ويمكن أن يكون أيضا للمؤسسات الدينية دورها المهم في هذا الإطار وخصوصًا أن للشهيد مكانته ومرتبته الرفيعة من الناحية الدينية عندما يبذل روحه ويجود بدمه ضد أعداء الوطن فينال الشهادة، كذلك فإن الأحزاب السياسية مطالبة بأن يكون لها دورها في الاحتفاء بشهداء الوطن والتعريف بالشهداء وأعمالهم البطولية ونشر هذه المعرفة بين أعضاء الحزب، ويمكن القول "إن الشهيد يؤدي دورا مزدوجا، فهو من ناحية يضحي بحياته من أجل الوطن والدفاع عنه، وهو عقب استشهاده يظل ذكرى طيبة يحتفل بها الوطن ويتناقلها أبناؤه ويحقق التماسك والتضافر والقدوة، ما يزيد من قدرات الوطن نتيجة لارتفاع الروح المعنوية وتحقيق التكامل والاتساق بين أبناء الوطن الواحد".
وفي النهاية تحية لأرواح الشهداء في عيد الشهيد وسيظل الشهداء دومًا في ذاكرة الوطن.