الإثنين 13 مايو 2024

صائد التكفيريين "الشهيد رامي حسنين" ومواجهة التحولات النوعية للإرهاب في سيناء


د. إيمان زهران

مقالات21-3-2022 | 18:57

د. إيمان زهران

"شهيد يودع شهيد"، القاعدة الرئيسية في سيناء، حيث انطبقت على كل من حالفه الحظ وشارك فى تأمين تلك الأراضى المقدسة التى حظت بأهمية نوعية على مر العصور، وأُعيد تشكيل مركزيتها السياسية بالتزامن مع ما صاغته ديناميات "التخلخل الأمني" بالمنطقة جراء الحراك الاجتماعى منذ عام 2011، إلى زيادة عدد الفواعل العنيفة من غير الدول من الميليشيات والجماعات المسلحة المتطرفة والإرهابية وهو ما انعكس بدوره على تزايد معدلات الاضطراب وعدم الاستقرار بالمنطقة. وعلى أثر ذلك، فقد صرح الرئيس عبدالفتاح السيسي مُسبقا بـ : "إن الإرهاب يهدد المنطقة بأجمعها والشرق الأوسط وأوروبا، ولابد من أن نتكاتف جميعا لأنه التحدي الحقيقي للإنسانية والاستقرار وللأمن في العالم كله"، موضحا أن الخسائر في سوريا والعراق سيترتب عليها انتقال بعض العناصر منهما في اتجاه سيناء ومصر و..إلخ.

 

وفى ذلك السياق، تأتى بطولات الشهيد رامى حسنين أحد أهم قادة القوات المسلحة التى شاركت في عمليات تطهير موسعة فى شمال سيناء ضد الجماعات التكفيرية والإرهابية، حيث استشهد قائد الكتيبة ١٠٣ صاعقة فى ٢٩ أكتوبر عام ٢٠١٦م، بعد استهداف موكبه بعبوات ناسفة شمال سيناء، زرعتها العناصر الإرهابية، أثناء مروره بين حاجزي "السدة" و"الوحشي"، جنوب الشيخ زويد، الواقعة بين مدينتي العريش ورفح على الحدود مع قطاع غزة. ليدفع السياق العام لعملية الاستشهاد ضرورة إعادة النظر فى الاستراتيجية الأمنية لمجابهه وتقويض ومحاصرة التطور النوعى للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية.  

 

الجدير بالذكر، أنه بالنظر إلى سياقات المشهد العام لاستشهاد "العقيد/ رامى حسنين" فى سيناء، فقد أظهرت التنظيمات المتطرفة فى مصر نمطا مختلفا نتيجة لمراجعاتها وإدراكها لما ينبغي طرحه لإعادة بناء التنظيم عقب انحسارة ميدانيا فى سوريا والعراق، ومواصلة البقاء عبر إيجاد ملاذات جديدة، فعلى سبيل المثال: سعت "أذناب داعش" لتكوين تنظيمات فرعية بأجندات مختلفة ونسق عملياتى متطور فى مصر، وهو ما جعل الجماعات الجديدة تتبنى نهجا يستهدف الأمن دون غيره من أجل استقطاب أعضاء جدد وتوليد نسخ مصغرة تمارس العنف، عبر بوابة سيناء.

مقاربات أمنية :  

 

يؤشر استشهاد صائد التكفيرين "العقيد/ رامى حسنين"، وما تلاه بعد ذلك من عمليات نوعية مختلفة نظمها الإرهابيون والتكفيريون فى سيناء ضد العناصر والقوات الأمنية، وبالمقابل، الإعلان فى 2018 عن البدء فى "العملية الشاملة"، حيث فى إطار التكليف الصادر من السيد رئيس الجمهورية/ عبدالفتاح السيسي ، تم إطلاق إشارة البدء لقوات إنفاذ القانون تنفيذ خطة المجابهة الشاملة للعناصر والتنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء ومناطق أخرى بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، إلى جانب تنفيذ مهام ومناورات تدريبية وعملياتية أخرى على كل الاتجاهات الاستراتيجية بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية وضمان تحقيق الأهداف المخططة لتطهير المناطق التي يتواجد بها بؤر إرهابية.  

 

ومن ثم، فبالنظر لتطور طبيعة العمليات النوعية للجماعات الإرهابية والتكفيرية، ونسقها الخاص بـ "استراتيجية الاستهداف" للقيادات الأمنية فى سيناء، يستلزم ذلك الحديث عن المقاربات النوعية والتى تستهدف تعزيز كفاءة التحركات الميدانية الوطنية على المستوى العملياتى؛ وذلك بالعمل على الاستعانة بأدوات لوجيستية جديدة تتوافق والتطور النوعى لأنماط وفواعل الإرهاب المختلفة، وخرائط انتشاره فى إطار سياسات مكافحة الإرهاب، إذ يمكن استنباط ذلك بالنظر إلى مُجمل "التجارب الأمنية دوليا"، وما تم الاستعانة به وتطويعه من أدوات متباينة فى خدمة التحركات الأمنية فى إطار

"العملية الشاملة" سواء بالمناطق المتفرقة فى سيناء أو الظهير الصحراوى غرب وادى النيل؛ وذلك من خلال: 

 

- تعزيز المقاربة المعلوماتية: نظرا لأن صحة وفاعلية المعلومات تمثل 90% من نجاح عمليات مكافحة الإرهاب، لذا من المهم الارتكاز على وسائل جديدة في مسألة الحصول على المعلومات، سواء عن طريق وسائل الاتصال والتجسس الحديثة، أو عبر زرع بعض العناصر البشرية داخل هذه التنظيمات والحرص على تصعيدها فى هيكل التنظيم، مما يُمكن الأجهزة الأمنية من التعرف على العمليات قبيل حدوثها بوقت كاف، والنجاح في التصدي لها أو إجهاضها قبيل تنفيذها.

 

يتم تعزيز ذلك بالنظر إلى عدد من التحركات، أهمها:-

 

 أولا: إلغاء نمط الكمائن والنقاط الأمنية الثابتة، والاستعاضة عنها بنقاط متحركة، يتم تغيير مواقع وجودها بشكل يومي، ما يوئد ويدحض سياسات الإرهابيين فى دراسة هذه الكمائن، وتنفيذ هجماتهم عليها بسهولة.

 

 ثانيا: إقامة بوابات إلكترونية يتم التحكم بها عن بُعد، تمكن القوات المتمركزة من إغلاقها في حال اشتباههم بوجود عناصر إرهابية. 

 

    ثالثا: هيكلة مجالات آمنة لجميع الارتكازات الأمنية، على أن تتضمن هذه المجالات أجهزة لكشف الألغام، وكاميرات مراقبة، وكلابا مدربة يُمكن لها رصد الإرهابيين عن بعد، وكذلك نطاقات أمنية تحيط بالكمائن وتحميها، لتسهم فى التقليل من معدلات استهداف الإرهابيين للمنشآت الحيوية والعناصر المدنية ونقاط الارتكاز الأمني، خاصة وأن هذه العناصر الارهابية تتسم بالـ"عنقودية" وليست جيشا نظاميا ومنظما يمكن التصدى له بسهولة.

 

رابعاً: تفعيل استخدام الطائرات دون طيار "Drones" في عمليات الاستطلاع الأمنية بشكل دائم، والأقمار الصناعية والطائرات الحربية، ما ييسر من عملية الرصد المبكر للعناصر الإرهابية، واستهدافها قبيل مهاجمتها للنقاط الأمنية. واستخدام المجسات والرادارات وأشعة الليزر والكاميرات الحرارية في تأمين محيط هذه النقاط، والحيلولة دون وصول العناصر الإرهابية إليها.

 

- تعزيز المقاربة الإقليمية: وهو ما يتعلق بخطوات تعزيز التعاون المصري بمختلف فواعل الإقليم -  شرقا وغربا -  في مواجهة الإرهاب، فقد قامت الحكومة المصرية بالتعاون مع حركة حماس، إذ أن انتماء الأخيرة إلى تيار الإخوان المسلمين لم يمنع الحكومة المصرية من قبول مساعي الحركة للتقرب من مصر. وقد تم التوصل إلى صفقة تم بموجبها الاتفاق على قيام حماس بلعب دور في ضبط حدود القطاع مع مصر، في مقابل فتح معبر رفع بين مصر وغزة، وإمداد مصر للقطاع بجانب من احتياجاته من الكهرباء.

 

وكذلك، عززت مصر تعاونها الأمني مع القوى الليبية، وبالأخص فى التواصل مع شرق ليبيا، في محاولة لضبط الحدود، ومحاربة التنظيمات الإرهابية وفلولها المختلفة التي تهدد الأمن القومي للدولتين. 

 

- تعزيز المقاربة الدولية: مكنت عضوية مصر فى التحالف الدولى ضد داعش، وانتخابها لعضوية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2016 - 2017 ، ورئاستها للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن الدولي للقيام بعدد من المبادرات الرامية لتعزيز التعاون والتنسيق الدوليين في ملف مكافحة الإرهاب، وهو ما تُوج باعتماد خطاب الرئيس السيسى أمام القمة العربية للأمم المتحدة بالرياض كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن الدولى تحت رمز "S/2017/450". وكذلك، استصدار قرار في 25/5/2017 من مجلس الأمن بإجماع آراء الدول أعضاء المجلس، للترحيب بالإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي ووضعه موضع التنفيذ، وهو الإطار الذي سبق أن نجحت مصر في اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن، وتم استصدار القرار تحت رقم 2354.

 

تأسيسا على ذلك ، فلقد كان لاستشهاد البطل العقيد/ رامى حسنين - قائد الكتيبة 03 صاعقة – الأثر الفاعل فى إعادة النظر فى تحديث المقاربات الأمنية والتى يتم العمل بها فى حربنا ضد العناصر الإرهابية والتكفيرية، إذ أصبح يتطلب الأمر التركيز على المقاربات الأمنية الحديثة والتى تتلائم مع مبدأ العمل المتوازى لمفهوم التطوير النوعى لفواعل الإرهاب، ومراجعة الوسائل، والمقاربات التقليدية، ورفع المستوى النظري والعملي لأفراد المؤسسات الأمنية، والعمل على توقيع برامج تدريبية تتعامل مع التطورات المعلوماتية والعملياتية الحديثة والتقنيات اللازمة بالطرق التي تساهم في الارتقاء والتطوير بمختلف الخطط والاستراتيجيات لرفع كفاءة سياسات واستراتيجيات العمليات الميدانية – فى سيناء بشكل خاص وهو ما شاهدناه واختبرناه بالعملية الشاملة منذ الإعلان عنها فى 2018 -  بما يتوافق والتغيرات النوعية الحديثة للتنظيمات الإرهابية المختلفة، وبما يحفظ دماء أبنائنا، ووحدة وطننا.

Dr.Radwa
Egypt Air