الخميس 16 مايو 2024

صاحب يوم الشهيد


د.إبراهيم خليل إبراهيم

مقالات21-3-2022 | 19:04

د.إبراهيم خليل إبراهيم

التاريخ المصري زاخر بالشهداء الذين قدموا حياتهم لأجل أن تحيا مصر ومنهم البطل الفريق أول عبد المنعم رياض، وفي طفولتي عندما سمعت اسمه لأول مرة أحببته وتابعت فترات كفاحه لأجل الوطن، كما زرت قريته أكثر من مرة.

ويعد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض واحدًا من أشهر العسكريين العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين، فقد شارك فى الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين التى جرت بين عاميّ 1941 و1942 وفى حرب فلسطين عام 1948 والعدوان الثلاثى الذي قامت به إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956 بسبب إعلان الزعيم جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، وأيضًا حزن البطل الفريق أول عبد المنعم رياض لنكسة الخامس من يونيو عام1967، فقد نالت إسرائيل نصرًا لا تستحقه، ونالت مصر هزيمة لا تستحقها، لأن الجندي المصري لم يشترك فى الحرب كما شارك فى معارك الاستنزاف التى بدأت بمعركة رأس العش بعد نكسة يونيو مباشرة واستمرت حتى عام 1970 ومهدت الطريق لمعارك أكتوبر عام 1973. 

البطل الفريق أول محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله من مواليد قرية سبرباي، إحدى ضواحى مدينة طنطا بمحافظة الغربية فى الثانى والعشرين من شهر أكتوبر عام 1919، ونزح مع أسرته إلى الفيوم، فقد كان جده عبد الله طه على الرزيقى من أعيان الفيوم، أما والده فهو العقيد محمد رياض عبد الله، قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، وتخرج على يديه نخبة من قادة المؤسسة العسكرية.

درس عبد المنعم رياض فى كُتاب القرية وتدرج فى التعليم، وبعد حصوله على الثانوية العامة التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقاً بها، وانتهى من دراسته بها عام 1938برتبة ملازم ثان، وفى عام 1941 عين فى سلاح المدفعية وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات فى المنطقة الغربية، واشترك فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا ونال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز فى إنجلترا وأجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة لإيمانه بأن الإستراتيجية هي الاقتصاد.

خلال عامي 1947 / 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك، وفي عام 1951 تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم، وفى عام 1953 عين قائدًا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية، ومن يوليو 1954 وحتى أبريل 1958 تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية. 

فى التاسع من شهر أبريل عام 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفييتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز وقد لُقِبَ هناك بالجنرال الذهبي، وبعد عودته فى عام 1960 شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية وفى عام 1961 كان نائباً لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشئون الدفاع الجوي، وفى عامى 1962 و1963 اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات وحصل فى نهايتها على تقدير الامتياز، وفى عام 1964 عين رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة وفي عام 1966 تمت ترقيته إلى رتبة فريق وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وحصل على زمالة كلية الحرب العليا. 

فى شهر مايو 1967 وبعد سفر الملك حسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عين البطل عبد المنعم رياض قائداً لمركز القيادة المتقدم في عمان حيث وصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة وحينما اندلعت حرب 1967 عين الفريق عبد المنعم رياض قائدًا عامًا للجبهة الأردنية، وعندما قامت إسرائيل بضرب المطارات المصرية طلب من سوريا والدول العربية ضرب المطارات في سيناء وإسرائيل حتى لا تتمكن الطائرات الإسرائيلية من الهبوط في عودتها بعد عدوانها ولكن لم يتم ذلك وفى الحادى عشر من شهر يونيو 1967 اختير رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي في إعادة بنائها وتنظيمها والاهتمام بالجندي المصري المتعلم لاستيعاب تطور الأسلحة وفي عام 1968 عين أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العريية. 

حقق البطل عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي جرت بين مجموعة من أبطال الصاعقة ضد القوات الإسرائيلية ومنعتها من احتلال مدينة بور فؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وهذه المعركة جرت بعد عشرين يوماً فقط من نكسة يونيو 1967 كما شارك فى تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و  1968.

كان البطل عبد المنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصراً عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية كما كان يؤمن أيضاً بأنه ( إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه ) كما كانت له وجهة نظر في القادة وأنهم يصنعون ولا يولدون فكان يقول: ( لا أصدق أن القادة يولدون إن الذي يولد قائداً هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلاً ولكن العسكريين يصنعون .. يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب ) كما تنبأ البطل الفريق أول عبد المنعم رياض بحرب العراق وأمريكا حيث قال : ( إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاد وستتوق إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريبا ) وها هو التاريخ يؤكد ذلك ومن أقواله أيضا والتى حفظها التاريخ : ( أن تبين أوجه النقص لديك تلك هى الأمانة وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك تلك هى المهارة ).

( لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة وعندما أقول شرف البلد فلا أعني التجريد هنا وإنما أعني شرف كل فرد شرف كل رجل وامرأة ).

( سوف نعبر بأولادنا أولاد بناة مصر الحقيقيين من عمال وفلاحين وسوف يتم تحرير سيناء ).

أشرف البطل الفريق أول عبد المنعم رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال معارك الاستنزاف ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت الثامن من شهر مارس عام 1969 م موعداً لبدء تنفيذ الخطة وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته.

قبل أسبوعين من قيام البطل عبد المنعم رياض بزيارته إلى جبهة القتال طلب من سكرتيره استمارة المعاش الخاصة به من شئون الضباط التى بمقتضاها يصرف الورثة المعاش ومنحة الثلاثة شهور بالإضافة إلى مصاريف الجنازة فقد تذكر أنه لم يملأ الاستمارة فى ملفه العسكرى وبالطبع الدهشة عقدت لسان سكرتيره وتسائل : أبعد 31 سنة خدمة فى القوات المسلحة هل يعقل أن سيادة الفريق قد نسى أن يملأ استمارة معاشه ؟ فالضابط عادة يملأ هذه الاستمارة فور تثبيته فى رتبة الملازم .. ثم لماذا لم تخطر مسألة الاستمارة فى باله إلا الآن ؟

ذهب السكرتير والحيرة والتشاؤم يتملكانه إلى شئون الضباط لتنفيذ الأوامر ويندهش الضابط المسئول عندما يكتشف أثناء مراجعته لملف رئيس الأركان أنه لم يملأ استمارة معاشه بالفعل وتملأ الاستمارة ويحدد فيها اسم شقيقته وريثاً لكل مستحقاته حال استشهاده وذلك قبيل استشهاده بحوالى 72 ساعة أى يوم الخميس السادس من شهر مارس. 

في صبيحة يوم الأحد التاسع من شهر مارس 1969 قرر أن يتوجه البطل عبد المنعم رياض بنفسه إلى الجبهة ليرى من كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف كما قرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 متراً ووقع اختياره على الموقع رقم 6 عند خط المواجهة بالإسماعيلية وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة البطل الفريق أول عبد المنعم رياض حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها البطل الفريق أول عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء أستشهد متأثراً بجراحه وفى جنازة عسكرية مهيبة خرجت جموع الشعب المصرى لتودع بطلها إلى مثواه الأخير وقالت عنه وكالة اليونايتدبرس : ( إن الفريق عبد المنعم رياض ختم حياته على العهد به رجلاً مخلصاً لجنديته فى الخطوط الأمامية إن الفريق عبد المنعم رياض شارك فى عمل بدا شبه مستحيل وهو إعادة بناء القوات المسلحة المصرية ) وقالت صحيفة الجرديان البريطانية : ( إن وفاة عبد المنعم رياض قد رفعت الروح المعنوية للشعب المصرى حيث عبر حادث استشهاده بين جنوده عن الروح المعنوية الجديدة التى سادت القوات المسلحة المصرية بعد عام 1967) ونعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر واعتبر يوم التاسع من شهر مارس من كل عام هو يوم الشهيد تخليداً لذكراه وهذا هو بيان رئاسة الجمهورية الذى نعى فيه الرئيس جمال عبد الناص البطل الفريق أول عبد المنعم رياض فى التاسع من شهر مارس عام 1969 ( فقدت الجمهورية العربية المتحدة أمس جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة وكان الفريق عبد المنعم رياض فى جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذى كان الفريق عبد المنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة إننى أنعى للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة أن طريق النصر طريق التضحيات ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له، لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية والتقى عليه تصميماً وقسماً على التحرير كاملاً وعهداً بالنصر عزيزاً مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات).

حصل البطل الفريق أول عبد المنعم رياض على العديد من الأنواط والأوسمة منها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ونوط الجدارة الذهبية ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني من الطبقة الأولى ووسام نجمة الشرف.

تخليدا لذكرى استشهاد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض جعل يوم 9 مارس يوم الشهيد والمحاربين القدماء. 

في اليوم التالي لاستشهاد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض طلب فضيلة الشيخ أمر الله السيد مصطفى محفظ القرآن وإمام مسجد قريتنا السدس مركز الإبراهيمية ونحن طلاب أن نقول كلمة بعد صلاة العشاء عن البطل الشهيد وعندما أمسكت الميكرفون وقلت : ديننا الحنيف جعل للشهيد مكانة سامية فمن يتأمل آيات الذكر الحكيم يجد الكثير من الآيات التى تتحدث عن الشهداء ومكانتهم السامية قال تعالى في الآية رقم 154 من سورة البقرة : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) وقال تعالى في الآيات أرقام 169 و 170 و 171 من سورة آل عمران : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقال تعالى في الآية رقم 111 من سورة التوبة : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إذا بدموع الوطنية والوفاء تنهمر من عيني وبكى معي كل الحاضرين.
وفى مساء الثانى عشر من شهر مارس عام 1969 قال سليمان العيسى عبر أثير محطة الإذاعة والتليفزيون من سوريا ناعيا البطل الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض : 

بيضاءٌ شامخة الأسى سيناءُ
تٌسقى بجرحكَ روعةٌ وتضاءُ
بيضاءُ تغسلُ أَرضها وسماءَها
بسنا الرجولةِ دفقةٌ حمراءُ
بيضاءُ تنفضُ في العراءِ قبورَنا
فإذا الطريقُ شهادةٌ وفداءُ
وأجسُّ عارَ الدهرِ يجلدُ جبهتي
بالنَّار .. يسحقُ رأسي الإغضاءُ
عامان .. أمضغُ زفرتي مخنوقة
عامان .. قصة ذلنا الأنباءُ
وأُفيقُ أَمس .. يُفيقُ كلُّ مجللٍ
بالموت .. تُتلعُ جيدها الصحراءُ
نصحو على نبأِ الشهيدِ : جباهنا
زهو يُضيءُ .. ودمعنا خُيلاءُ
مسح الدمُ البطلُ الهوان .. وغُيبتْ
في قاع نعشك نكسةٌ سوداءُ
يا رافعاً علم التحدي .. بعدما
مات التحدي .. فالعرينُ إماءُ
يا ناثراً مِزقَ الشظايا حوله
والموتُ تحت جراحهِ استخذاءُ
يا صارخاً بالخانعينَ على الذُّرا
حُفرُ القتال ذُوراكمُ الشَّماءُ
أنزلتَ عن صدرِ العروبةِ صخرةٌ
وتزحزحت عن دربنا غَمَّاءُ
صُلبت أمانينا .. وديسَ وجودنا
وتشامخت أسطورةٌ نكراءُ
هُزمت ملاييني .. سُحِقْتُ بضربةٍ
فتراثنا وفتوحنا أشلاءُ
القهقهات على دمي محمومةٌ
ودمي يدٌ مغلولةٌ خرساءُ
قالوا : ذرونا أمة مشلولةً
في الريح .. قالوا : وحدنا الأحياءُ
رَكِبت أساطيرَ البطولةِ حفنةٌ
عن كل ساحةِ نخوةٍ غُرباءُ
وزهت صيارفةُ القرون ببأسها
وتململت غُصصٌ وعَزَّ بكاءُ
عشرون .. برقعتِ الجريمةُ وجهها
وخيامنا ما تعرفُ الأنواءُ
عشرون .. نُلفظُ في الدروبِ فلا لقى
أجسادنا حُسبت ولا أشياءُ
عشرون .. يلهو عالمٌ بجنازتي
والحشرجات على الرمال هباءُ
عشرون .. يُغمضُ عينه عن جثتي
ويمرُّ .. لا خجلٌ ولا استحياءُ
وأدق تابوتي .. بكفي مرةً
وبكفه .. وتلفني رقطاءُ
عشرون .. عشت على الطريق جُزازةً
بَيعٌ مصيري كلهُ وشراءُ
قالوا : ذروناهم فتلك قبورهم
لا نأمةٌ خلجت ولا إيماء
كَذَبت مزاميرُ الجريمةِ كلُّها
كَذَبت طبولُ جَنَازتي الزهراءُ
لم ننزل الميدان .. كانت أمتي
في القيدِ .. في رئتيَّ كان الداءُ
ما حاربت سُمرُ الرمال ولا مشى
للموتِ إلا الريحُ والضوضاءٌ
نمنا على الفيدِ الهجينِ ومَزقت
قيدي الهجينِ شظيةٌ بكماءُ
ألقمتها صدر الرجالِ فزغردت حطين 
 وافتتحَ الكتابَ ( حراءُ )
اِقرأ على المتسكعين رسالتي
بدماك فليطَّهَرِ الجبناءُ
اِقرأ عليهم سورة الفتحِ التي
بيعت فدفقةُ وهجِها ظَلماءُ
اِقرأ على المتراكضين إلى الدجى
يتخبؤون وتخجلُ الأضواءُ
اِقرأ علينا من دمائك آيةٌ
تهدر بغير دمارنا الأصداءُ
اِقرأ علينا باسم ربك باسمنا
باسم العروبةِ .. كلُّنا إصغاءُ
عَرَفت ملاييني بصدرك جسرها
فليعبروا جسرُ الخلودِ مُضاءُ
جسرُ الحياةِ تمورُ في أعماقنا
لهباً وتُطفِئها يدٌ شلاءُ
حملت شعار الفاتحين وهَدَّها
تحت النعال رخيصةٌ إغراءُ
يا فارسَ الصحراءِ .. يقتلها الظما
والتبرُ رواحٌ بها غَداءُ
يا فارسَ الصحراءِ .. يُطعِمُ رملها
دمهُ فحرُّ جحيمها أنداءُ
ما ماتَ تاريخي العظيمُ ولا انطفا
وهجُ الشهادةِ فيهِ والشهداءُ
ما ماتَ يا صقر السويس وإنما
سَرقَت نهاري ليلة ليلاءُ
غَطَّت وجودي في الوجود سحابةٌ
سوداءُ كالحةُ الدجى عمياءُ
وتهشمَ الصرحُ المجيدُ .. مروءةٌ
تاريخُه مِلءَ الدُّنى وعطاءُ
ووقفتُ أمضغُ كاليتيمِ مرارتي
إرثي يُباعُ ولقمتي استجداءُ
وحملتُ كنزي في لهاتي غُصةٌ
والسارقون خناجرٌ وعِداءُ
زرعوا الجريمةَ فوقَ قبري مَرَّةٌ
بَدءُ النُّشورِ جريمةٌ شنعاءُ
زرعوا على الأشلاءِ إسرائيلهم
وتحركت لتقاتل الأشلاءُ
الميْتُ ينهضُ والقبورُ قصيدةٌ
والمنشدون إلى النزالِ ظِماءُ
والفريةُ الكبرى التي سلخوا لها
جلدي ليستر ما افتروهُ غِطاءُ
الفريةُ الكبزى تصدعَ ليلُها
وتناقلت بُهتانَها الأرجاءُ
ما ماتَ تاريخي العظيمُ .. ستنتهي
إذ نستفيقُ القصةُ الصفراءُ
يمحو دمٌ صبغَ القتاةَ برشة
ما زورته حِقبةٌ شوهاءُ
يمحو دمٌ صبغَ القناة هزيمتي
ويُطلُّ وجهُ حقيقتي الوضاءُ
الآن افتتحُ النزالَ بأمتي
وتُشعُّ دنيا كالضُّحى عرباءُ
دقَّ الفدائيون بابَ نشورنا
وكألف بُشرى بالرسالة جاؤوا
يا فارسَ الرملِ الخضيبِ ... تمزقت
بفمي السلاسلُ فالصريرُ غِناءُ
افتح جراحَكَ ينغمس في وهجها
جيلٌ وينبضُ في الصخورِ اباءُ
بدأ الربيعُ يدبُّ فوق دمارنا
اَلمٌ يُجددُ أُمةٌ ونداءُ
اَتموتُ ؟ ينبُتُ الفُ الفِ مُقاتلٍ
من دفقِ جرحك ، تعشبُ البيداءُ
تَلقى بصدركَ اُمةٌ مقبورةٌ
مَطَرَ القذائفِ أُمةٌ عزلاءُ
الآن نبتدىءُ النزالَ وساحةٌ
وطني الممزقُ ... ساحةٌ ولقاءُ
عَطِشَ التحدي في العروقِ ليحصدوا
عَطَشَ التحدي ... إنه نكباءُ
نكباءُ واعيةُ الخطى عربيةٌ
تَسَعُ الوجودَ يمينُها السمراءُ
من نارها ( فتحٌ ) ومن أسمائها
حطينُ لم تتبدلِ الأسماءُ
افتح جراحك وليصبوا نارهم
اني خُلودٌ هاهنا وبقاءُ
الآنَ ابتدئُ النزالَ بأمتي
وطويلةٌ الياذتي عصماءُ
تسقي شهيدا كل حبةِ رملةٍ
حتى يموجَ العِطرُ والأفياءُ
حتى يَرِفَّ على القبورِ ربيعها
حتى تعودَ ثَرىً لنا وسماءُ
وتزولُ أقدامُ الغُزاةِ وتَمّحِي
ونقولُ : مرَّ بأرضنا دخلاءُ
وكتب الشاعر الكبير نزار قبانى قصيدة قال فيها : 
لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ
لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
لو مدمنو الكلامِ في بلادنا
قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ
واحترقوا في لهبِ المجدِ كما احترقتْ
لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ
ولا استُبيحتْ تغلبٌ
وانكسرَ المناذرهْ
لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ
لكنَّ من عرفتهمْ
ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ
يدخّنون يسكرونَ يقتلونَ الوقتْ
ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ
وبعضهمْ يغوصُ في وحولهِ
وبعضهمْ يغصُّ في بترولهِ
وبعضهمْ قد أغلقَ البابَ على حريمهِ
ومنتهى نضالهِ 
جاريةٌ في التختْ 
يا أشرفَ القتلى على أجفاننا أزهرتْ
الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا 
أنتَ بها بدأتْ 
يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم قد كذبوا .. وأنتَ قد صدقتْ
جميعهم قد هُزموا
ووحدكَ انتصرتْ .
بعد استشهاد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض استدعى الرئيس جمال عبد الناصر البطل المقدم إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال وقال له : ( عاوزين ناخد بثأر البطل الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض، رياض الذي استهدفته إسرائيل قبل مرور الأربعين ) فأجابه البطل المقدم إبراهيم الرفاعي : ( جاهزين يا فندم ) وبالفعل عند منطقة المعدية نمرة 6 تم عمل استطلاع للمكان الذي ضرب عليه وقامت المجموعة بالتجهيز والاستعداد للعملية وقبل يوم الأربعين كان تحضير القوارب المطاطية أو الزودياك، وتواجد أبطال مصر في أحد النوادي على الضفة الغربية والتي تقابل الموقع الإسرائيلي على الضفة الشرقية وفي الساعة التاسعة مساء والظلام يغطي القناة بدأت المدفعية بالتمهيد النيراني مما يجعل اليهود يدخلون المخابئ، وعبر الأبطال قناة السويس، واتصل البطل المقدم إبراهيم الرفاعي بالعميد محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش التاني لإيقاف ضرب المدفعية وتسلقت مجموعة الاقتحام التي ضمت الأبطال النقيب محيي نوح وهنيدي والجيزي وحسن البولاقي وغريب وجودة وكان قائدهم الرائد أحمد رجائي عطية، وتم وضع قنابل الغاز والدخان في فتحات التهوية الموجودة بالموقع فلم يستطع الجنود الإسرائيليون التحمل وخرجوا سريعا يطلقون النيران بصورة عشوائية، وتمكن أبطال مصر من اصطيادهم واحدا تلو الآخر حتى تمت تصفية الموقع بالكامل حيث قتل 30 جنديا وضابطا إسرائيليا ثم قام البطل محمد شاكر مع البطل الجيزي بتفجير مخازن الأسلحة والذخيرة الإسرائيلية الموجودة بالموقع حتى أصبح كتلة من النيران كما تم تدمير دبابتين للعدو كانتا قادمتين لنجدة مَن بالموقع، وأصيب في العملية عدد من أبطال المجموعة وهم النقيب محيي نوح والجيزي ومحمد شاكر وحسن البولاقي والبطل محمد السيد أحمد، وكانت الفرحة كبيرة بالنسبة لعناصر القوات المسلحة بالكامل لأهميتها في الأخذ بالثأر للبطل الشهيد الفريق أول فريق عبد المنعم رياض، وهذه العملية من أكبر العمليات التي رفعت من الروح المعنوية للقوات المسلحة والشعب المصري والعربي، وقام الرئيس جمال عبد الناصر بزيارة المصابين في المستشفى ومنح أبطال العملية أوسمة ونياشين لما قاموا به من بطولة.

أطلق اسم البطل الشهيد الفرق أول عبد المنعم رياض على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة بجوار ميدان التحرير ووضع به نصب تذكاري له وعلى أحد شوارع المهندسين وأكبر شارع بمدينة بلبيس ووضع نصب تذكاري له بميدان الشهداء في محافظة بورسعيد والإسماعيلية ومحافظة سوهاج وسميت باسمه إحدى المدارس الابتدائية التابعة للأزهر الشريف بمنطقة الإبراهيمية بالإسكندرية وعلى مدرسة إعدادية للبنين في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة والعديد من المدارس في محافظات مصر، وأسس له مسجدا كبيرا في مدينتي الغردقة والإسكندرية وأبو تيج، كما أطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة الأردنية عمان ومحافظة الزرقاء في المملكة الأردنية الهاشمية وعلى أحد شوارع الكويت في محافظة العاصمة بالتقاطع مع شارع مبارك الكبير وشارع عثمان بن عفان وعلى أحد الشوارع في مدينة بنغازي في ليبيا، كما سميت باسمه إحدى المدارس الثانوية في ريف دمشق بسوريا.

في عام 2016 قال الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية عن البطل الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض : (في ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض والذى استلهمنا من بطولته معاني المجد والتضحية أتقدم بتحية تقدير واعتزاز لشهداء مصر الأبرار الذين قدموا دماءهم وأرواحهم من أجل أن تظل راية مصرنا العزيزة عالية خفاقة بين الأمم).

رحمة الله على روح البطل الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض صاحب يوم الشهيد ورحمة وألف رحمة على أرواح شهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم ليظل علم مصر خفاقا عاليًا في سماء المجد والشرف والعزة والكرامة.