الأحد 5 مايو 2024

الشهيد.. والإرهابي في ميزان الإسلام


د. محمد العربي

مقالات21-3-2022 | 20:16

د. محمد العربي

نيل الشهادة اصطفاء وتفضيل من الله سبحانه وتعالى لثُلةٍ من خلقه، إذ أن الشهيد هو الدرع الحصينة الذي نصب نفسه لصون الأرض والعرض، وباع الغالي والمرتخص لإعلاء كلمة الله سبحانه، فهو ملاذ الخائفين ومتنفس الآمنين، به تصنع الأمم مجدها وكرامتها وتحلق به إلى أعلى مراتب العزة والكرامة، ولقد كان القول الإلهي سابقًا في الثناء والاصطفاء لما قال الله سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]، فلولا الشهيد لضاعت الأوطان، وانتهكت الأعراض، وسلبت الثروات، وأبيحت المحارم.. فهم أناس أدوا ما عليهم من واجبات حيال أوطانهم وأخافوا أعداءهم، وقدموا دماءهم فداءً وزادًا لكل ما من شأنه النيل منها، كما أن رسالته واضحة للعيان في أن الشهيد سيتلو الشهيد، وأن الخير باق ما دامت النفوس تأبى المذلة والمهانة، وتبحث عن العزة والكرامة، وحسبنا توصيفًا للتراب العطر أنه الذي ضمخه دم الشهيد، إذ أن التراب الذي لا يختلط به دم الشهيد لا يكون أبدًا عطرًا، وأرض بلا شهيد فيها لا يكتب لها الدوام والبقاء وإنما الزوال والفناء، فهو الأمل الباقي، والشعاع المضيء، والزاد الحاضر والمستقبل المشرق، ويكفيه شرف الانتساب إلى جموع الشهداء السابقين الذي عدّد النبي (ص) خصالهم وفضلهم على

رؤوس الأشهاد، لما قال: "للشهيد عند الله ست خصال يوم القيامة يغفر له بأول دفعة دم تخرج من جسده، ينجو من عذاب القبر، يرى مقعده في الجنة، يشفع في سبعين من أهله، يزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، يوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها". 

 

ومن المضحكات المبكيات ما نسمع عنه بين الحين والحين من محاولات تدليس وتشويه لمفهوم الشهادة بدعوى إقامة شرع الله، ومن ثم القيام بأعمال أقل ما توصف به أنها تكفيرية وانتحارية وتوصيفها الشرعي أنها من الكبائر التي توعد الله فاعلها بالعقاب، إذ أنها حازت الحرمة المطلقة التي لا يشوبها أي غموض لكل ذي عقل أو لُب بصير، فليس فيها إعلاء لكلمة الله، أو نُصرة لوطن، أو دفاع عن عرض، أو ستر لعرض، بل فيها سفك للدم الحرام وترويع للآمنين، وقتل للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ولقد قال الله سبحانه وتعالى فيهم مجتمعين: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقوله أيضًا: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة: 32] وهي ذات المفاهيم التي تطلق على الإرهاب والإرهابيين الذين يعمدون إلى إقحام أنفسهم في الموت إقحامًا دونما مراعاة للمقاصد التي أرادها الشارع الحنيف، مدلسين على العوام، مسبغين على عملياتهم الإجرامية المفاهيم الاستشهادية، مروجين لها من خلال زخم إعلامي ممول ودخيل، وهي بالإجماع لا تدخل في مفهوم الشهادة، ولا يسبغ على أصحابها شهداء مهما حاولوا إسناد التسمية الإعلامية بالأدلة الشرعية، ورفع درجات أصحابها إلى عليين، مكونين فهمًا مغلوطًا للوحي العظيم متخذين التفجير والتكفير سبيلًا يعتقدونه إلى الجنة وإن كان في الحقيقة أنهم مأجورون إرهابيون وخوارج مارقون.