الثلاثاء 30 ابريل 2024

الشهداء .. دليلك إلى فهم الشخصية المصرية

مقالات21-3-2022 | 20:22

لم تكن الشخصية المصرية في كل العصور سوى مجموع ما مر بها من ظواهر و ما شهدته من أحداث وتغيرات وأزمات ونجاحات وإخفاقات.. لم تكن الشخصية المصرية سوى نتاج أنبل ما فيها. هنا قصص ثلاثة من شهداء مصر بينهم رابط عجيب.. الإيمان بالوطن والإيمان بالعقيدة.. هل تعرف أن مصر قدمت درساً لقادة العالم باستشهاد القائد وسط جنوده.. سقنن رع يحكي لكم .. هل تعلم أن مصر قدمت أول شهداء رفض الوثنية والإيمان برسالة السيد المسيح؟.. ودامون يحكي لكم.. هل تعلم أن عبدالمنعم رياض كان امتداداً مباشراً لكفاح سقنن رع ضد الهكسوس؟ وكأنه سهم انطلق عبر الزمن من طيبة في أقصى الجنوب وحتى سيناء في أقصى الشمال؟.

 ٩ مارس يحكي لنا كل هذا وأكثر.. إنه دليلك إلى الشخصية المصرية.

"السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك يا إلهي خاضعاً لأشهد جلالك، جئتك يا إلهي متحلياً بالحق، متخلياً عن الباطل، فلم أظلم أحداً ولم أسلك سبيل الضالين"
من كتاب الموتى عند المصريين القدماء.

في هذا النهار من أيام عاصمة مصر "طيبة" جمع حاكم مصر الشاب سقنن رع رجاله في بهو استقبال الضيوف للقاء موفد الغزاة الذين استطاعوا في لحظة سوداء احتلال شمال البلاد.. دخل موفد الهكسوس وعليه علامات الغطرسة وبدأ في الحديث إلى ملك المصريين الذي وافق على مقابلة موفد الغزاة ليعرف ماذا أراد.. بدأ الموفد في الحديث حسب البردية المحفوظة في المتحف البريطاني عن شكوى لحكام الشمال الغزاة وتدور الشكوى حول أن «أبو فيس» ملك الهكسوس ادَّعَى وهو في «أواريس» الواقعة في شمال الدلتا أن أصوات أفراس البحر التي تعيش في «بحيرة طيبة» جنوب البلاد تزعجه وتقضُّ مضجعه لقوتها، على الرغم من أن المسافة بين «طيبة» و«أواريس» تبلغ نحو ٥٠٠ ميل، وأنه لذلك يطلب من ملك «طيبة» أن يبيد فرس البحر الذي يسكن في تلك البحيرة.. جمع الملك ضباطه وألقى إليهم ما سمع من الموفد في موقف ساده الوجوم الشديد كما تقول البردية.
.. لم تخبرنا الصفحات المفقودة من البردية بما جرى بعد ذلك، لكن التاريخ المصري القديم يخبرنا بصفحة من أنصع صفحات النضال المصري ضد المحتل حيث خرج المصريون وعلى رأسهم سقنن رع يقدمون آلاف الشهداء لإنهاء احتلال الهكسوس ولتترك آثار المعركة جراحاً وكسوراً في جمجمة الشهيد سقنن رع شهيد الوطنية المصرية في مواجهة المحتل.
 
***
"أبدأ بالمديح .. وأهتف وأصيح
لحبيب المسيح .. الشهيد ودامون
 سمع بسرٍ عجيب .. عن الطفل العجيب
الذي يصنع أعاجيب .. الشهيد ودامون"
من ترنيمة الشهيد ودامون أول شهيد للمسيحية في مصر ضد الوثنية.

في أرمنت غير بعيد عن "طيبة" عاصمة سقنن رع و لكن قبل قرابة ٢٠٠٠عام من الآن عاش "ودامون" المصري الطيب حياة أخرى في زمن آخر حيث عاش المصريون تحت نير الاحتلال الروماني و كان على المصريين كرعايا ولاية في إمبراطورية الرومان اعتناق الديانة الوثنية التي يعتنقها الرومان واحترام معبوداتهم لكن شيئاً في قلب "ودامون" اتصل بحقيقة عقيدة المصريين القدماء التي آمنت بالإله الواحد وبالبعث والخلود والحساب بعد الموت.. لا تصدقوا أن عقيدة المصري القديم كانت عقيدة أرباب متعددة.. كان الرب الواحد في قلب عقيدة المصريين وفي قلب كل مصري.. عاش ودامون بطريقة المصريين الخالدة "اصبر على الجار السو" ولكن الإيمان كان كبيراً والمؤمنون دائماً في انتظار إشارات السماء.

  يحكي تاريخ الإيمان سيرته فيقص واقعه حدثت في أحد الأيام حيث استضاف في منزله بعضاً من عابدي الأوثان وكانوا يتحدثون عن امرأة وصلت إلى بلاد الأشمونين ومعها طفل صغير يشبه أولاد الملوك وحين انصرف الضيوف نهض ودامون وركب دابته ووصل إلى مدينة الأشمونين، وهناك رأى الطفل مع أمه مريم العذراء فأدرك أنه رسالة السماء بأن لا نعبد غير الله.
وتذكر الكتب التراثية أنه حين رآه الطفل تبسم في وجهه وقال له: "السلام لك يا ودامون قد تعبت وأتيت إلى هنا لتحقيق ما سمعت من حديث ضيوفك عني لذلك سأقيم عندك ويكون بيتك مسكناً لي إلى الأبد"، فاندهش ودامون وقال "يا سيدي إني أشتهي أن تأتي إلىَّ وتسكن في بيتي وأكون لك خادماً إلى الأبد".

وتحكي الكتب عن حواره مع الصبي حيث قال : "سيكون بيتك مسكناً لي أنا ووالدتي إلى الأبد لأنك إذا عدت من هنا وسمع عابدو الأوثان أنك كنت عندنا يعز عليهم ذلك ويسفكون دمك في بيتك".. بشر السيد المسيح عيسى ابن مريم ودامون بالشهادة فعاد إلى قريته أرمن عارفاً بأنه سيموت ولكنه متهللاً بدخول ملكوت الله.


ولما عاد إلى أرمنت، سمع عابدو الأوثان بوصوله وشاع الخبر في المدينة أن ودامون زار السيد المسيح فأسرعوا إليه ليتأكدوا من حقيقة ما ذاع إليهم عنه فرد قائلًا: "نعم أنا ذهبت إلى السيد المسيح وباركني وقال لي أنا آتي وأحل في بيتك مع والدتي إلى الأبد".

اندهش السامعون لما قال وصرخوا كلهم بصوت واحد وأشهروا سيوفهم عليه، وقطعوا رأسه فنال الشهادة في أرمنت ولما أُبطلت عبادة الأوثان وانتشرت المسيحية في البلاد قام المسيحيون وجعلوا بيته كنيسة على اسم السيدة العذراء مريم وهي باقية إلى الآن.. لم يتخيل المصري الطيب "ودامون" وهو يحلم باليوم الذي يرى فيه نور الإيمان بالله الواحد أن ثمن ذلك سيكون شهادته وكانت الأرض ظلاماً في انتظار رسالات السماء بعد رسالة موسى فأكرم الله مصر برسالة المسيح عليه السلام فلم تبخل مصر وقدمت الشهداء.. ثم أكرم الله الأرض كلها برسالة محمد عليه الصلاة والسلام وظلت مصر من خلال عصر الشهداء نقطة مضيئة على طريق البحث عن الإله الواحد الأحد في القلوب حتى وإن كان ثمن سطوع النور تقديم الأرواح عن طيب خاطر.

***
"دخل الجنة موفور الــــسنا وحنا العرش عـــــــــــليه ورنا
ماثل فى طرفه طيف الحمى فهو فى الفردوس يبكي الوطنا"
من أنشودة رثاء الشهيد عبدالمنعم رياض.
 سنة ١٩١٩ في الشمال من مصر وتحديداً في محافظة الغربية مدينة طنطا ولد في أحد أيام أكتوبر محمد عبدالمنعم رياض ولا تدري أسرته ولا يدري هو أنه سيكون سقنن رع الثاني الذي يتلقى الهزيمة من المحتل فيعيد بناء قوته ويجمع حوله من الرجال المؤمنين بوطنهم من يصنع بهم النصر حتى وإن قدم في سبيل ذلك روحه.. لم يكن الچنرال الذهبي إنساناً عادياً.. ضابطاً وإنساناً كأفضل ما يكون الإنسان المصري.. سرت عبر چيناته من زمن سقنن رع الصفات المصرية فكان حافظاً للشخصية المصرية بحق في سلوكه و حياته ومماته أيضا.
صمم خطة الحرب "الخطة 2000" انبثقت عنها خطة مرحلية أطلق عليها اسم جرانيت لاقتحام خط بارليف والوصول إلى المضايق الاستراتيجية في سيناء، ولم تكن حرب أكتوبر إلا تنفيذا متيسرا للخطة "جرانيت" التي وضعها.

استدعاه الرئيس جمال عبدالناصر عقب هزيمة ٦٧ للعمل رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة وبنائها مع الفريق محمد فوزي وزير الحربية وأشرف على الخطة المصرية لتدمير 60% من تحصينات خط بارليف في حرب الاستنزاف.
 كبد رياض العدو خسائر فادحة وبشروه الجنود بتدمير أجزاء مهمة من خط بارليف فقرر زيارة الموقع رقم 6 ليرى بنفسه نتائج المعركة وبعد أن رأى بالنظارة المعظمة حطام الموقع الذي دمرته رشقات مدافعه ابتسم وهنأ الجنود والضباط ثم فجأة انهالت عليه نيران العدو وسط جنوده واستمرت المعركة نحو ساعة ونصف ليرتقي بعدها شهيداً بشظية أصابته، ثم نعاه الرئيس جمال عبدالناصر، ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر ولكن وساماً آخر كان في انتظاره وهو اعتبار يوم 9 مارس من كل عام يوما للشهيد المصري.. وهو في الحقيقة يوم لكل شهيد على مر عصور مصر تظهر فيه سمات الشخصية المصرية بأجل مما يتصور أحد.. وهكذا طيف يسري بين طيبة في الجنوب إلى سيناء في الشمال.. يسري عبر الزمان والمكان ليرسم ملامح الشخصية المصرية الفريدة.

إبراهيم/أشرف

Dr.Randa
Dr.Radwa