الخميس 27 يونيو 2024

ضحك كالبكاء

8-2-2017 | 09:49

بقلم –  عبد اللطيف حامد

دار فى خلدى ما قرأته عن «بعثة الساموراى» اليابانية فى القرن التاسع عشر التى أرسلها الإمبراطور الإصلاحى ميجى للتعلم من نهضة المصريين التى وضع أساسها محمد على باشا خاصة فى التعليم، وتردد فى أذنى بقوة المثل الشعبى « شر البلية ما يضحك « أثناء مشاهدة فيلم «يابانى أصلى»، الذى يجسد فى عجالة حال التعليم فى مصر، وما وصل إليه من انهيار، شعرت أن جمهور السينما يخرج الضحكات والقهقهات بحكم الإفيهات الحارقة من قلوب موجوعة تتألم على منظومة التعليم، خاصة عند مقارنتها مع التجربة اليابانية حتى لو بشكل كوميدى، ضحك كالبكاء كما قال الشاعر أبو الطيّب المتنبى.

 

بعيدا عن التاريخ المشرف، المأساة لا تخفى على أحد، فالمدارس الحكومية بلا تعليم، ولا تربية، والكارثة أن المجتمع حكومة وشعبا تعايش وتقبل هذه المنظومة السيئة على حالها بمرور الوقت، وليست الأزمة وليدة الوزارة الحالية، فالأخطاء والخطايا متوارثة من حكومة إلى أخرى، والأمل فى الإصلاح يتراجع رغم أن موازنة التعليم تصل إلى ١٣٦ مليار جنيه سنويا.

الفوضى والتخبط فى منظومة التعليم المحلى لا مثيل لها فى أى دولة متقدمة أو نامية، فنحن لدينا عدة أنظمة للتعليم منها الحكومى الذى ينقسم إلى مدارس تقليدية وتجريبية، وتعليم خاص يتفرع إلى خاص عربى ثم خاص لغات، وحتى اللغات بروحين لغات عادى وانترناشيونال، كل تلميذ على قد فلوسه من ٤ آلاف جنيه إلى أكثر من ١٠٠ ألف جنيه سنويا، والغاوى يدفع، من المؤكد أن هذه الدوامة غير موجودة فى دول أخرى، وللأسف تأثيرها على المجتمع والتلاميذ مدمر نفسيا وثقافيا واجتماعيا، فكل فئة تشعر بالدونية من الأخرى، وتختلف الثقافات، وتختلط المفاهيم، وتتوه الهوية، ولا حد دارى.

تجارب التعليم الناجحة كثيرة، ولا حاجة لاختراع العجلة، ولا مانع من تمصيرها للوصول إلى نفس النتائج، طبعا فى مقدمتها تجربة اليابان التى تقوم على الدمج بين مركزية التوجيه، ولا مركزية التنفيذ في معادلة متوازنة تتيح توافر المساواة فى التعليم ونوعيته لمختلف فئات الشعب، وتزويد كل طفل بأساس معرفى واحد دون تمييز، مع غرس روح العمل الجماعى، والمسئولية والنظام من مستوى الفصل المدرسى مرورا بالبيئة المحيطة ثم المجتمع كله، والتركيز على أن الاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء، فالمثابرة وبذل الجهد يضمن النجاح، والتكامل بين التعليم النظامى والتدريب في مواقع العمل، بدلا من الاعتماد على النقل والحفظ كما يحدث فى مصر، وطبعا المحصلة النهائية تفوق باهر، فاليابانيون يفاخرون العالم بأن نسبة الأمية لديهم صفر، بل إنهم منذ ١٧ عاما مضت يعتبرون المواطن الذي لا يعرف لغة أجنبية، ولا يجيد الكمبيوتر في عداد الأميين.

وباء الدروس الخصوصية الذى ضرب التعليم المصرى فى مقتل، وجعل من المدرسين عبيدا للفلوس لا سادة يعلمون الحروف لتلاميذهم، ويكبد الأسر فاتورة تتراوح مابين ‏١٠‏ إلى ‏١٢‏مليار جنيه سنويا بحثا عن تفوق زائف، والجميع محلك سر على مدى عدة سنوات، هذا الفيروس ينتشر دون اختراع لقاح له يحاصر خلاياه، بينما نجح اليابانيون فى تحصين تجربتهم منه بإعلاء قيمة إكساب الطلاب عقلية منفتحة، وتدريبهم على مهارات التعامل مع الآخرين، والاعتماد على النفس، فالطلاب في المدارس هناك يحضرون الطعام، وينظفون فصولهم برغبتهم وليس جبرا من ناظر أو مدير مدرسة يريد التنكيل بهم، وفي نهاية اليوم الدراسى يعقد اجتماع يضم الطلاب ومدرسيهم، لمناقشة المستجدات، وتعلم طرق التحاور، مما يخلق علاقات جماعية ناجحة فى مرحلة التدريب.. ثم العمل مستقبلا.

يا حكومة، لابد من ثورة فعلية داخل جميع المراحل التعليمية، وتطوير المناهج بالأفعال لا الأقوال والشعارات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، وإعادة تأهيل المدرسين حتى تتواكب قدراتهم مع طرق التدريس الحديثة، نحتاج منظومة متكاملة، وهنا السؤال الذى يطرح نفسه أين المجلس الرئاسي للتعليم بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على تأسيسه .. ما كشف حسابه .. وماذا قدم لتطوير منظومة التعليم؟ أخشى أن يتحول هذا المجلس تدريجيا إلى مجرد كيان والسلام رغم الآمال العريضة التى علقها المصريون عليه عندما تبنى نظاما جديدا للتعليم يعالج العيوب والمشكلات الحالية، نريد جدولا زمنيا محددا، واضح الخطوات بالتنسيق بين وزارة التعليم والمجلس لإنقاذ المنظومة، والتصدى لأصحاب المصلحة فى بقاء الحال على ما هو عليه.

لا جدال يا سادة أن التعليم هو عصب التقدم؛ إذا كانت نية الحكومة والدولة والبرلمان صادقة فى تحقيق إصلاح حال البلد، الطفرات والقفزات التنموية بوابتها الرئيسية التعليم.. ثم التعليم.