الخميس 16 مايو 2024

حاربوا سماسرة الوجدان

مقالات27-3-2022 | 11:54

90 عاما تمر على إقامة أول مؤتمر للموسيقى العربية في الثامن والعشرين من مارس 1932 بالقاهرة وهي إشارة شديدة الوضوح على مسار تشتت وتاهت خطاه للاهتمام بريادة كان يشار إليها بالبنان لتتخذ الجامعة العربية قرارا في 2019 باعتبار ذلك اليوم عيدا ..وهنا يكون التساؤل منطقيا هل نظل مغمضي الطرف عما وصلت إليه الموسيقى العربية من حال مترد، فمن الخطأ أن يبقى ذلك اليوم بمثابة سرادق عزاء تجتر فيه الأحزان على ماض عظيم تاه وسط موجات العولمة غريقا حتى بات تراثنا الموسيقي مجرد ذكرى بعد أن باتت الفجوة بينه وبين حاضرنا كالفجوة بين السموات والأرض .

إن استعادة ريادتنا الموسيقية وتحرير وجدان الأمة من الملوثات الفنية التي ملأت ساحته هي أعظم احتفال من الممكن عقده احتفاء بموسيقانا العربية خاصة وسط موجات الفن الرديء وبلائها الذي عم وطم في وسائل إعلامنا بعد أن اختزلها سماسرة الربح السريع لتتحول إلى مجرد سلعة ترفيهية منزوعة الدسم الروحي الذي يبني الوجدان ويؤسس لشخصية تدرك ماضيها وتجعل منه منطلقا لحاضرها ومستقبلها وأخبروني .. هل إذا أرادت الدولة تكريم صناعها بعد 10 أو عشرين سنة من اليوم هل يكون ممكنا أن يحصل "ويجز" أو "حمو بيكا" وأخواته من المتسيدين للمشهد على جائزة الدولة التقديرية في الفنون مثلا أم سيكون مصير الجائزة الحجب لعدم توافر مبدعين.

سؤال آخر كان الغناء سلاحا عاملا في كل ملمات مصر بدءا من حرب 56 ومرورا بهزيمة 67 وانتهاء بنصر 73 فهل اليوم من الممكن أن نجد فنا مساندا أو ملهما أو حاشدا وممثلا لإرادة المصريين أم سنعيد إذاعة تلك الأغاني القديمة كما يحدث كل عام وهو ما أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية يوم المرأة المصرية حين أشار إلى دور الدراما في صياغة الشخصية وترسيخ منظومة القيم المصرية في إشارة من سيادته أننا يجب أن نعيد صياغة منظومتنا الفنية لتكون على قدر عظمة وطموح الجمهورية الجديدة وتليق بها فهي التي بنيت بتضحيات المصريين ويجب أن يكون كل تفصيلة فيها معبرة عن تاريخهم وتراثهم العظيم أما فنون اليوم فهي فنون أشبه بالعشوائيات التي تصدت لها الدولة مستشعرة بخطورتها على الإنسان المصري وبنائه وهو هدف أسمى وضعه الرئيس على أجندة أولوياته وهو يسعى بالمصريين لبلوغ الدولة المدنية الحديثة.

إن العالم اليوم وهو يتشكل من جديد على إثر الأزمة الروسية الأوكرانية التي يتضح يوما بعد يوم أنها ليست مجرد عملية عسكرية للسيطرة على أراضي أوكرانيا بل هي محاولة لتدمير الهيمنة وتلوين الناس بلون واحد يمارسه الغرب منذ عقود فطمس هوية شعوب وأزال دولا من على الأرض في سبيل أن يبقى هو منبع الثقافة السائدة التي تخدم أهدافه ويجب على الجميع اليوم أن يحجز مكانا في العالم الجديد الذي لا يعرف إلا اليقظ لماضيه والمستمسك به في حاضره والمستلهم منه لمستقبله والمشهد واضح أن العالم الذي كان يظنه البعض واسعا متعددا لم يكن كذلك يوما ما بل هي دولة تقود ويسير خلفها الباقي مرددا ما تقوله ولم يعد صاحب صوت مستقل سوى دول تعد على أصابع اليد الواحدة امتلكت أسباب قوتها فاستطاعت وبسهولة ألا تكون من جوقة الغرب المغردة خلف الأمريكان في المعركة المتواصلة حتى يومنا هذا.

من هنا فإن استعادة هويتنا العربية في الموسيقى ليس أمرا هينا أو حديثا في غير وقته بل هو جزء من استقلالنا في العالم الجديد الذي إن لم يستشعر لك شخصية متماسكة واعية يقظة سيفعل بك ما فعله مع شعوب تعيش غريبة على أرضها.

ليتحول يوم الموسيقى العربية إلى مشروع قومي لاستعادة الهوية تنطلق بها الجمهورية الجديدة لنحرر الوجدان المصري من أسر شركة المقاولات الفنية التي تتكسب من إفساد الروح وتشويه الذاكرة وتدمير الجمال .