بقلم – نبيل رشوان
متخصص فى الشئون الروسية
كانت الدولة السوفيتية أو الاتحاد السوفييتى تعتبر دولة الأسرار، وربما كان هذا أحد عناصر القوة، فهى كانت تعتمد على جهاز مخابرات قوى يجمع لها المعلومات حول العالم، فى حين كانت تعيش فى انغلاق شديد بحيث كان المعروف عنها هو أقل القليل خاصة فى مجال التسليح والأمور الدفاعية، وكانت وزارة الدفاع السوفيتية عندما تسمع عن توصل الولايات المتحدة لسلاح جديد كانت تكتفى بالقول عندنا الرد عليه.
وربما قصة مفاوضات الحد من الأسلحة النووية التى جرت فى روسيا وكان يحضرها من جانب الولايات المتحدة وزير الخارجية الداهية هنرى كيسنجر ووزير الخارجية السوفييتى المخضرم أندريه جروميكو، وبينما يدور الحديث عن أسلحة الجانبين، اندهش جروميكو وانتحى بزميله وزير الدفاع السوفييتى المارشال جريتشكو وسأله هل نحن نمتلك هذه الأسلحة التى تتحدثون عنها، فقال له نعم فاندهش جروميكو، لأنه كان مثل الأطرش فى الزفة، ففى حين كان كيسنجر يتحدث عما لديهم من أسلحة وعما لدى السوفييت أيضاً، كان جروميكو لا يعرف شيئاً وربما لم يحاول لأنها ليست ضمن دائرة اختصاصه.
فى الوقت الحالى بدأت هذه المنظومة تعود بدرجة كبيرة فى المجال العسكرى والدفاعى، إلا أن الحياة العامة والمشاكل التى تهم الشعب فى حياته اليومية، والإعلان عن إمكانيات البلاد وكيفية التصرف فيها، فهى أمور مفتوحة للجميع، ويكفى المؤتمر الصحفى الماراثونى الذى يعقده الرئيس الروسى فى شهر ديسمبر من كل عام، والذى يستغرق فى بعض الأحيان ساعات طويلة يجيب فيه الرئيس بوتين على كافة تساؤلات الصحفيين وغير الصحفيين الذين يأتون من مختلف أرجاء البلاد، عارضين مشاكل الأقاليم التى أتوا منها ويسألون عن مستقبل البلاد وخطط الرئيس للمستقبل، وإمكانيات الدولة الروسية لتحقيق تلك الخطط، كما أن هناك الخطاب السنوى للرئيس أمام البرلمان بغرفتيه الدوما ومجلس الفيدرالية، والذى لا يخلو من المصارحة حول القضايا التى واجهت الأمة وتحديات المستقبل.
على سبيل المثال تضع الحكومة الروسية يدها دائماً على معدلات التضخم، وهى تقوم بتعويض الشعب إن لم يكن عن كل هذه النسب، فعلى الأقل بنسبة من التضخم أى أن الدولة تتحمل جزءا من أعباء التضخم عن المواطن، على سبيل المثال أصدرت الحكومة فى بداية هذا العام برفع المعاشات بأكثر من ٣٠٪ آخذة فى الاعتبار معدلات التضخم، واستثنت من هذه العلاوة أرباب المعاشات الذين يعملون، كما أن الحكومة عند إقرار الميزانية كل عام تضع فى اعتبارها أنها دولة ذات اقتصاد ريعى، أسعار النفط تلعب دوراً كبيراً ويتم إقرار الميزانية على اعتبار سعر البرميل بأقل من ثمنه فى وقت إقرارها تحسباً، وحتى تستطيع الحكومة الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية أمام الشعب الروسى الذى اعتاد على مسألة تخفيض العمالة ومنذ انتهاج سياسة اقتصاد السوق نادراً ما تجد مواطنا استمر فى عمله لفترة طويلة معظمهم يغيرون أعمالهم ومهنهم فى سبيل الحصول على لقمة العيش، وفق المتغيرات الاقتصادية.
عادة ما يستشير الرئيس الروسى أهل الخبرة والمعاهد المتخصصة فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، فهناك معهد متخصص فى شئون كندا والولايات المتحدة وهكذا لكل مناطق العالم حسب التخصص، فعلى سبيل المثال توجه للبرلمان والمتخصصين قبل التدخل العسكرى المباشر فى سوريا، فطلب تفويضا من البرلمان قبل إرسال قوات إلى سوريا، ولمدة محددة وفى حال تمديد بقاء القوات يجب على البرلمان الموافقة وإبداء رأيه، ويستشير المؤسسات وأهل الخبرة لدراسة ردود الفعل الدولية على هذه الخطوة أو تلك فيما يتعلق بالأمور الدولية التى تهم الشعب، ويقوم بنفس الدور حتى فى القضايا الداخلية الكبرى أو المشروعات القومية، والقطاع الخاص غير مستثنى من ذلك، فقد استدعى أحد رجال الأعمال فلاديمير بوتانين الذين يعمل فى مجال إنتاج النيكل، وكدولة تعتبر من كبريات الدول فى إنتاج الخامات، طلب منه أن تقفز روسيا إلى المركز الأول عالمياً فى إنتاج هذا الخام، وما إذا كان هذا ممكنا خلال العام الجارى مع تطوير وسائل استخلاص هذا المعدن النفيس، وتلقى وعداً بذلك وأنا أثق فى أن الرئيس بوتين سوف يتابع الأمر بنفسه.
تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .