السبت 8 يونيو 2024

المصريون وحكامهم

8-2-2017 | 11:31

بقلم –  السفير د. عزمى خليفة

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

أما الأمر الثانى الذى يميز هذه العلاقة فيتمثل فى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد نجح فى توجيه الشعب المصرى نحو دعم سياساته داخليا وخارجيا، فنجحت هذه السياسات نجاحا باهرا على المستويين الداخلى والخارجى، بينما الرئيس التالى له الراحل أنور السادات فشل فى تعبئة الشعب المصرى حول سياساته رغم قوة منطقه السياسى، ورغم براعته السياسية بوصفه الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة الذى مارس السياسة عمليا، بل وفصل من القوات المسلحة نتيجة هذا النشاط السياسي.

أما الرئيس الأسبق مبارك فقد مارس إقصاء الشعب من ممارسة أى دور سياسى سواء لدعم سياساته الداخلية أم الخارجية باستثناء أول خمس سنوات من عهده، حينما استهل عهده بالحكم بالإفراج عن المعتقلين الذين وضعهم الراحل أنور السادات فى السجون فى سبتمبر ١٩٨١ بدعوى عدم إثارة مشكلات قبيل إتمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء فى آخر مراحله، وكان هذا الإقصاء للشعب هو السبب الرئيسى لثورة ٢٥ يناير ضد مبارك وهو ما تكرر فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى، مما أدى للثورة ضده فى ٣٠ يونيه.

فإذا عدنا للرئيس الأسبق عبد الناصر نجد أنه نجح فى تعبئة الشعب لصالح السياسات التى سعى لتطبيقها، بفضل إصدار الثورة لقانون الإصلاح الزراعى فى سبتمبر ١٩٥٢ أى بعد قيام الثورة بقرابة شهرين، وهو ما أعطى عبد الناصر مصداقية لدى الشعب وذلك لضخامة إثارة وأهمية القرار فى حد ذاته، ورغم رفض الإقطاع المصرى الذى كان يمثل إحدى الأذرع الرئيسية للثورة المضادة فى ذلك الحين للقرار، إلا أن عبد الناصر قاوم كل ضغوط الإقطاع مما أكسبه مصداقية عند الشعب.

كذلك أشار عبد الناصر فى خطبه العامة إلى ضرورة تحقيق الاستقلال عن بريطانيا وبالفعل وقع اتفاقية الاستقلال مع وزير الدولة البريطانى للشئون الخارجية فى ١٩ أكتوبر ١٩٥٤ وكانت المفاوضات قد بدأت فى أبريل ١٩٥٣ أى بعد تسعة أشهر من قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، بعد أن نجح عبد الناصر فى تشديد الحصار على القاعدة البريطانية بفضل النشاط الفدائى.

لهذا حينما اعتلى عبد الناصر منبر الأزهر الشريف خلال العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ وأطلق صرخته مدوية “سنحارب” اصطف الشعب المصرى وراءه مرددا سنحارب سنحارب، فعبد الناصر كان مصدر ثقة الشعب وكان الشعب يثق فيه باعتبار ان الشعب كان شريكا فى جميع القرارات بالتأييد، كذلك كان الدعم الشعبى سببا من أسباب نجاح سياسة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز التى واجه بها عبد الناصر وتيتو ونهرو سياسة الاستقطاب الثنائى التى قام عليها النظام الدولى فى ذلك الحين.

كذلك كانت معركة بناء السد العالى فيما بعد إحدى المعارك الناجحة لإقامة السد العالى بفضل الدور الشعبى فيها نتيجة اعتماده على الشعب المصرى فى إنجاز المشروع وسحب البنك الدولى لتمويل المشروع، مما أدى بعبد الناصر إلى طلب التمويل من الاتحاد السوفيتى وهو ما تحقق بالفعل.

وهنا ينبغى الإشارة إلى أنه فى أعقاب نكسة ١٩٦٧ ظهرت مجموعة هائلة من النكات الشعبية على الجيش، مما أدى لانخفاض الروح المعنوية فى وقت كان عبد الناصر قد قرر إعادة بناء الجيش لاسترداد ما أخذ بالقوة وهو ما تحقق بالفعل بعد وفاته فى حرب ١٩٧٣، فما كان من عبد الناصر إلا انه ألقى خطابا أمام البرلمان طالبا من نواب الشعب العمل على إيقاف هذه النكت، وهو ما تحقق بالفعل.

ومما تقدم نستنتج أن تفاعل عبد الناصر مع الشعب بشأن الأحداث الهامة التى مرت بها مصر كان سر حب الشعب المصرى له، فقد نجح فى تحقيق عدة مشروعات لإقامة العدالة الاجتماعية التى كانت هدفا من الأهداف الستة لثورة يوليه، وكان مجرد الحوار مع الشعب كافيا لإشعار الشعب بأهمية دعم سياساته ومشروعاته فقد توحد المواطن المصرى لأول مرة مع قيادته السياسة وشعر بأهمية دوره حتى فى القضاء على النكت المصرية، فالأساس فى هذا الحوار إشعار المواطن بدوره الذى لاغنى عنه.

فى نفس الوقت اكتسب عبد الناصر ثقة مطلقة فى سياساته، مما دفعه للدفاع عنها فى كل المحافل الداخلية والخارجية ضد الإقطاع والاستعمار البريطانى والضغط الأمريكي، والتمسك بها دون أى تنازل ولو قيد أنملة، ولذا تعلمنا فى الدبلوماسية أن نعلن أى مواقف مقدر لها التمسك بها لأن التخلى عنها يسبب اضطرابات الرأى العام وهى خطوة غير محمودة العواقب.

فالشعوب كما هى دافع وطاقة إيجابية لتنفيذ السياسات العامة، فإنها أيضا قيد لعدم القبول بما هو أقل، خاصة أن الاتجاه العام حاليا يتطلب ضرورة مصارحة الشعب بحقائق أى موقف لأننا فى عصر المعلومات وما لا يعلن فى الداخل سيعلن فى الخارج، وقد يشمل ذلك معلومات مسمومة أو موجهة لأهداف خاصة مقصود إعلانها وان كان فى ظل تعدد مصادر المعلومة اليوم يصعب تحقيق ذلك.

أما الرئيس السادات فقد كان لجوؤه للشعب متوقفا على الموضوع واعتمدت سياسته على اختيار موضوعات تدعم سياساته الداخلية، وكان يتمتع بميزة نسبية فى منطقية عرض موضوعاته، ففى الوقت الذى قبل فيه استقالة أفضل وزراء خارجية مصر بعد د. محمود فوزى ونقصد السيد إسماعيل فهمى، ومن بعده الوزير محمد رياض احتجاجا على زيارة إسرائيل عام ١٩٧٧ وهو القرار الذى أخذه بتأثير من مظاهرات ١٧،١٨يناير ١٩٧٧ وهى الانتفاضة التى شملت الجمهورية وهددت مقار إقامته، مما استدعى نزول الجيش للشوارع فقد قرر إخبار الشعب بالموضوع فى البداية بصورة غامضة على هامش خطاب عام أمام مجلس الشعب فى جملة قصيرة من سطر واحد، وانتهى الاجتماع ونواب الشعب وأفراد الشعب ما بين مصدق زيارته لإسرائيل وبين غير مصدق للأمر، فتطورت الأمور بسرعة ولم يتوافر له دعم شعبى قوى كالذى توافر لعبد الناصر فى قرارات مصيرية أخرى، ولولا خطابه القوى الرائع أمام الكنيست الإسرائيلى والذى لم يتنازل فيه قيد أنملة عن حدود الموقف العربى، لكان قد واجه موقفا مختلفا لدى عودته خاصة أن استقباله بالقاهرة كان فاترا.