السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

اعقد مصالحة بين الهَوَى والعقل.. تكن صانعًا للخير والجمال

  • 7-4-2022 | 14:22
طباعة

(اجعل هَوَاك مُوَافِقًا لمُرَاد الله (عز وجل)، ولا تجعله موافقًا لنَفْسِك الانحرافية).

العَقْلُ سُمِّي بالعقل؛ لأنه يَعْقِلُ حَرَكَةَ الإنسانِ حتى يجعَلَها مُنضبطةً مع المنهج الإلهي، وحركة الإنسان (أي: تصرفه وسلوكه) تدور بين الشخصية الإيمانية والنفس الانحرافية ، فالشخصية الإيمانية تريد ترجمةَ التعاليم الإيمانية، والنفس الانحرافية تريد الهوى، والهَوَى هو ما تميل إليه النفس وتستلطفه ، وقد يكون ما ألفته واستلطفته مشروعًا، وقد يكون غيرَ مستحب ولا مشروع ولا حتى مقبول.

فكل إنسان منا له أهواءٌ مُتَعَدّدةٌ (أقصد الأهواءَ الغير مشروعة)، فنجد واحدًا هَوَاهُ في الطمع، وآخر هَوَاهُ في المال، وثالث هَوَاهُ في المحاباة، ورابع هَوَاهُ في المنفعة الشخصية بأي وسيلة، وخامس هَوَاهُ في النساء، وهكذا تتعدد الأهواء تبعًا للنفس الانحرافية وما تريده.

وإذا تَمَلّك هذا الهَوَى من الإنسان، أزاغ عقلَه وأمَالَه عن الطريقِ الحقِّ المستقيم، فالهَوَى هو السبب الأصيل الذي يدفعُ العقلَ إلى أن يختارَ أمرًا مُخَالِفًا، فيجنح بالعقل إلى الضلالة والغواية والحِيَدَة عن الطريق المستقيم، ومعلوم أنه لا يميل الإنسانُ عن الصَّوَاب والحقِّ إلا إذا أراد أن يخدم هواه.

ومن بين مهام العقل الكثيرة (التقييد، والقدرة على الاستنباط والتقييم)، فالعقل مأخوذ من عقال البعير؛ ولذلك نجد صاحبَ الجمل مثلًا يُقَيِّدُ سَاقَه بقطعة من الحبل حتى لا يجمح، والإنسان يحتاج إلى العقل ليكبحَ جِمَاحَ الهَوَى، ولينقِذَه من كُلِّ فُحْشٍ أو قُبحٍ أو سُوءٍ أو ضلالٍ أو غوايةٍ، أو ما شابهها، والمعنى أن العقلَ يُقَيّدَك أن تفعلَ أيَّ أمرٍ دون دراسة عواقبه، ودون تفكير سديد في نتائجه؛ لأن عملية العقل تنشأ بعد أن تسمع، وبعد اكتمال الحواس، ولذلك فالإنسان يمرّ أولًا بالمرحلة الحسِّيَّة ثم العقلية، فهو يرى ويسمع ويتذوق، ثم يتكون عنده من بعد ذلك القضايا العقلية.

فالعقلُ إذن هو الذي يُحَصِّنُ الفِكْرَ من الأهواء الغير مشروعة، ويعطي البدائل المتعددة التي تجعل الإنسان مستقيمًا في فكره وفي أسلوبه وفي سلوكه .

والعقلُ هو الذي يحمي الإنسانَ من الشَّطَط، ويضبُطُ حُرِّيَّتَه وحَرَكَته في إطار مسئوليته، كما أنه يعقل الغرائزَ والأهْوَاءَ عن الوصول بالإنسان إلى الغواية والضلال.

إذن هناك هَوَى تَمِيلُ إليه النفس، فإن كان موافقًا للشرع، فإن العقل يعَضّده، وإن كان غيرَ مشروع، فإن العقل يرفضه، ومن هنا تكون حركة الجوارح مترددة (أي: في صراع) بين ما يريده الهوى وما يريده العقل، فلا تتبع حكم الهوى وتجعله إلهك (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)، واتبع تفكير العقل وتوجيه القلب، فاتباع الهوى يجعلك أداة من أدوات صناعة الفساد والتخريب واللا إنسانية واللا منطقية ومن ثمّ لا يصدر منك إلا القُبح في الكون، واتباع توجيه القلب الخالص وتفكير العقل المستقيم المتزن يجعلك أداة من أدوات صناعة الحكمة والسكينة والإنسانية والمنطقية، ومن ثمّ لا يصدر منك إلا الجمال في الوجود، ومن هنا فإن الحياة لن تستقيم إلا بالبعد عن الهوى والمصالحة مع القلب والعقل.

وينبغي أن ندرك أن الهَوَى يُصَادِمُ الهَوَى.. فاجعل هواك بالعقل والقلب يصادم هواك بالنفس الانحرافية.. اجعل هَوَاك مُوَافِقًا لمُرَاد الله (عز وجل)، ولا تجعله موافقًا لنَفْسِك الانحرافية، واستثمر هذا الزمان الشريف (شهر رمضان في التدريب على ذلك).

نسأل الله العصمة من الوقوع في الهوى.

الاكثر قراءة